هل تعثري في عباداتي وأمور حياتي، دليل على أن الله قد وكلني لنفسي؟
2025-08-21 01:09:27 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
منذ سنة كنتُ أعمل على أمرٍ تعبت فيه كثيرًا، وكنتُ أسهر وأبذل جهدًا كبيرًا، لكن في النهاية لم أصل إلى ما كنت أرجوه، والصراحة -والعياذ بالله- أحسست أن ثقتي ضعفت، وإيماني قلّ، وكلما حاولت أن أعود مرة أخرى، تحدث أمور غريبة تضرّني، حتى إنني أشعر أحيانًا -وأستغفر الله- أن ترك الصلاة أهون عليّ!
المشكلة أنّني مهما فعلت، لا أستطيع أن أستعيد الإيمان والثقة كما كنتُ من قبل، وللأسف أنا كثير الانقطاع عن الصلاة، ثم أعود إليها، لكن عندما أعود أشعر بتوفيق غريب جدًّا.
فهل معنى ذلك أنّ الله سبحانه وتعالى قد فقد الأمل فيّ؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الابن الكريم/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أولًا: من أعظم نِعم الله تعالى على الإنسان أن يرزقه قلبًا حيًّا، يتألم كلما نقص إيمانه أو تأثرت عباداته أو ضعفت همته، وهذه الحياة في القلب مفيدة؛ إذا قادت الإنسان إلى البحث عن أسباب هذا النقص، مع سؤال الله تعالى البصيرة لاكتشافها، والعزيمة لتجاوزها والعودة إلى طريق الحق، ولعل طلبك لهذه الاستشارة أحد ثمار هذه الهمة والقلب الحي.
ثانيًا: هذه الهمة قد تنقلب إلى خصم على صاحبها إذا دخلت عليها نزعة الكمال، أو المثالية الزائدة (Perfectionism)، حيث يريد المرء أن يكون كل عملٍ ينجزه متقنًا تامًّا، فإن لم يخرج كما أراد شعر بالإحباط، وهذه النزعة منفذ خطير للشيطان ليدخل على العبد بالتحزين والتحطيم، كما قال الله تعالى: ﴿لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [المجادلة: 10].
ويبدو من حالك -أيها الابن الكريم- أن الشيطان قد وجد إلى نفسك هذا المدخل، فأوصلك إلى هذه الحالة، بدليل ما ذكرت من فشلك المتكرر في الانضباط على الصلاة، ووقوع أشياء غريبة كلما حاولت المحافظة عليها.
ثالثًا: معرفتك أن هذا الأمر من الشيطان، هي بداية الطريق الصحيح؛ فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وداوم على الأذكار والتحصينات، واثبت على الصلاة؛ فهي أعظم ما يقي من وسوسته ويثبت القلب، ومن المهم أيضًا أن تقرأ وتستمع حول نزعة الكمال، لتتعلم كيف تعالج نفسك منها بتدرج وحكمة.
رابعًا: اعلم أن ما ذكرته من عملك عامًا كاملًا دون أن تصل إلى ما أردت، ليس خسارة كما تظن؛ بل هو رصيد من الخبرة والتجربة، ونسج لعلاقات ومعارف قد لا تكون التفت إليها، فالأعمال الكبيرة لا تُجنى ثمارها بسرعة، بل تحتاج إلى صبر وتراكم خبرات، حتى يبلغ الإنسان فيها التمكن والإتقان.
خامسًا: أمّا عن سؤالك: هل تقطيعك للصلاة ثم عودتك إليها يُعدّ علامة على أن الله قد فقد الأمل فيك؟ فالجواب: كلا، بل إن رجوعك في كل مرة إلى الطاعة بعد الانقطاع هو دليل على صدقك وإخلاصك، وعلى رغبتك الصادقة في الخير، وليس علامة على الحرمان، وإنما الشيطان يوسوس لك بأن لا فائدة من عودتك؛ ليحبطك ويثنيك عن الاستمرار.
واعلم أن نسبة "فقد الأمل" إلى الله لا تجوز، بل الله سبحانه فتح باب التوبة دائمًا لعباده، كما في الحديث القدسي: «يا ابْنَ آدَمَ، إنَّكَ ما دَعَوْتَني ورَجَوْتَني غَفَرْتُ لَكَ على ما كانَ مِنْكَ، ولا أُبالِي، يا ابْنَ آدَمَ، لو بَلَغَتْ ذُنوبُكَ عَنانَ السَّماءِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَني غَفَرْتُ لَكَ» (رواه الترمذي وأحمد).
سادسًا: نرجو أن تصلك هذه الكلمات وأنت في حال إقبال على الطاعة، وإرغام للشيطان، وأن تكون حافزًا لك على دوام مجاهدة النفس، مع دعائنا لك بمزيد من الهمة والتوفيق والنجاح والفلاح، لتكون في المستقبل القريب ممن ينفعهم الله، ويرفعهم في الدنيا والدين.
نسأل الله أن يوفقك لكل خير.