أدعو ولا يستجاب لي رغم اجتهادي، فما سبب ذلك؟

2025-07-13 22:59:25 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كيف يمكن للإنسان أن يظل حسن الظن بالله، ويستمر في الدعاء، رغم أنه يدعو كثيرًا ولا يرى للإجابة أثرًا، بل أحيانًا يرى عكس ما دعا به؟

بدأت أشعر أن هناك شيئًا خاطئًا في صلاتي أو دعائي، رغم أنني أبذل جهدي، وأحاول أن أكون عبدًا إذا نظر إليه الرحمن رضي عنه.

في الاختبارات مثلًا، أذاكر بجد واجتهاد، وأبذل أقصى طاقتي حتى آخر لحظة، ومع ذلك لا أوفَّق، وسمعت أن الذنوب قد تحرم التوفيق، والله يعلم أنني أجاهد نفسي وأحاول الإقلاع عن الذنوب، لكن منذ بداية الاختبارات أشعر أن الحال لا يتغير، بل يزداد سوءًا.

بدأت أفقد الأمل، وأشعر أن حلمي يضيع، وأن كل شيء ينتهي، فهل يمكن أن يُستجاب دعائي، رغم أن كل الأسباب الظاهرة تشير إلى أن ما أطلبه مستحيل؟ وهل من الممكن أن يُحقق الله المستحيل لعبده رغم ضعفه؟

أرجو منكم التوجيه والنصح والدعاء لي.

جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفصة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -أختنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب.

أولًا: نسأل الله تعالى أن يُقدّر لكِ الخير، ويكتب لكِ السعادة، ويُحقق لكِ آمالكِ التي فيها مصلحتكِ الدينية والدنيوية.

ثانيًا: نحب أن نريحكِ ونطمئن قلبكِ بأن ما نحصل عليه في هذه الدنيا، وما يتيسّر لنا، كل ذلك قد كُتب عند الله تعالى في اللوح المحفوظ، فقد كتب الله تعالى أعمارنا، وأرزاقنا، وسعادتنا، وشقاوتنا قبل أن نخرج إلى هذه الدنيا، وأخبرنا ربنا سبحانه في كتابه الكريم أن ذلك كله قد كُتب، حتى لا نبالغ في الحزن والأسى إذا حُرمنا شيئًا، أو أصابتنا مصيبة، وحتى لا نفرح ونبالغ في الفرح إذا أعطانا الله تعالى شيئًا مما نحب، فنُدرك ونُوقن أن الأمر قد قدّره الله تعالى قبل أن نخرج، وبهذا نعيش في حالة من الرضا والسعادة والطمأنينة.

قال الله تعالى في كتابه الكريم: {ما أَصابَ مِن مُصيبَةٍ في الأَرضِ ولا في أَنفُسِكُم إِلّا في كِتابٍ مِن قَبلِ أَن نَبرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسير * لِكَي لا تَأسَوا عَلى ما فاتَكُم ولا تَفرَحوا بِما آتاكُم وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُختالٍ فَخور}.

فإذا أيقنتِ وعلمتِ أن كل شيء قد كتبه الله تعالى، حينها ستُدرِكين أن دورك يقتصر على الأخذ بالأسباب؛ لأنكِ مأمورة بذلك، وهذا هو جانب الابتلاء والامتحان في هذه الدنيا؛ فنحن لا نعلم ما هو المقدَّر لنا، وإنما أُمرنا بالسعي وبذل الجهد.

فنأخذ بالأسباب، فإن وصلنا إلى ما نرجو ونتمنى فـالحمد لله، وإن لم نصل، نوقن أن الله تعالى لم يكتب لنا هذا الأمر، ولم يُقدّر لنا بلوغ هذا الهدف، وهنا يستريح القلب وتطمئن النفس، وندرك أن الأمر ليس بأيدينا، بل إن ما وقع كان لحكمة، وقدّره الله تعالى برحمته، فهو أرحم بنا من أنفسنا، ومن أمهاتنا وآبائنا.

وهو سبحانه لا يعجزه شيء، بل قادر على أن يُعطينا كل ما نرجو ونتمنى، وهو جوادٌ كريم، منزه عن البخل والشح، ولو أعطانا كل ما نطلب، ما نقص من ملكه شيء، ولكن مع هذه القدرة والكرم، لا يُعطينا إلا ما يصلح لنا.

فإذا آمن المؤمن بهذه الحقائق، عاش مطمئن النفس، مرتاح القلب، منشرح الصدر، سعيدًا، حتى إن حُرِم من بعض الأمور، علم أن الله ما حرمه إلا لخيرٍ يعلمه هو، كما قال تعالى: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].

وكم من شيء نحرص عليه في هذه الحياة، ثم يتبين لنا بعد وقت طويل أنه كان مَضرةً علينا، فالله تعالى إذًا رحيم بعباده، رفيق بهم، لطيف بهم، فينبغي للإنسان المؤمن أن يتذكّر كل هذه المعاني ويرضى بقضاء الله تعالى.

ثم نعود إلى مسألة الأسباب التي بدأنا الحديث عنها، فنقول: إن دور الإنسان هو الأخذ بالأسباب، وهذه الأسباب متعددة، ومن أهمها أن يكون الإنسان مجتنبًا للمحرَّمات.

فالله تعالى أخبرنا في كتابه أن المصائب نتيجة ذنوبنا وأعمالنا، وأخبرنا رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- أن الإنسان قد يُحرَم الرزق بسبب ذنوبه، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: "إن العبد ليُحرَم الرزق بالذنب يُصيبه".

وهنا يكون دور الإنسان أن يداوم على التوبة والاستغفار، وألا ييأس ولا يقنط من رحمة الله، بل يعلم أن الله تعالى قد يرزق الإنسان وإن كان عاصيًا، كما يُعطي الكافرين من متاع الدنيا، لكن المطلوب من المؤمن أن يسعى دائمًا لتصحيح علاقته بالله، والتوبة من الذنوب، والإكثار من الاستغفار والدعاء، مع الأخذ بالأسباب المادية.

فمثلًا: إن كان يريد النجاح، فعليه أن يجتهد في دراسته، وإن كان يريد بلوغ غاية معينة، فليُحِط نفسه بأشخاص صالحين يعينونه على ذلك، هكذا يبذل العبد ما أُمر به من الأسباب، ثم يفوّض الأمر إلى الله، راضيًا مطمئنًا أن قدر الله هو الخير المطلق، وأنه حتى لو قدّر عليه مصيبة أو حرمانًا من رزق، فإن هذا من رحمة الله ولطفه، ليوقظه ويعيده إلى طريق الحق برفق، وبلُطفٍ يُناسب حاله.

فأوصيكِ بمواصلة مجاهدتكِ لنفسك، وقد أحسنتِ أنكِ تجاهدين نفسكِ وتُقلعين عن الذنوب، فواصلي السير في هذا الطريق، وأقلعي عن ذنوبكِ، واستغفري ربكِ، وداومي على فعل الفرائض، واجتناب المحرّمات، وأكثري من دعاء الله تعالى، وتعرّفي إلى النساء والبنات الطيّبات، واسعي بقدر طاقتكِ، ثم اعلمي أن الله تعالى سيسوق لكِ ما هو خير وصلاح.

نسأل الله تعالى أن يقدّر لكِ الخير حيث كان.

www.islamweb.net