أريد العفاف ولكن أهلي يريدون الحسب والنسب، فماذا أفعل؟

2024-11-23 22:36:40 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا أريد الزواج، وقد فكرت بالزواج من مطلقة؛ لأنه ليس لدي عمل، ولا دخل كاف لمصاريف العرس، ويصعب علي مفاتحة أهلي بهذه الفكرة؛ لأني من عائلة لديها مال، وجاه، ولكن أهلي يبحثون عن الحسب، والجاه، والمال، ويرون أن المسائل الدينية من لباس شرعي، وصلاة، وتدين، تأتي مع الوقت، وعندما فكرت في خطبة إحدى الفتيات المتدينات، هوجمت من قبل أبي وأمي.

لقد أصبحت أفعل ذنوب الخلوات، وقد بلغ السيل الزبى، ولا أريد أن أظل تحت رحمتهم؛ فهم لن يحملوا عني أوزاري، والشارع أرحم لي في مسألة غض البصر، أما النت فهو حرفيًا أداة سهلة بدون تكاليف، وفي أي وقت، ودون علم أحد!

أتمنى أن أترك بلدي، وأعيش بعيدًا عن أهلي، لا أرفض معايير أهلي، ولكن أتمنى لو كانت أبسط من ذلك!

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يرزقك الزوجة الصالحة الذي تساعدك في دينك ودنياك.

الأخ الكريم: دعنا نحدد المشاكل، ونفصل كل مشكلة عن الأخرى؛ لأن اتحاد المشاكل، ووضعها في كفة واحدة يرهقك، ويوهمك أن التغيير مستحيل، وهذا خطأ، وهو أحد ألاعيب الشيطان، فانتبه.

مشاكلك هي ثلاثة أمور:

1- شهوة لم تستطع كبح لجامها.
2- فراغ دفعك إلى مشاهدة ما حرم الله تعالى.
3- تطلع الأهل لزواجك من ذات الحسب، أو الجاه، أو غير ذلك، وضعف تطلعهم إلى التدين.

هذه المشاكل الثلاث تحتاج أن تعالج كل واحدة على حدة، وستجد بعد ذلك تقدمًا -إن شاء الله-.

1- اعلم -أخي الكريم- أن ما تعانيه هو ما يعاني منه كل الشباب في مثل عمرك، وأنك مختبر وممتحن بالشهوة، وقد وضع الله فيك الأسباب التي تقودك إلى السلامة إن أخذت بأسبابها، وجاهدت نفسك على مواجهتها، فعندها ستنجح كما نجح آلاف الشباب، وأنت طبيب نفسك، ونحن ندلك بأمر الله على الطريق، وعليك أنت الاجتهاد في السير فيه.

2- اعلم كذلك أن الشهوة لا تموت بالمصاحبة، ولا المسايرة، ولا مشاهدة الأفلام المحرمة، بل بهذا يتوقد سعارها، وتزداد اشتعالاً وولعًا، وتسبب لك من الأمراض ما لا يخفي على مثلك.

3- أنت قادر على التغيير -بإذن الله- ما تمسكت بأمرين:
- التوكل على الله مع الإقبال عليه.
- الثقة في نفسك، وفي قدرتك على تغيير عاداتك.

قبل الشروع في طرق التغيير:
أولاً: لا بد أن تعلم: أن الاستمناء محرم، ولا يجوز شرعًا، قال الله:( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ).

قال ابن جرير: وقوله: (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ) يقول: فمن التمس لفرجه مَـنْـكَـحـًا سوى زوجته وملك يمينه؛ (فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) يقول: فهم العادون لحدود الله، المجاوزون ما أحل الله لهم إلى ما حرم عليهم.

وقال ابن القيم -رحمه الله- في الآية: وهذا يتضمن ثلاثة أمور: من لم يحفظ فرجه لم يكن من المفلحين، وأنه من الملومين، ومن العادين. ففاته الفلاح، واستحق اسم العدوان، ووقع في اللوم؛ فمقاساةُ ألمِ الشهوة ومعاناتـها أيسرُ من بعض ذلك. (أ.هـ).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أما الاستمناء باليد فهو حرام عند جمهور العلماء، وهو أصح القولين في مذهب أحمد، وكذلك يعزر من فعله.

4- للتغلب على ما أنت فيه، ننصحك بما يلي:

- الإقناع الذاتي بأنك تقدر؛ فما لم يتم الاقتناع الداخلي فإن العلاج سيكون ناقصًا غير كامل.

- زيادة التدين عن طريق الصلاة (الفرائض والنوافل)، والأذكار، وصلاة الليل، وكثرة التذلل لله عز وجل، واعلم أن الشهوة لا تقوى إلا في غياب المحافظة على الصلاة، قال تعالى: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات)، فكل من اتبع الشهوة يعلم قطعًا أنه ابتعد عن الصلاة كما ينبغي، وبالعكس كل من اتبع الصلاة، وحافظ عليها، وأدّاها كما أمره الله، أعانه الله على شهوته.

- ابتعد عن كل المثيرات التي تثيرك، واعلم أن المثيرات سواءً: البصرية عن طريق الأفلام، أو السماعية عن طريق المحادثات، أو أيًا من تلك الوسائل لا تطفئ الشهوة، بل تزيدها سعارًا.

- تجنب أن تجلس وحدك مطلقًا، ولا تذهب إلى حاسوبك إلا والباب مفتوح تمامًا، ولا تخلد إلى النوم إلا وأنت مرهق تمامًا.

- كثرة الدعاء أن يصرف الله عنك الشر؛ فالدعاء سهم صائب متى ما وافق القلب الصادق.

- أكثر من الصوم؛ فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ).

ثانيًا: الفراغ هو الحديقة الخلفية التي يرتع فيها الشيطان، ويشدك إليها شدًا، فإذا استطعت أن تشغل وقتك بالعلم، أو بالمعرفة، أو بالعمل فافعل؛ فإن هذا صارف لعقلك عن التفكير في ما حرم الله، وقاطع على الشيطان وسوسته لك.

- كذلك اجتهد أن تجعل لك وردًا يوميًا من قراءة القرآن، وإن كان يسيرًا.

- واجتهد في ممارسة الرياضة؛ فإنها معين جيد لك.

- ننصحك كذلك باختيار الأصدقاء بعناية تامة؛ فإن المرء قوي بإخوانه، ضعيف بنفسه، والذئب يأكل من الغنم القاصية، فاجتهد في التعرف إلى إخوة صالحين، واجتهد أن تقضي معهم أوقاتًا أكثر في الطاعة، والعبادة، والعمل المجتمعي.

ثالثًا: قناعة أهلك ليست وحيًا يتلى، ولا قرآنًا يرتل، والحديث معهم عن رغبتك في متدينة لا يتعارض ما مع يريدون، المهم أن يكون الحديث معهم ودودًا، وبحب، وأنت يمكنك أن تجمع بين الأمرين -إن شاء الله-.

أخي الكريم: اعلم أنك متى ما تمسكت بما ذكرنا لك ستجد تحسنًا كبيرًا في حياتك، وقدرةً على التحمل، حتى تأتي من ترتضيها لدينك، فلا تتعجل شيئًا قبل وقته، ولا تستعجل أمرًا يحدث لك قطيعةً مع أهلك، وقديمًا قالوا: "من تعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه"، وأنت -والحمد الله- أحسن حالاً من كثير من الشباب الذين يراسلوننا؛ فبعضهم ليس عنده القدرة على إطعام نفسه، وهو مكلف بالعمل للنفقة على أهله الفقراء، ومع ذلك يجد المعاناة التي تتحدث عنها، ولا يجد طريقًا إليها، وهذا الشاب أحسن حالاً كذلك من غيره المريض الفقير، والدنيا دار ابتلاء، فاجتهد لمواجهة ما أنت فيه.

ثم اعلم كذلك أن من قدرها الله لك زوجةً ستكون في الوقت الذي أراده الله لا محالة، فاطمئن، واستعن بالله عز وجل.

وأخيرًا: إذا فعلت ذلك، والتزمت طاعةً الله عز وجل، ورأيت الخير في نفسك، ثم تعثرت خطاك، فلا تقل تعثرت بعد أشهر قليلة، ولكن قل: نجحت وقتًا، وسأنجح من جديد، ولا تتوهم وجود بدائل أخرى تنتظر قدومها من السماء، ولا تسلم نفسك للمعصية، وانهض، واستعن بالله ولا تعجز.

نسأل الله أن يقوي إيمانك، وأن يحفظك من كل مكروه، والله المستعان.

www.islamweb.net