كيف أرتقي لدرجة أكون فيها سليمة الصدر من الحقد والحسد؟
2024-11-24 00:52:26 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
قرأت هذه الجملة، وأجد أثرها علي، هذه الجملة، سلامة الصَّدر للمسلمين، من نعيم الرُّوح الذي لا يجده كثيرٌ من الخلق، فمن وجده فليحمد الله، ومن فقده فليُصلح قلبه، فما أعظم ما فقد!
أنا امرأة يراني الناس صافية القلب، وطيبة وحنونة -خصوصاً أفراد عائلتي- لكني أعلم أن ما في نفسي العكس تماماً، هذا ليس تواضعاً بل هي الحقيقة.
من فضلكم كيف أصل لدرجة أن أكون سليمة الصدر، لا حقد ولا ِكبر في قلبي؟
جزاكم الله خيراً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نسيبة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بكِ -أختنا الفاضلة- في استشارات إسلام ويب.
اعلمي -وفقكِ الله- أن سلامة الصدر من الغل، والحقد، والحسد، والضغينة من أعظم ثمار تزكية النفس وتربيتها، فهي سبب للفلاح في الدنيا والآخرة، كما أخبر الله سبحانه وتعالى في قوله: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)، وقوله: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) وقوله: (وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ).
لذا، فإن تحقيق سلامة الصدر يتطلب تزكية النفس وتنقيتها من أمراض القلوب وآفاتها، ويتحقق ذلك من خلال مجموعة من الأمور، نوضحها لكِ:
أولاً: الحاجة إلى العلم والمعرفة: فالعلم والمعرفة هما من أسس تهذيب النفس، إذ يساعدان الإنسان على معرفة مداخل الشيطان، وآفات النفس، وأمراض القلوب، كما يعرفانه بثواب سلامة الصدر وعاقبة الغيبة، والحسد، والغل.
كلما ازداد علم الإنسان الشرعي، ازداد قربه من الله وخشيته له، وابتعد عن مواطن الزلل، لذا، عليكِ بالحرص على طلب العلم الشرعي، وخاصة علوم التزكية التي تهتم بتهذيب النفس، ومن الكتب النافعة في هذا المجال: كتب الإمام ابن القيم - رحمه الله - التي تفيض بمعالجة أمراض القلوب وطرق علاجها.
ثانياً: استحضار ثواب سلامة الصدر ومعرفة عاقبة أمراض النفس: استحضري دائمًا الأجر العظيم الذي ينتظر من سلم صدره، ففي الحديث قال النبي ﷺ عن رجل من الأنصار (إنه من أهل الجنة)، فلما تبعه عبد الله بن عمرو رضي الله عنه لمعرفة السبب؛ وجد أنه يبيت وليس في قلبه غل على أحد، والحديث رواه أحمد.
وقال ﷺ: (أفضل الناس كل مخموم القلب، صدوق اللسان، قيل: وما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي، لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد) رواه ابن ماجة، وجعل الله سلامة الصدر من صفات أهل الجنة في قوله: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ).
ثالثاً: الإكثار من أعمال القلوب: فأعمال القلوب هي التي تضفي المعنى والقيمة الحقيقية على عمل الجوارح، فمن أخلص في قلبه، قُبل عمله، ومن عمل بجوارحه دون إخلاص، فقد قيمته الحقيقية، وهي التي تميز عمل المؤمن من المنافق الذي يعمل بجوارحه فقط، فالإيمان الحق يستوجب أن يواطئ عمل الجوارح عمل القلب.
لذا، احرصي على أعمال القلوب كالإخلاص، والخوف، والرجاء، والحياء، فهي بمثابة الروح للأعمال، وهي التي تحقق أثر تلك الأعمال في النفس.
رابعاً: محاسبة النفس وتدريبها على سلامة الصدر: فسلامة الصدر تحتاج إلى تدريب ومحاسبة مستمرة، راقبي نفسكِ عند الوقوع في أي مخالفة، وعاتبيها ولوميها حتى تستقيم على أمر الله.
قال تعالى: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) وفي الحديث: (الكيس -أي الذكي- من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني)، ويُروى عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أنه كان يمسك بلسانه ويقول: "هذا الذي أوردني الموارد".
خامساً: إحسان الظن بالناس: احرصي على التماس الأعذار للآخرين، وحمّلي أفعالهم على أحسن المحامل، ما لم يتبين عكس ذلك ببرهان، وتجنبي التجسس، والغيبة، والنميمة، فهي أمور تُفسد القلوب، وتفتح أبواب الحقد والغل بين الناس.
سادساً: الدعاء والتضرع إلى الله: أكثري من الدعاء، كما كان النبي ﷺ يدعو فيقول: (اللَّهُمَّ اهدِني لأحسنِ الأخلاقِ، لا يهدي لأحسنِها إلَّا أنتَ، واصرِفْ عنِّي سيِّئَها، لا يصرفُ عنِّي سيِّئَها إلَّا أنتَ." رواه مسلم ، ومن دعائه ﷺ: (وقني شر نفسي)، وكان أيضاً يقول في دعائه الطويل: (اللهم اهدِ قلبي، وسدد لساني، واسلل سخيمة قلبي) ومعنى اسلل سخيمة قلبي، أي أخرج من قلبي كل غل وحقد وحسد.
أختي الفاضلة: السلامة الكاملة من أمراض الصدر من الكمال الذي يعجز عنه البشر، ولكن الله شرع لنا الاستغفار والتوبة ومجاهدة النفس لإصلاحها، فالغل والحسد قد يظهر في القلوب، لكن المسلم الصالح يجاهد نفسه ليهذبها ويوقف شرها كي لا تظلم الآخرين، أو تقع في أعراضهم، في حين يترك الفاسد نفسه على هواها لتفسد علاقاته وتوغر صدره، ولا يفوز في هذا الميدان إلا من استعان بالله تعالى، وجاهد نفسه، وصبر ابتغاء وجه الله قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).
وفقكِ الله ويسر أمركِ، وأعانكِ على تزكية نفسكِ.