في قلبي حزن بسبب أني لم أنجب بنتًا كالآخرين، فما توجيهكم لي؟
2025-06-25 22:33:31 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا أعلم هل ما أكتبه يُعد استشارة، أم فضفضة، أم مجرد بحث عن من يرشدني إلى الصواب؟ فأنا أم لولدين، -والحمد لله- ومنذ أن تزوجتُ وحلمي أن يرزقني الله بنتًا، وكنت على يقين بأن الله، -بإذنه- سيحقق لي هذا الدعاء، رزقني الله بالولد الأول قبل ١٣ سنة، وبكيت في البداية، لكن -الحمد لله- ربط الله على قلبي، وأصبح نور حياتي وكل شيء بالنسبة لي، وبعد خمس سنوات حملت مرة أخرى، وكنت متيقنة أنها ستكون بنتًا، لكن الله أراد أن يكون ولدًا ثانيًا، وكان أخًا رائعًا لابني الأول، الذي فرح به كثيرًا، بكيت حين علمت أنه ولد، ثم حمدت الله وقلت: يا رب، أنت تعلم ما هو الخير لي، وتختار لي الأحسن.
بعد سبع سنوات، ظللت أتمنى، وكان في داخلي شوق عميق للقائي بابنتي، دعوت الله كثيرًا في صلاتي، في صيامي، في الليل، في النهار، في العمل، وتحت المطر، قلت له: يا رب، إن كان مكتوبًا لي الحمل مرة أخرى، فارزقني ابنتي، يا رب، دعوت وبكيت وسجدت، وكنت على يقين أن الله لن يُخيّبني.
وبالفعل، حملت، وكنت موقنة تمامًا بأنها "هديل" هذا الاسم الذي أطلقته عليها منذ أن بدأت أشعر بها، وكنت أحدثها بفرح وفخر، وبعد خمسة أشهر، ذهبت لمعرفة جنس الجنين وأنا مبتسمة، ومتيقنة بأنها بنت، لكن الطبيب قال لي إنه ولد ثالث، لم أستطع أن أنطق بكلمة من شدّة الصدمة، خرجت وقلت: "الحمد لله"، لكن في داخلي كانت غصة كبيرة، وانفجرت في بكاء مرير، قلت كلمات كثيرة، وقلت: يا رب، لماذا؟ كنت أريد أن أسجد لك شكرًا من فرط الفرح، تمنيت وتخيّلت أن يُقال لي: "بنت"، وكنت سأسعد من أعماقي.
منذ ذلك اليوم، وأنا منهارة وكئيبة، أقارن نفسي بمن حولي، كلهن لديهن بنات، أما أنا، فلا، كلما رأيت طفلة صغيرة، انهمرت دموعي دون إرادة، أتحسر على الجنين في بطني، وتمنيت لو كان الأمر كما دعوت، دعوت الله في يوم عرفة، وناجيته أن يكون السونار مخطئًا.
سؤالي هو: هل من الممكن أن يكون الله يخفي لي مفاجأة، وتكون المولودة بنتًا؟ أم عليّ أن أُصدّق نتيجة السونار وأرضى؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هديل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بكِ -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يُقدّر لنا ولكِ الخير حيث كان، وأن يرضِّينا به، ونسأله سبحانه أن يُبارك لكِ في أولادك، ويرزقك برّهم.
ونحن وإن كنا نتفهم رغبتكِ في أن يُرزقك الله أنثى من ذريتك، ولكننا نتعجب من تضايقك كل هذا القدر؛ لأنك رُزقت أولادًا ذكورًا، بينما يتمنى الناس -أو كثير منهم- يتمنون الحصول على هذه النعمة التي حصلت لكِ، فأنتِ لا تعلمين -ابنتنا العزيزة وأختنا الكريمة- أين يكمن الخير، قد ترغبين في شيء ولكنه ليس بالضرورة أن يكون هو الخير، وقد علّمنا الله تعالى هذه الحقيقة في كتابه الكريم، فقال سبحانه: {وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].
فلا تدعي الأماني والرغبات تتزايد في نفسك حتى تطغى وتخرج عن حدِّها الصحيح، فكوني على ثقة تامة بأن الله -سبحانه وتعالى- لا يفعل شيئًا عبثًا، ولا يُقدّر أمرًا سُدًى، وإنما يفعل بحكمة، ويُدبِّر بعلمٍ ورحمةٍ، وقد قال سبحانه في كتابه الكريم: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى: 49-50].
فهو يفعل سبحانه بعلمٍ، ويفعل بقدرةٍ، ومع هذين الوصفين الجليلين (العلم والقدرة) هو رحيم سبحانه وتعالى، حكيم، لطيف بعباده، يسوق لهم الخير بطرق خفيَّة، على خلاف رغباتهم، فما يُدريك أن الخير هو في أن تُرزقي بنتًا؟ ربما رُزقتِ بنتًا فجاءتكِ من ورائها مصائب عديدة، تُكدِّر عليك حياتك وتُنغِّصَ عليك عيشك.
فثقي بتدبير الله تعالى، وحُسن تقديره واختياره لك، ثم لماذا تشعرين بكل هذه الكآبة والحزن الآن؟ وكأن الدنيا قد انتهت وعمرك قد انقضى، والأيام لا تزال أمامك، وأنتِ لا تزالين صغيرة في السن، فربما يرزقك الله بنتًا في حمل قادم، إذا علم سبحانه أن في ذلك الخير لك، وإن علم أن الخير في غيره فإنه -سبحانه وتعالى- سيقدّر لكِ ما هو خير.
وتأملي -رعاكِ الله- في قصة الغلام الذي قُتل على يد العبد الصالح، حين قال له موسى عليه السلام مستنكرًا: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا} [الكهف: 74]، فكانت الحكمة الإلهية البالغة في الجواب: {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا، فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} [الكهف: 80-81].
فانظري كيف أن ما ظاهره شر كان في حقيقته رحمة، وكيف أن ما تظنه النفس نقصًا قد يكون في علم الله كمالًا وخيرًا، ووقاية من بلاء أعظم، فثقي بربك، واطمئني لحكمته، وارضَيْ بما قسم لك، فهو أرحم بك من نفسك، ثقي بربك وبحسن تدبيره، هذا أولًا، ثم ثانيًا: قارني بين ما أنتِ فيه من النعمة، وبين الناس الذين حُرموا هذه النعمة، ويتمنون ما أنتِ فيه، لتُدركي عظيم النعمة التي تعيشينها أنت.
ثم ثالثًا: اجتهدي من الآن في التفكير في كيفية تربية أبنائك، تربية دينية سليمة وصحيحة، بحيث تنتفعين بهم في الدين والدنيا، في حياتك وبعد مماتك، فذلك هو المشروع الحقيقي الذي ينبغي أن يأخذ همَّك، ويستولي على تفكيرك، وهو التفكير النافع الذي أشار إليه النبي ﷺ بقوله: "احْرِصْ على ما يَنفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَلَا تَعْجِزْ"[رواه مسلم].
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يقدّر لنا ولكِ الخير حيث كان ويرضِّينا به.