هل الأفضل تعجيل الزواج لأحقق أهدافي منه، أم تأخيره؟
2024-06-26 03:48:54 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب بعمر 22 سنة، أحسب أني مقصر في التزاماتي الدينية، ملتزم جداً بالفرائض، ساع جداً لتعويض هذا التقصير، أعاننا الله وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.
أنا في حاجة واضطرار شديد للزواج، ليس بغية العفة ودرء الفتن فقط، وإنما أيضاً لزيادة همتي وسعيي وراء تحصيل العلم الديني والدنيوي النافع، والتفقه في دين الله سبحانه، وزيادة أسباب اصطفائه سبحانه لي؛ لأكون مصلحاً للأمة ناشراً لتعاليم ديننا، داعياً إلى الله بأحسن ما يمكن، ولا أرى تلك الهمة ولا السعي إلا بالزواج والعفة.
أنا أدرس في بعض البرامج الدينية العلمية، ولكن التزامي فيها ضعيف جداً، هداني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه.
لست بمستقل مادياً، ولكن سعيي لذلك شديد، وبعون الله قريباً سأصل لهذا المبتغى. والدي -حفظه الله ورعاه- وضعه المادي جيد جداً -ولله الحمد-، والفتاة التي أحسبها متدينة وخلوقة، وناضجة فكرياً وجسدياً موجودة، وهي بعمر 20 سنة، وهي بنت خالتي.
كنت قد تحدثت مع والدتي وخالة أخرى لي عن إمكانية أن أخطب الفتاة، وتكون الفترة ما بين 8 أشهر إلى سنة؛ وذلك إلى أن أحسن أوضاعي في هذه الفترة، وأصل للزواج بكامل الجاهزية، وكان جوابهم بأن الأفضل تأخير ذلك، وقد يكون هذا تسرعاً مني وقلة نضج، وقد تتغير هذه الأفكار والمفاهيم.
أرى في أمر الخطبة بذاته أهمية شديدة لي، وأصبحت في حيرة من أمري، وذلك سيسبب انشغالي عن سعيي في عدة أمور، وأخاف أن أحيد عن طريقي إلى طريق الشهوات.
أرجو منكم إرشادي لما يتوجب علي فعله، جزيتم عنا خير الجزاء.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ رامي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أولًا: نسأل الله تعالى أن يُعينك، وأن يُسهّل لك ما تقصد الوصول إليه من تحصيل العلوم الشرعية، والسعي في نفع الناس، وتعليمهم ونُصحهم، ونسأل الله تعالى أن يجزيك خيرًا لهذه المقاصد النبيلة، والأهداف العظيمة.
كن على ثقةٍ تامّة -أيها الحبيب- من أنك ماضٍ على طريق الخير، وكما قال أئمتنا -رحمهم الله-: (ما دمتَ تنوي الخير فأنت بخير)، والإنسان قد يبلغ بنيته وقصده ما لم يبلغه بعمله وكسبه، وقد دلّت على هذه الحقيقة كثير من أحاديث الرسول العظيم -صلى الله عليه وسلم-.
نصيحتنا لك -أيها الحبيب-: أن تكون واقعيًّا في ما تريد تنفيذه، وأن تسعى فيما ينفعك بقدر طاقتك، وتُنفذ ما تقدر عليه، والشاعر يقول: إِذا لَم تَستَطِع شَيئاً فَدَعهُ *** وَجاوِزهُ إِلى ما تَستَطيعُ
على هذا الأساس نقول: إن الزواج من أحسن الأعمال التي ينبغي للشاب أن يحرص عليها، وأن يسعى لها إذا كان قادرًا مستطيعاً، امتثالًا لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ).
قد قسَّم النبي -صلى الله عليه وسلم- الشباب إلى قسمين: قسمٌ قادرٌ على الزواج، وقسمٌ آخر غير قادر، وأعطى توجيهاته الحكيمة لكلِّ قسمٍ من القسمين، فالشاب القادر على الزواج وتحمُّل أعبائه ونفقاته؛ نصحه عليه الصلاة والسلام بالتبكير والمسارعة إلى الزواج؛ لأن في الزواج مصالح كثيرة، ومنافع عظيمة.
أمَّا مَن كان لا يقدر على هذه الأعباء فإن النصيحة النبوية هي أن يأخذ بأسباب التعفُّف، ومن ذلك أن يُدمن ويُكثر من الصيام، فإنه وجاء -أي خِصاء- يقوم مقام الخصاء، فيُقلِّل الشهوة.
نحن في توجيهنا لك ونصيحتنا التي نُقدّمها بين يديك، لن نخرج عن هذا الخط النبوي الذي رسمه لنا النبي صلى الله عليه وسلم، فنقول - أيها الحبيب-: استعن بالله ولا تعجز، فإن كنت قادرًا على الزواج بالفعل فبادِرْ إليه، وإن كنت لا تقدر، فنصيحتُنا لك ألَّا تسمح لنفسك بالاسترسال في التفكُّر في الزواج وما يترتّب عليه، فإن النفس إذا أُطْمِعت في الشيء طمعت فيه وظلّت حبيسةً للتفكير فيه، فإذا صرَفها صاحبُها عن ذلك صُرفت.
والنفس كالطفل إن تتركه شبَّ على **** حب الرِّضاع، وإن تفطمه ينْفَطِمِ
إذا لم تكن قادرًا على مُؤن الزواج وما يحتاجه من نفقاتٍ وأموالٍ؛ فنصيحتنا لك: أن تصرف ذهنك عن التفكير فيه في هذه المرحلة من عُمرك، وأن تُكثر من الصيام، وأن تسعى وتُجاهد نفسك لحفظ سمعك وبصرك عن المثيرات، وأن تحاول التعرُّف إلى الصالحين من الشباب والطيبين منهم، وأن تُمضي أوقاتك معهم في برامج نافعة، فإن الفراغ إذا مُلئ سَهُلَ على الإنسان أن يُعرض عن التفكير فيما لا يعود عليه بالنفع.
نسأل الله بأسمائه وصفاته أن ييسّر لك الخير، وخيرُ ما ننصحك به ونُوصيك: أن تُكثر من اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى، والدعاء بين يديه بصدقٍ واضطرارٍ، أن يُيسّر لك الخير ويُعينك عليه، وييسّر لك العفّة وأسبابها، وهو سبحانه وتعالى على كل شيءٍ قدير، وخزائنه ملأى، ويده سحَّاء الليل والنهار، لا تُغيضُها نفقة، وامتثل قوله تعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) [النور: 33].
نسأل الله تعالى أن يُغنيك من فضله.