أخشى أن يأتيني الموت وأنا ما زلت أتبع شهواتي!
2025-06-18 01:28:22 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مررت بتجربة في طفولتي أثرت على براءتي في سن مبكرة، لم أكن أدرك بعض المفاهيم المتعلقة بالعلاقات الإنسانية والاختلافات الجسدية بين الرجل والمرأة.
في مرحلة لاحقة، وتحديدًا عندما كان عمري حوالي تسع سنوات، شاهدت إحدى قريباتي التي تكبرني بعام واحد، وهي تشاهد مقاطع فيديو تحتوي على مشاهد غير لائقة، بعد ذلك رأيت أحد أقاربي يقوم بتصرفات غير مقبولة ومشاهدة أفلام محظورة، لم أبحث عن هذه المواد أو أشاهدها بنفسي في ذلك الوقت، ولكن عندما أصبحت في سن التاسعة أو العاشرة، قامت ابنة خالتي، التي تصغرني سنًا، بفتح مقطع فيديو غير لائق بينما كنا نشاهد اليوتيوب معًا.
منذ ذلك الحين، بدأت معاناتي، شعرت بالفضول لاكتشاف المزيد، وبالفعل وجدت بعض المحتوى، ولكني تراجعت خوفًا آنذاك لصغر سني، ومع تقدمي في العمر بدأت أستكشف أكثر وأكثر.
أحمد الله أنني لم أمارس العادة السرية بشكل كامل؛ بل اكتفيت بمداعبة نفسي، ولقد تبت عشرات المرات، وبكيت كثيرًا، وأصبحت أعاني من عقدة الذنب.
كرهت نفسي بسبب هذه الأخطاء في حق الله، وتدهور مستوى تركيزي بشكل كبير؛ مما أثر سلبًا على دراستي، أنا الآن في العام الأخير من المرحلة الثانوية، لقد عاقبت نفسي بالماء المغلي والكبريت لأتذكر عذاب النار، ولكن دون جدوى.
أخشى أن يأتيني الموت وأنا ما زلت أتبع شهواتي، أرغب في الحفاظ على نفسي من أجل مستقبلي الزوجي، وأريد التوقف عن هذه الأفعال خشية من الله وعذابه، حتى عندما أحاول التوفيق في دراستي، أجد نفسي أقع في الذنب ثم أتوب بركعتين فورًا، لأعود إليه مرة أخرى، لا أستطيع وصف شعور الخجل من الله، لا أنكر أنني لست منتظمة في صلاتي، ولكني أجاهد نفسي كثيرًا.
كيف يمكنني التوقف عن مشاهدة المحرمات؟ أقسم أن هذا يحدث رغماً عني، أشاهد وأنا أشعر بالعار وأستغفر أثناء المشاهدة، على أمل أن يغفر الله لي ذنبي، وأن أتوب توبة نصوحًا.
أعذروني على الإطالة والصراحة في ألفاظي، جئتكم متمنية أن أجد الحل، وما علي أن أفعله.
شكرًا لكم مقدمًا.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ .... حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
ابنتي الكريمة: أولاً: أود أن أحييكِ على شجاعتك في التعبير عن مشاعرك، ومشاركة هذا الأمر الصعب الذي تمرين به، من الواضح أنك تعانين من صراع داخلي بين رغبتك القوية في التقرب إلى الله وترك ما لا يرضيه، وبين ضعف النفس البشرية الذي قد يقع فيه أي إنسان، هذا الصراع دليل على أن قلبك حي ومليء بالإيمان، وهذا بذاته نعمة من الله تستحق الشكر، فالله ينظر إلى قلوب عباده، وما دمتِ تشعرين بهذا الذنب وتحاولين التوبة مراراً، فهذا يعني أنكِ تسيرين على الطريق الصحيح، حتى لو شعرتِ أنكِ تتعثرين، ومن أجل حل هذه المشكلة يجب اتباع هذه الخطوات:
أولاً: الاعتراف بالمشكلة والتوبة المستمرة:
ما تشعرين به من ذنب هو علامة على وعيك وإيمانك، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون"، فلا يوجد إنسان معصوم من الخطأ، ولكن المهم هو العودة إلى الله بعد كل ذنب، فالله سبحانه وتعالى يحب التوابين، وقد قال في القرآن الكريم: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ" (سورة البقرة: 222).
فلا تظني أن كثرة الذنوب قد تحجبك عن التوبة، أو تجعل الله لا يغفر لك، بل على العكس تماماً، إن الله كريم ورحيم، وقد ورد في الحديث القدسي: "يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي"، لذا استمري في التوبة مهما تكررت الذنوب، ولا تيأسي أبداً من رحمة الله.
ثانياً: الأسباب النفسية والبيئية:
ما مررتِ به في طفولتك من مواقف مؤلمة وغير مناسبة لسنك الصغير قد يكون أثر عليكِ بشكل عميق، وترك في نفسك فضولاً حول هذه الأمور، هذا الفضول طبيعي في مرحلة الطفولة إذا تعرض الطفل لمواقف غير مناسبة لبراءته، من المهم أن تفهمي أن ما حدث في طفولتك ليس ذنبك، ولم يكن لديكِ القدرة على منع هذه الأمور أو التحكم فيها.
إن النفس البشرية قد تتأثر بما تشاهده أو تتعرض له، وقد يصبح ذلك دافعاً للسلوكيات التي لا تعبر عن حقيقتها أو رغباتها الفطرية، وقد قال الله سبحانه وتعالى: "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا" (سورة الشمس: 7-8). النفس فيها قابليتان: الخير والشر، ولكن الله أعطانا الإرادة والقدرة على مجاهدة أنفسنا واختيار الطريق الصحيح.
ثالثاً: خطوات عملية للتغيير:
1. الاستعانة بالله والدعاء: أكثري من الدعاء بأن يعينك الله على نفسك، وأن يطهرك من أي معصية؛ الدعاء من أعظم العبادات التي تقربك من الله، ومن الأدعية التي يمكنك تكرارها:
* "اللهم عافني في بدني، وعافني في سمعي، وعافني في بصري، لا إله إلا أنت".
* "اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه"
* "اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين".
تذكري أن الله قريب ممن يدعونه، يقول الله تعالى: "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" (سورة غافر: 60).
2. حاولي الابتعاد تماماً عن أي مصادر قد تقودك إلى مشاهدة المحرمات، سواء عبر الإنترنت أو أي وسيلة أخرى، إذا كنتِ تستخدمين الهاتف أو الحاسوب، فثبتي برامج لتصفية المحتوى غير الأخلاقي، أو اجعلي استخدام الأجهزة في مكان عام بين أفراد العائلة.
3. انشغلي بأعمال تحبينها وتفيدك، مثل تعلم مهارات جديدة، أو قراءة الكتب النافعة، أو ممارسة الرياضة، النفس إذا لم تشغليها بالخير شغلتك بالشر.
4. احرصي على اختيار صديقات صالحات يعنكِ على الطاعة ويذكرنكِ بالله؛ الصحبة الطيبة تأثيرها عظيم على النفس، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل".
5. اجعلي لنفسك جدولاً يومياً يتضمن أوقاتاً للصلاة، وقراءة القرآن، والدراسة، والراحة؛ عندما يكون وقتك منظماً، سيكون لديك شعور بالإنجاز، ولن تتركي مجالاً للفراغ الذي قد يؤدي إلى الوقوع في الخطأ.
6. إن الصلاة هي عماد الدين، وهي الوسيلة التي تصلين بها إلى الله، حاولي الالتزام بالصلاة في وقتها، حتى لو شعرتِ بالتقصير، الصلاة ليست فقط واجباً، بل هي مصدر راحة وسكينة، وقد قال الله تعالى: "إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ" (سورة العنكبوت: 45)، مع الوقت، ستجدين أن الصلاة تقوي إرادتك وتساعدك على الابتعاد عن المحرمات.
7. الشعور بالذنب هو أمر طبيعي، ولكنه يجب أن يكون دافعاً للتغيير، وليس سبباً للغرق في اليأس، إذا كان هذا الشعور يثقل عليكِ بشكل كبير، ذكّري نفسك برحمة الله ومغفرته، وقد قال الحسن البصري رحمه الله: "إن المؤمن يعمل الطاعات وهو مشفق وجل خائف، والمنافق يعمل المعاصي وهو آمن".
8. خصصي وقتاً يومياً لقراءة القرآن ولو صفحة واحدة، القرآن يطهر القلب ويزيد الإيمان.
9. أكثري من قول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، الذكر يملأ القلب بالطمأنينة.
10.اعزمي على التوبة بصدق، واطلبي من الله أن يعينك على ترك الذنب.
ختامًا، ابنتي الغالية: اعلمي أن الله ينظر إلى نيتك وجهدك في التغيير، وليس إلى عدد مرات الوقوع في الخطأ، قال الله تعالى: "وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ" (سورة آل عمران: 133)، لذا سارعي إلى الله بكل ما أوتيتِ من قوة، وكوني واثقة أن الله لن يردك خائبة.
وأذكرك ببيت جميل من الشعر يقول:
إذا ما علا المرء رام الكمال *** ويقنع بالدون من كان دونا
أسأل الله أن يثبتك ويهديك ويجعل لكِ من أمرك فرجاً ومخرجاً. استمري في المحاولة، ولا تيأسي أبداً من رحمة الله.