تدهور مستواي، فكيف أستعيد السيطرة على حياتي ودراستي؟

2024-12-11 01:01:22 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم

أنا طالب في السنة الثالثة بالجامعة، وأواجه صعوبة متكررة في دراستي، حيث أرسب في مادة أو أكثر كل فصل دراسي، كنت مدمنًا على الإباحيات لفترة طويلة، لكنني أقلعت عنها منذ أكثر من خمسة أشهر.

دخلت الكلية متأخرًا بسبب ظروف التنسيق، وفي أول فصل دراسي نجحت فقط في مادتين من سبع، بعدها أصبح لدي عادة البحث عن كورسات حول التعلم، وتنمية المهارات، ولكنني أضيع الوقت في مشاهدة هذه الكورسات دون تطبيق فعّال؛ مما أثر سلبًا على دراستي.

للأسف وصلت لمرحلة من التهاون أدت إلى إهمال مذاكرة بعض المواد بإرادتي، خاصة عندما كنت أعيش تحت تأثير الإدمان، أيضًا أعاني منذ سنوات من اضطراب حساسية الأصوات المنخفضة، ووهم الكمال غير المدرك، الأمر الذي يزيد الضغط عليّ.

بدأت منذ أربعة أشهر ممارسة الرياضة لما لها من فوائد، لكنني أشعر بأن استمراري في الكلية أصبح صعبًا بسبب ما فعلته بنفسي.

من الناحية الدينية: أنا ملتزم بالصلاة، والأذكار، وأطبق بعض تعاليم فقه النفس باعتدال، لكني ما زلت أشعر باليأس، وأجد صعوبة في النهوض مرة أخرى.

أصبحت أعيش دور الضحية بشكل مفرط، وأخاف من خيبة توقعات أهلي، مما زاد إحساسي بضرورة المثالية في كل شيء.

كيف يمكنني أن أغير هذا الوضع، وأستعيد السيطرة على حياتي ودراستي؟

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أنس حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أخي الفاضل- في استشارات إسلام ويب.

أعلم -أخي– وفقك الله أن أول خطوات النجاح هي أن تدرك أن هناك مشكلة، وأن تسعى بحماسة وشغف لتغيير هذا الواقع السلبي، فما تمر به الآن هو حصاد طبيعي لسلوكيات وعادات الماضي، لكن البشرى هي أن هذا الواقع يمكن تغييره مع الاجتهاد والصبر والصدق في السعي، تذكر دائماً أنك جزء مهم جدًا في التغيير فلا تنتظر التغيير من غيرك، أو من الآخرين قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ).

أخي الكريم: مشكلاتك تحمل بين طياتها أبعادًا نفسية ودراسية واجتماعية، وهذه الأبعاد غالبًا ما تتشكل بفعل عادات سلوكية ومنهجيات فكرية غير سليمة؛ لذا دعنا نضع لك خارطة طريق، تتمثل في خطوات بسيطة، لكنها عميقة الأثر، لتنتقل بها من هذا الواقع إلى حياة أكثر اتزانًا وإشراقًا بإذن الله تعالى.

الخطوة الأولى: اجلس مع نفسك، وتأمل ما هي "الإدمانات" السلبية التي تحتل حيزاً كبيراً في حياتك؟ ولها التأثير العميق في نفسك، هذه الإدمانات بطيئة في مفعولها، قوية في نتائجها، فقد تكون مدمنًا على السهر الطويل، أو الانشغال بمواقع التواصل الاجتماعي، أو إضاعة الوقت في ما لا ينفع.

ما عليك فعله الآن هو التخلص من هذه الإدمانات ومسبباتها، واجتهد في قطع الطرق التي تعيدك إلى تلك العادات، سواء كانت أصدقاء سوء، أو حسابات تواصل اجتماعي تُلهي القلب، أو حتى أوقات فراغ غير مستغلة، مارس العادات الإيجابية كالرياضة والقراءة، وكل ما يضيف إليك قيمة إضافية.

الخطوة الثانية: لا تحتقر الإنجازات الصغيرة، قد تبدو هذه الإنجازات بسيطة في ظاهرها، لكنها كفيلة بأن تشعرك بالإنجاز، وتعيد بناء الثقة في داخلك، هذه الإنجازات مثل: الصلاة في أوقاتها، حفظ آية أو آيتين من القرآن، قراءة كتاب، مساعدة محتاج، أو تقديم معروف... إلخ. ممارسة هذه الأعمال مع استشعار معانيها الأخلاقية والتربوية مع الوقت تُنبت في داخلك شعورًا بأن لك قيمة، وهدفًا في الحياة.

الخطوة الثالثة: نظّم وقتك، الحياة الفوضوية لا يمكنها أن تُثمر، اجعل لنفسك جدولًا يوميًا صارمًا، تحدد فيه مهامك من بداية اليوم، ثم التزم بتنفيذه بحزم، لا شيء يصنع النجاح كالتخطيط الجيد، والعمل المتقن.

الخطوة الرابعة: ابحث عن الصحبة الصالحة، الطريق إلى التغيير قد يكون صعبًا إذا سلكته وحدك، لكن الرفقة الصالحة التي تشاركك الهدف والهموم، يمكنها أن تكون السند الذي تحتاجه، اختر من يعينك على الابتعاد عن السلبيات، ومن يرفع من همتك، ومن يلهمك بأفعاله وأخلاقه.

الخطوة الخامسة: وهي الخطوة الأهم: غذِّ روحك، فلا شيء يضبط مسيرة الإنسان، ويمنحه القوة والطاقة الإيجابية كحسن العلاقة والاستقامة مع الله سبحانه وتعالى، حافظ على الصلوات في وقتها في المساجد، وأكثر من التوبة والاستغفار، بادر إلى الدعاء والتضرع لله تعالى أن يُصلح حالك، لا تفتر عن الذكر وتلاوة القرآن في أي وقت، اجعل بينك وبين الله صلة وثيقة ودائمة، وستجد في ذلك شحنة إيمانية ورغبة قوية لإصلاح كل شيء حولك، ينعكس كل ذلك في إصلاح سلوكياتك وهمة تتوقد في داخلك، يقول الله تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب). رواه البخاري.

أخي العزيز: لا تجعل التراجع الأكاديمي يُثقل كاهلك، أو يطفئ عزيمتك، هو ليس سوى نتيجة طبيعية لتضييع الوقت وعدم التنظيم، لكن بالاجتهاد والعمل الجاد، ستتغير تمامًا، لا أحد منا مثالي، فلا تنظر إلى الآخرين بعين المثالية، فما ترى منهم إلا الظاهر، والله ستر عنك الكثير من إخفاقاتهم وأخطائهم، وتذكر أن الفشل ليس إلا محطة من محطات التعلم، فلا تنظر إلى الخطأ كعائق، بل اعتبره فرصة للتصحيح والتطوير، ركز على المكاسب أثناء بناء نفسك، فما دمت تعمل بكل الأسباب التي تحقق النجاح وتبذل فيها وسعك وجهدك، فلا تفكر في النتائج النهائية فهي لله تعالى.

أخي العزيز: الاسترسال في الأفكار السلبية إن سمحت لها أن تسيطر على تفكيرك ستصبح عائقًا يمنعك من التقدم؛ لذا عندما تمر بك الأفكار السلبية، انشغل بأي شيء إيجابي، وذكّر نفسك بإنجازاتك، واستمع إلى توجيه النبي -صلى الله عليه وسلم-: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز).

دور الضحية هو محاولة من النفس لتبرير التراجع، وهو نوع من الهروب من الواقع عند العجز عن التغيير؛ لذلك لا تنتظر أن يأتي التغيير من الخارج، بل اصنعه بيديك، وابدأ بنفسك، فمع الاجتهاد والمبادرة تصل بإذن الله تعالى يقول سبحانه: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).

وفقك الله، وأعانك على الخير.

www.islamweb.net