أريد أن أفهم موضوع الرزق والسعي للمستقبل.. أرشدوني
2024-07-31 00:12:25 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
أود أن أسأل عن الزواج، هل هو رزق؟ وما الدليل على أنه رزق؟ وهل رفضي لعريس، أو فرصة عمل لأسباب، هل هو رفض لرزق الله؟
أنا تعثرت في موضوع فهم الرزق، والسعي، ومررت بمراحل من قسوة القلب، ومعصية الله، ورفض لأوامره، وسخط على قدري ورزقي؛ لأنه تأخر، واستبطأت رزقي واستعجلت حدوث الرزق، وأخشى أن أكون قد وقعت في الكفر، أو الشرك، فماذا أفعل؟ كيف أرجع إلى الله وأكفر عن ذنوبي؟
أخيراً: كيف أتعامل مع الرزق؟ وما حكم الخوف على الرزق، أو المستقبل؟ وهل الخوف على الرزق أو المستقبل يعد من الإثم والسخط؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رهف حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يهديك إلى الخير، وأن يفتح بصيرتك إلى فهم هذا الدّين العظيم الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به.
لا يخفى عليك أن الأرزاق كتبها الرزّاق ونحن في بطون أمهاتنا، و«كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ»، وكلِّفنا بالسعي، والسعي من قَدَر الله تبارك وتعالى، والفقيه هو الذي يدفع أقدار الله بأقدار الله.
الله كتب الأرزاق، وكتب الأسباب والطرق الموصلة إليها، ثم كلّفنا بالسعي، ومن الأسباب الدعاء، فـ«إِنَّ الدُّعَاءَ وَالْبَلَاءَ -أو القَضاءَ- لَيَعْتَلِجَانِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ».
ومن الأسباب المشي والحركة في طلب الرزق، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}، هيأ لكم الأرض للسعي في طلب الرزق، فامشوا واسعوا في طلب الرزق، وقال: {فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ}، فإذا انتهيتم من العبادة والصلاة فاطلبوا الرزق واسعوا إليه، وقال: {وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله}، وقال لمريم عليها السلام: {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبًا جنيًّا}.
وقال الشاعر:
ألم تر أن الله قال لمريمٍ *** إليك فهزِّي الجذع يسَّاقط الرُّطب
ولو شاء أن تجنيه من غير هزِّها *** جنته ولكن كلُّ شيءٍ له سبب
وقال النبي -صلى الله عليه سلم-: «لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ؛ لَرَزَقَكُمْ كَمَا تُرْزَقُ الطَّيْرُ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا».
هذه كلها بذلٌ للأسباب، لكن الأرزاق مكتوبة، وأيضًا هذا السعي مطلوب من الإنسان، أن يسعى في طلب الرزق، ولن يحدث في كون الله إلَّا ما أراد الله، والإنسان عليه في طلب الرزق أن يسلك السبل الصحيحة، فالزواج رزق، والمال رزق، والجمال رزق، وكل هبات الله -تبارك وتعالى- لنا وعطاياه ونعمه التي لا تُحصى؛ هي أرزاقٌ يُقدّرُها القدير سبحانه وتعالى.
واستعجال الرزق لا يُؤثّر، ولكن الإنسان لا بد أن يعتدل؛ ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ الرُّوحَ الْأَمِينَ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّهُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا»؛ فما هو التوجيه يا نبي الله؟ قال: «فاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ» يعني: اعتدلوا في الطلب. ثم قال: «وَلَا يَحْمِلَنَّ أَحَدَكُمُ اسْتِبْطَاءُ رِزْقِهِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يُدْرِكُ مَا عِنْدَ اللَّهِ إِلَّا بِطَاعَتِهِ»، وقال: «أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ، وَدَعُوا مَا حَرُمَ».
وكما قال الشاعر:
مَشَيْنَاهَا خُطىً كُتِبتْ عَلَيْنَا *** وَمَن كُتِبتْ عَلَيْهِ خُطىً مَشَاهَا
وَأَرْزَاقٌ لَنَا مُتَفَرِقَاتٌ *** فَمَنْ لَمْ تَأْتِهِ مِنَّا مَشْيًا أَتَاهَا
وَمَنْ كَانَتْ مَنيّتهُ بِأَرْضٍ *** فَلَيْسَ يَمُوتُ فِي أَرْضٍ سِوَاهَا
والإنسان ينبغي أن يُوقن أن الرزق بيد الله، ليس رزق البشر فقط، ولكن: {وَما مِنْ دَآبَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَاّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ}.
وكأني بذلك الرجل وقد جلس يتعشّى، فكان القط يأتيه فيُعطيه من الطعام، لكنهم لاحظوا أنه أصبح يأخذ كميات كبيرة ثم يذهب بها، فأرسلوا مَن يُتابعه فإذا هو يحمل هذا الطعام إلى ثعبان كبير فقد بصره، لاحظ الآن كيف يُسخّر الله تبارك وتعالى هذا القط لينقل للثعبان رزقه؛ لأن الله تكفّل بأرزاق الخلائق والدواب -سبحانه وتعالى-.
هذا الاعتقاد: أن الله هو الرزاق هو من توحيد الربوبية، وهذا ممَّا كان يعرفه الناس بل ويُوقن به جميع الناس، أن الرزق من الله، وأن الموت بيد الله، وأن الحياة بيد الله؛ يعني: هذه كلها من توحيد الربوبية التي ينبغي أن يُوقن بها الإنسان ويؤمن بها؛ لذلك ينبغي ألَّا يكون هناك اعتراض، بل الإنسان يرضى ويبذل الأسباب، ويتوكل على الكريم الوهاب، ويرضى بما يُقدّره الله تبارك وتعالى، وفي الأثر: "قال الله تعالى: يا اِبْنَ آدَمَ! وَعِزَّتي وَجَلالي لَئِنْ رَضِيْتَ بمَا قَسَمْتُ لَكَ أَرَحْتُكَ وَأَنْتَ مَحْمُوْدٌ، وإنْ لَمْ تَرْضَ بِمَا قَسَمْتُ لَكَ سَلَّطْتُ عَلَيِكَ الدُّنْيَا تَرْكُضُ فِيْهَا ركْضَ الوَحْشِ، ثُمَّ لا يَكُوْنُ لَكَ إِلَاّ مَا قَسَمْتُ لَكَ وَأَنْتَ مَذْمُوْمٌ".
والرجوع إلى الله يكون بصدق الإيمان بهذه الأشياء، ثم ببذل الأسباب، والتعامل مع الرزق بأن يبذل الإنسان ما عليه، ويشكر رزق الله تبارك وتعالى عليه، وخوف الرزق من طبيعة البشر، لكن الخوف الذي يجعله يعترض، الخوف الذي يجعله يمد يده إلى الحرام هذا هو المرفوض، فمجرد الخوف لا يكون من الإثم، لكنه من ضعف الإيمان، لكن كيف نخاف الله وهو الرزّاق، تكفّل بأرزاقنا، (يا ابن آدم خلقتك لعبادتي فلا تلعب، وتكفلت برزقك فلا تتعب).
فنسأل الله تعالى أن يُعيننا على الخير، ونتمنى أن نكون قد فهمنا السؤال وأوصلنا الإجابة المناسبة لك، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق.