ابني ظهرت عليه علامات المراهقة، فكيف أرشده وأوجهه؟

2024-12-17 03:18:41 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم

انفصلت منذ أشهر قليلة، بعد مشاكل كثيرة شاهدها أولادي، وكان ابني بعمر ١٣ سنة، وبدأت تظهر عليه علامات البلوغ، ولا أعرف كيف أوجهه، ولا أعلم ماذا أقول له؟

إنه يستيقظ وعضوه منتصب، وأغضب وأقول له: استر نفسك، هو ما زال طفلاً، ولا يميز ما يحدث له، واكتشفت منذ يومين أنه يراسل فتاة، ويقول لها: أحبك، فمن أين تعلم هذا وما زال صغيراً؟ كيف أعامله؟ وكيف أشرح له ما يحدث من تغيرات في جسده؟ وكيف أعرف إن كان قد احتلم؟

إني أخاف عليه جداً من أي أفعال مشينة، كيف أعلمه أن يتحكم في شهوته، وأن يغض بصره؟ أنا أنبهه، وهو يستمع فقط، ولا ينفذ، وأغضب عليه كثيرًا، ولا أعرف في معاملته غير الصراخ والتأنيب.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ أختي الفاضلة في استشارات إسلام ويب.

إن التعامل مع المراهقين يُعد من المواضيع المهمة، والواسعة التي تحتاج إلى وعي مُبكّر من قِبَل الأسرة، فلا ينبغي الانتظار حتى يصل الأبناء إلى سن المراهقة، دون أن يكون لدى الوالدين معرفة كافية بكيفية التعامل مع هذه المرحلة الحسّاسة، خصوصاً في ظل عصرنا الحالي، فإنها تتضاعف أهمية هذا الأمر بسبب انتشار مصادر المعلومات المفتوحة على الإنترنت، والتي قد تُقدِّم للأبناء ثقافة مشوهة، تترك أثرًا سلبيًا على حياتهم ومستقبلهم.

أختي الفاضلة: مرحلة المراهقة هي انتقال طبيعي بين الطفولة والنضج، حيث تحدث تغيّرات جسدية، فكرية، وعاطفية، إلا أن السؤال الذي يؤرق العديد من الآباء هو: كيف نوضح هذه التغيرات للأبناء؟ وكيف نتعامل معها؟

الإجابة عن هذا السؤال هي: لا بد من التعامل مع المراهقة من أكثر من زاوية، المجتمع، البيئة، المدرسة، الأسرة، لكن أهم الأدوار هو للأسرة، فللأسرة دور محوري ومهم؛ فهي المحضن الذي يعيش فيه المراهق، وينعكس عليه كل شيء فيها، إيجابًا وسلبًا.

أما التعامل المباشر مع المراهق فيكون من خلال ثلاث مراحل أساسية: ما قبل البلوغ، أثناء البلوغ، وما بعد البلوغ، وسنقدم لكِ النصائح للمرحلتين الأولى والثانية، حتى لا يطول الجواب.

المرحلة الأولى: ما قبل البلوغ، ففي هذه المرحلة، يحتاج الوالدان إلى أمور وهي:
أولاً: زيادة الوعي الذاتي، فمن الضروري أن يكون لدى الوالدين إدراك كامل بالتغيرات التي تطرأ في هذه المرحلة، ويمكن تحقيق ذلك من خلال قراءة الكتب الموثوقة، وحضور الدورات التثقيفية، أو الاستماع إلى نصائح المختصين.

ثانياً: بناء فهم تدريجي للتغيرات: يجب تمهيد الأطفال لفكرة النمو، باستخدام أمثلة طبيعية بسيطة، يمكنهم فهمها والإحساس بها، مثل تطور الزهرة من بذرة إلى نبات، أو تحول اليرقة إلى فراشة.

هذا التشبيه يُساعد الطفل على استيعاب فكرة أنه سينتقل تدريجيًا إلى مرحلة النضج، ليصبح مشابهًا لوالده، أو الفتاة مشابهةً لوالدتها، مما يساهم في تقليل أي صدمة قد يواجهها عند ملاحظة التغيرات لاحقًا.

ثالثاً: الاحتواء العاطفي: يُعد الاحتواء العاطفي من أهم أسس التربية في هذه المرحلة، عندما يشعر الطفل بالحب والأمان داخل الأسرة، تقل احتمالية لجوئه إلى الإنترنت أو الأصدقاء بحثًا عن الاهتمام والثقة، فالأسرة التي تُشبع احتياجات الطفل العاطفية، تجعله أكثر استعدادًا لتقبّل توجيهاتها بثقة وحب.

المرحلة الثانية: أثناء البلوغ، مع ظهور علامات البلوغ، يجب أن يتعامل الوالدان مع الأبناء وفقًا لما يلي:
أولاً: الاستيعاب لفهم طبيعة المرحلة: يجب أن يدرك الوالدان أن ظهور علامات البلوغ لا يعني أن الابن قد أصبح ناضجًا بالكامل، فهو لا يزال في بداية الطريق نحو النضج، ويحتاج إلى توجيه متدرج، يلبي احتياجاته الفكرية والعاطفية في هذه المرحلة.

ثانياً: تعزيز مشاعر الاستقلالية: يشعر المراهق برغبة قوية في الاستقلالية، والثقة بالذات، فهي قرين النضج والرجولة، ويمكن دعم هذا الشعور من خلال تكليفه بمهام مناسبة، تُشعره بالثقة وتحمله للمسؤولية، مثل الإشراف على إخوته الصغار، أو القيام بمهام يومية.

ثالثاً: تغيير أسلوب الخطاب: يجب أن يخاطب الوالدان المراهق بأسلوب يُشعره بأنه شخص مسؤول، وليس طفلًا، مع تجنب أسلوب الصراخ والتهديد، فالصراخ قد يمنع السلوك لفترة مؤقتة، لكنه لن يُطفئ فضول المراهق لاستكشاف الأمور، فالأفضل هو الحوار العقلاني الذي يشرح الأسباب ويدعم القيم الأخلاقية.

رابعاً: تعزيز بناء الشخصية في نفسه، من خلال التشجيع على اكتساب مهارات ترتقي بفكره وأسلوب حياته، وعدم السخرية والتنمر من أي علامة من علامات البلوغ تظهر عليه، فهذا مدمر لشخصيته، كذلك عدم تركه لمواقع التواصل الاجتماعي أو للإنترنت دون أي رقابة أو بناء شخصيته النقدية.

خامساً: مشاركة المراهق لاهتماماته، وتشجيعه عند الإنجاز والتقرب منه كصديق، كل ذلك يساهم في مرور فترة المراهقة بسلام ودون أي مشاكل، والعكس بالعكس، فالتوتر والصراخ والنقد الدائم واستخدام أساليب سلبية في التوجيه، كل ذلك مما يضعف استجابة المراهق، ويؤثر عليه سلباً.

أختي الفاضلة: شرح علامات البلوغ يجب أن لا يتم بشكل مباشر، ولا بد من أسلوب يناسب مستوى فهم المراهق، وتنشئته التربوية والأسرية، فمن الخطأ الصراخ أو التأنيب عند مشاهدة أي شيء من بوادر البلوغ، دون أن يكون لديه وعي به، وبآثاره وحقيقته، سينتج عن هذا التأنيب خجل شديد، وعدم ثقة بالنفس مع أي تكرار طبيعي، فمثلاً ما يعرف "بالانتصاب الصباحي يعتبر حالة طبيعية لا إرادية، وذلك دليل على النمو الصحيح من الناحية الطبية، فمن المهم أن تُقدَّم هذه المعلومات على شكل جرعات متدرجة، مع ربطها بالقيم الدينية والأخلاقية، لتُصبح بمثابة دليل إرشادي، يعزز سلوكياته الإيجابية، لا أن تزيد من خجله الاجتماعي.

أختي الفاضلة: كيف نعلم الأبناء التحكم في شهواتهم؟
لا ينبغي مواجهة المراهق بالإجابة عن هذا السؤال بشكل مباشر، بل يجب أن نوضح النتائج السلبية لعدم ضبط الشهوات، فمن المهم شرح كيف يحمي الإسلام الأعراض، وكيف يحافظ على تماسك المجتمعات، مع توضيح الآثار المدمرة للانحراف الأخلاقي على الفرد والمجتمع.

الطفل في هذا السن يفهم، ويعي الكثير، لذلك يمكن ربط بعض التوجيهات بالقرآن، أو بنماذج يفهمها من واقع الحياة، ولك أن تتأملي كيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الشاب الذي طلب الإذن بالزنا!

في الحديث عن أبي أمامة رضي الله عنه، أن شابًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا! فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم بأسلوب هادئ وحواري، حيث سأله: (أتحبه لأمك؟ أتحبه لابنتك؟ و-ربط الفعل بقيم الغيرة على العرض- ثم دعا النبي للشاب بقوله: (اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه)، فكانت النتيجة أن أصبح الفعل المنحرف أبغض شيء إليه.

أختي الفاضلة: التربية لا تعتمد على الأوامر المباشرة، بل على الحوار والتعليل، وبيان سبب الأمر، كما فعل لقمان الحكيم عليه السلام مع ابنه، فأمره ثم بين سبب الأمر والنهي، كما قال الله تعالى في قصة لقمان مع ابنه: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ..) لماذا؟ (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)، وقال أيضاً (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ..) لماذا؟ (إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)، وهكذا في بقية الوصايا.

أختي الفاضلة: وعي الآباء والأبناء المبكر مع الصبر هو ما يجعل فترة المراهقة إيجابية، ويجنبك الكثير من القلق والخوف، فالأبناء كالعجينة، والصراخ والتأنيب لا يجدي نفعًا، بل يزيد الطفل عناداً، حيث يدرك أن الرفض أو العودة للفعل نوع من الانتقام من الطرف الآخر.

عليك بالدعاء أن الله يوفقكِ في تربية أبنائكِ، واستثمري الوقت والجهد في بناء وعيهم وقيمهم.

وفقكِ الله وأعانكِ.

www.islamweb.net