تغيرت شخصيتي منذ انتقلت للعيش مع أبي، فكيف أستعيد توازني؟
2025-08-20 01:46:06 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شابٌّ أبلغ من العمر 17 عامًا، أعيش بمفردي مع تكفّل والدي بنفقاتي، أشعر في هذه المرحلة بحاجة إلى نصائح تعينني على الثبات وعدم الخوف من الجن أو الشياطين؛ فكلما سمعت عن علامات الساعة، مثل ذكر المسيح الدجال أو غيره، ينتابني خوف وتوتر، على الرغم من علمي أنهم لا يضرون ولا ينفعون إلَّا بإذن الله تعالى.
الغريب أنني قبل نحو ثلاث سنوات لم أكن أشعر بمثل هذا الخوف أو التوتر، بل كنت أكثر جرأة وطمأنينة، مع أن استمساكي بديني الآن أشد وأقوى من ذي قبل.
كذلك صرت سريع المفاجأة، يسهل إرهابي أو إدخالي في حالة من الفزع، وهو أمر لم يكن كذلك فيما مضى.
وقد مررت في طفولتي بظروف عائلية صعبة؛ إذ كان والداي مطلقَين، فعشت مع أمي ولم أكن أرى أبي إلا قليلًا، كانت أمي -حفظها الله- ذات دين وحرص على القرآن، لكنها كانت شديدة الغلو في جانب الدراسة الأكاديمية، فكانت تفرض علينا نظامًا صارمًا وتراقب كل ما نفعل.
أمَّا إخوتي الكبار لما كبروا اختاروا العيش مع أبي، فكان لهم في ذلك خير كثير؛ إذ استمسكوا بدين الله، وتعلموا وتفوقوا، وحملوا مسؤولياتهم الدينية والدنيوية.
أمَّا أنا، فبقيت مع أمي لصغر سني، وكانت تخفف عني بعض الشيء، فاستغللت ذلك ولم أكن أتحمّل مسؤوليات البيت، بل عشت في راحة، لا همّ لي إلَّا تلبية شهواتي، ومع ذلك كنت مجتهدًا في دراستي بحكم ضغطها عليّ، وكنت منفتحًا اجتماعيًا نشيطًا.
ثم لما كبرت، انتقلت إلى أبي كما فعل إخوتي، وها أنا اليوم أعيش تجربة جديدة، غير أنني في هذه الفترة أصبحت قليل الاختلاط بالناس، وفقدت بعض جرأتي القديمة، وأصبحت أكثر خفّة في شخصيتي، وأسعى لأن أستعيد توازني وثباتي الديني والنفسي والاجتماعي.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الإله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك -أخي العزيز- في استشارات إسلام ويب، أشكرك على ثقتك ومشاركتك لنا همومك، وقد قرأت رسالتك باهتمام، ويسعدني أن أقدم لك بعض التوجيهات:
أولًا: اعلم -أخي العزيز عبد الإله- أن الخوف سلوك مكتسب يمكننا التعامل معه بشكل إيجابي، فموضوع الخوف من الجن والشياطين أنصحك فيه بأن تجلس مع نفسك جلسة مريحة مع كوب من القهوة أو الشاي، وتكتب أسباب هذا الخوف والحلول الممكنة له، ستجد أن السبب في الحقيقة مجرد وهمٍ في النفس، ينقلب إلى حقيقة إذا لم يُواجَه بالقوة والإيمان والتوكل على الرحمن.
ثانيًا: خوفك من تذكُّر علامات الساعة؛ فلا شك أن ذكر الآخرة وعلاماتها يزيد الإيمان ويقرّب العبد من الطاعة، لكن لا ينبغي أن يتحول إلى هاجس سلبي يطغى على حياتك.
اجعل تركيزك على الجوانب الإيجابية، مثل رحمة الله ولطفه بعباده، والثواب الجزيل الذي أعدّه لعباده المؤمنين، استشعر الخوف من الله وحده كما قال تعالى: ﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 175]، وقل لنفسك: "أنا عبد الله واسمي عبد الإله، فلست عبدًا لغير الله، ولا أخاف إلا من الله وحده"، وكرر ذلك حتى يرسخ في نفسك.
ثالثًا: ذكرتَ أنك لثلاث سنوات لم تكن تفاجأ ولا تخاف من الجن، فلتكن إذًا رجلًا بمعنى الكلمة، لا تخاف من جن ولا من شياطين ولا تفاجأ من أحد، وإنما تخاف من الله وحده، وسترى الخير والطمأنينة بإذن الله تعالى.
رابعًا: اعلم -أخي العزيز- أن الجن والشياطين إن وجدوا الإنسان يخاف منهم زادوه خوفًا، وإن رأوه قويًّا شجاعًا خافوا منه، وقد أحسنت حين ذكرتَ أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - "كان إذا سلك واديًا سلك الشيطان واديًا آخر"، وورد أن النبي ﷺ قال: "إِنِّي لأَحْسِبُ الشَّيْطَانَ يَفِرُّ مِنْكَ يَا عُمَرُ" (رواه ابن حبان وصححه الألباني)، وهكذا كان الصحابة لا يخافون إلَّا الله.
وتأمل قوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ [الجن: 6]، أي أن الإنس إذا أظهروا خوفهم من الجن زادوهم رعبًا، فلنُظهر نحن الشجاعة والإيمان ولا نخاف إلَّا من الله وحده.
خامسًا: حاول أن تكون اجتماعيًّا أكثر، واسعَ إلى تقوية علاقاتك بالناس الصالحين، مع الاعتماد على الله وحده كما قال تعالى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: 23].
سادسًا: أنا على يقين -أخي العزيز- أنك ستُصلح من أحوالك، وتكون صاحب همة عالية، رجلًا شجاعًا لا يخاف الأهوال ولا الأوهام. فالعصامي هو من يبني مجده بنفسه بعد توكله على الله، لا من يعيش على مجد غيره.
وأحييك على الإيجابيات التي ذكرتها: أنك لثلاث سنوات لم تفاجأ ولم تخف من الجن والشياطين، وأنك متفوق في دراستك وتحب والديك، هذه كلها علامات خير، فاستمر عليها وزدها قوة.
أسأل الله تعالى أن يحفظك، وأن يمتعك بشبابك، وأن يجعلك صاحب همة عالية، رجلًا شجاعًا لا يتهيب من أحد، ويسعدك في الدنيا والآخرة، اللهم آمين.