بسبب الرهاب الاجتماعي لم أحسن أداء صلاة الجنازة!

2025-03-19 02:30:26 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب أعاني من اضطراب الرهاب الاجتماعي، ولا أستطيع حضور الجنازات وما شابه، أو أي تجمع فيه عدد من الناس، لأني فاقد الثقة بنفسي، وأتوتر بشدة، ويمكن أن أفقد الوعي بسبب الرهاب الاجتماعي.

ماتت قريبة لي، وقررت عدم الذهاب إلى صلاة الجنازة، أو حضور الدفن، وحتى العزاء، ولكن شاء الله أن أذهب لأصلي صلاة العصر في المسجد، ولم أعلم أن هذا المسجد ستقام فيه صلاة الجنازة، وكانت بعد صلاة العصر، دخلت وكنت متوترًا جدًا؛ لأن العدد كان كبيرًا بسبب الجنازة، المهم بعد صلاة العصر حان وقت صلاة الجنازة، والإمام لم يذكر كيفية صلاتها، ولم أتذكر إلا إنها أربع ركعات، أقرأ الفاتحة في ركعة، وأدعو لي في واحدة وللمسلمين في ركعة، ولم أتذكر الأخيرة، فصليت عشوائيًا في الترتيب، ولم أكن أعلم ماذا أفعل، فهل أنا آثم؟ وماذا علي أن أفعل؟

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في إسلام ويب، وأسأل الله لك العافية والشفاء.

أخي: الخوف أو الرهاب أو الهرع الاجتماعي يمكن علاجه بصورة فعّالة جدًّا، والإنسان يجب ألَّا يتعايش معه أبدًا؛ لأنه بالفعل مُعيق، والرهاب الاجتماعي ليس جُبنًا أو ضُعفًا في إيمان الإنسان، أو اضطراباً في الشخصية، إنما هو سلوك مكتسب، غالبًا تكون قد تعرّضت لخوف شديد في موقف اجتماعي، قد لا تتذكّر هذا الموقف، لكن لا بد أن يكون قد حدث لك شيءٌ من هذا، وهذا ربما كان في مراحل الطفولة المبكّرة.

أيها الفاضل الكريم: العلاج مهم وضروري، وهنالك علاج سلوكي، وهو علاج بسيط جدًّا، يقوم على مبدأ: تحقير الخوف، والقناعة الكاملة بأنك لست بأقلّ من الآخرين، فلماذا لا تقوم بمثل ما يقومون به؟

والأمر الثاني هو: صرف الانتباه عن الخوف من خلال إدخال أفكارٍ مخالفة، وأفعالٍ مخالفة أيضًا.

والأمر الثالث هو: التنفير، أن تربط هذه المخاوف بشيءٍ صادم للنفس، يُنفّر من الخوف.

هذه سلوكيات علاجية بسيطة جدًّا، وإن ذهبت إلى أي معالج نفسي سوف يقوم بوضع هذا البرنامج لك، وفي خلال أسبوعين أو ثلاثة يمكن أن تُعالَج بصورة فعالة جدًّا.

أنا أنصحك أيضًا بتطبيقات عملية:
أولًا: أريدك أن تعرّض نفسك لموقف اجتماعي كبير، وهذا التعرُّض يكون في الخيال، تتصوّر وتتخيّل مثلًا أنك في المسجد، وأنك خلف الإمام، وأنك لا بد أن تقوم بالإنابة عن الإمام في حالة أنه قد طرأ عليه طارئ، هذا موقفٌ رهيب من ناحية إنزال الخوف على الإنسان، لكنه قد يحدث.

ثانيًا: التعريض في الخيال: علاج مفيدٌ جدًّا إذا طُبّق بصورة صحيحة، وذلك من خلال أن تجلس في مكانٍ هادئ، وأن تُخصص وقتًا لا يقل عن عشر دقائق، وأن تبدأ الرحلة -أي رحلة التعرُّض من بدايتها-، أن تبدأ الحدث من بدايته، مثلًا: الأمر يحتاج منك أن تبدأ بالوضوء، وتجهز نفسك، ثم تذهب إلى المسجد، وتتخيّل أنك قد فتحت باب المسجد، ودخلت المسجد، وأنه قد أتاك شيء من الخوف، وبعد ذلك قمت بصلاة السُّنّة، وحاولت أن تكون منزويًا في الصفوف الخلفية، لكنّ دفعتك نفسك نحو الصفوف الأمامية، وهكذا.

إذًا تعيش هذه الرحلة في الخيال بكل تفاصيلها، وهذا يجب أن تُكرره، نعم جلسة إلى جلستين في اليوم مع هذا التفكير أو التعريض في الخيال مفيدٌ جدًّا، ويمكن أن تُشكّل موضوع التعريض هذا، مثلًا: تتصور أيضًا أنك قد ذهبت إلى مناسبة، مناسبة عرس مثلًا، أو ذهبت إلى المستشفى لتزور مريضًا، أو -كما تفضلتَ- أن تصلي على جنازة، ولا بد أن تتذكّر العائد والمردود الإيجابي من هذه الأفعال التي تقوم بها، وهي الأجر، واكتساب الأجر هو أكبر مردود إيجابي يمكن أن يأتي به الإنسان لنفسه.

إذًا التعريض في الخيال بصورة منضبطة يُعالج كثيرًا، وبعد ذلك تبدأ التعريض في الواقع، والتعريض في الواقع يكون في بداية الأمر مع رفقة، رفقة مؤتمنة (صديق، أخ، والد) تذهب معه مثلًا إلى المسجد، وفي نفس الوقت تعرّض نفسك في الخيال وأنت في طريقك إلى المسجد، وهكذا.

فإذًا -أخي الكريم- العلاج موجود بصورة فاعلة جدًّا، وبصفة عامة: نمط حياتك أيضًا يجب أن يكون إيجابيًّا، أن تمارس الرياضة، أن تنظم وقتك، أن تقرأ، أن تطلع، أن تكون بارًّا بوالديك، هذه كلها علاجات، ويجب أن تُطبق أيضًا تمارين تُعرف بتمارين الاسترخاء.

وطبعًا تُوجد علاجات دوائية رائعة جدًّا، نعم هنالك دواء يُسمّى (سيرترالين) وآخر يُسمَّى (باروكستين) وثالث يُسمّى (اسيتالوبرام) كلها أدوية رائعة جدًّا لعلاج الرهاب الاجتماعي، فلا تحرم نفسك من هذه النعم العظيمة، وأرجو أن تذهب وتقابل طبيبًا نفسيًّا، وإن لم يكن بالإمكان فقد يكون أحد الأدوية التي ذكرتها لك مفيداً جدًّا، لكن الأدوية يجب أن تستصحب بالتطبيقات السلوكية التي ذكرناها، يجب ألَّا تعيش مع الخوف الاجتماعي أبدًا، فعلاجه ممكن.

أمَّا من الناحية الشرعية فسوف يفيدك -إن شاء الله تعالى- الشيخ الدكتور أحمد سعيد الفودعي.
________________________

انتهت إجابة: د. محمد عبدالعليم .. استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
تليها إجابة: د. أحمد الفودعي .. مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
_______________________
مرحبًا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب.

نسأل الله تعالى أن يَمُنَّ عليك بالعافية ويُعجّل لك بالشفاء، ونصيحتنا لك -أيها الحبيب- أولًا: أن تأخذ بالأسباب، فإن الأمراض قدَرُ الله تعالى، والتداوي قدَرٌ يُدفع به قدرُ المرض، فأقدار الله تتدافع، وكما قال أمير المؤمنين عمر -رضي الله تعالى عنه-: "نفرُّ من قدَرِ الله إلى قدر الله"، فنصيحتنا لك أن تتداوى، وأن تُحسن الظنّ بالله تعالى أن يَمُنَّ عليك بالعافية.

وأمَّا ما ذكرته بشأن صلاة الجنازة؛ فمقصودك أربع تكبيرات وليس أربع ركعات، وكونك لم تقل شيئًا بعد التكبيرة الرابعة لا شيء عليك في ذلك، فليس بعدها ذِكر، وكونك أقدمت وأخّرت فإن هذا لا يُوقعك في الإثم، فليس عليك إثم.

نسأل الله تعالى أن يتقبّل منك عملك.

www.islamweb.net