سامحت من ظلموني ولكني لا زلت أشعر بالقهر، فماذا أفعل؟
2025-08-26 00:34:31 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
عندما كنت في الجامعة، ظُلمت من دفعتي ظلمًا شديدًا، حتى من أقرب صديقاتي، لدرجة وصولي لحالة نفسية يرثى لها، حتى أصبت بمرض ثنائي القطب، مما جعل أبي يحزن علي أشد الحزن، ويبكي علي ليل نهار لما أصبح حالي عليه، فأنا قرة عينه، وابنته التي دائمًا تطلب رضاه، وتحبه.
وسبحان الله في نفس العام مرض بورم في المخ، واكتشفنا ذلك بعد سنتين من إصابتي، وأجريت له عملية جراحية توفي على إثرها، وبسبب ظلمهم أتناول علاجًا نفسيًا صباحًا ومساءً، وهذا بعد 5 سنوات من عدم تقبلي للمرض، وبسبب عدم أخذي للعلاج كنت أفعل أشياء لا تصح؛ فقد رميت نفسي من الدور الأول خوفًا من أختي التي اعتقدت بأنها المسيح الدجال، وأنها سوف تحرقني بنار جهنم، وتحرق البيت بما فيه، فرميت نفسي خوفًا من ذلك، وهذا شيء بسيط مما حصل.
شعوري بالقهر، وإحساسي بأني مريضة نفسية صعب، وأن أبي مرض ومات بسبب حزنه علي، وفقدي لأغلى ما أملك (أبي وعقلي)، وحتى شعوري بالأمان.
الآن أنا مواظبة على العلاج، وفي أفضل حال، تزوجت، وأنا الآن حامل في الشهر الثالث.
سؤالي: أنا أسامح كل من ظلمني، حتى عندما كنت في مرضي الشديد، وأثناء أخذي للعلاج، أقول يا رب سامحتهم حتى تسامحني وتدخلني الجنة، فأنا لدي ذنوب، وأتمنى أن يغفرها الله لي، ولكن أحيانًا أشعر وكأني أحبس هذا الشعور بأني مقهورة مما حدث لي ولأهلي، وأني أسامحهم، فهذا صعب جدًا جدًا علي، وأقول حسبي الله ونعم الوكيل، ولكن أرجع وأبحث عن فضل العفو، وأسامح مرةً أخرى، فهل الله سوف يسامحني ويدخلني الجنة بفضله وكرمه؟
كما أرجو أن يكون الكرم منه أكثر، وأن يسامح زوجي وأولادي في المستقبل، ويدخلهم الجنة معي؛ لأن ما حدث لي صعب التحمل فعلاً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة الزهراء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بكِ -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.
أولًا، نسأل الله -سبحانه وتعالى- بأسمائه وصفاته أن يصرف عنكِ كل مكروه، وأن يجعل ما أصابكِ كفارةً لذنوبكِ، ورفعةً لدرجاتكِ.
ثانيًا: لقد سررتُ جدًا -ابنتنا الكريمة- حين قرأتُ كلامكِ، ومجاهدتكِ لنفسكِ لتعفِي وتصفحي عمَّن أساء إليكِ، وقد وُفقتِ في هذا إلى الصواب، وهي علامة على أن الله تعالى يريد بكِ الخير، فقد قال الرسول الكريم ﷺ في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد: «اغفروا يُغفر لكم»، وقال ﷺ: «ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ» ثم قَالَ: «... وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلِمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا، فَاعْفُوا يَعِزِّكُمُ اللَّهُ» (رواه البزار).
وقد وردت أحاديث كثيرة لا تخفى عليكِ، ومن المؤكد أنكِ قرأتِ جزءًا كبيرًا منها أثناء بحثكِ عن فضل العفو، فالله تعالى أثنى على العافين في كتابه الكريم، ووعدهم خيرًا، فقال في سورة آل عمران: {وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (آل عمران:134)، ثم قال: {أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ} (آل عمران:136)؛ فالعافي عن الناس ثوابه جزيل، وخيرٌ كثيرٌ مُدَّخَرٌ له، فقد وفقكِ الله -سبحانه وتعالى- لهذا السلوك الجليل، والخلق النبيل، فحافظي عليه.
وأمَّا ما تجدينه في نفسكِ أحيانًا من الضيق؛ بسبب مرارة هذا الظلم الذي وقع عليكِ: فهذا شيء بمقتضى طبيعة الإنسان، لا يُؤاخَذكِ الله تعالى عليه، ولكن لا تتراجعي عن العفو بالدعاء على الظالم، فما دمتِ قد عفوتِ، تريدين ثواب الله تعالى، فانتظري هذا الثواب، والله تعالى بكرمه سيحقق لكِ ما تَرْجينه وتأملينه من الخير.
أمَّا الدعاء على الظالم، فإنه يُخفِّف عنه مظلمته، كما ورد بذلك الحديث الصحيح، فقد جاء في الحديث الذي رواه أبو داوود عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها سُرِقَ لَهَا شَيْءٌ فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا تُسَبِّخِي عَنْهُ» قال العلماء معنى «لَا تُسَبِّخِي عَنْهُ» أي: لا تخففي عنه العقوبة وتُنقصي من أجركِ في الآخرة بدعائك عليه، فالدعاء على الظالم جائز ومشروع، ولكنه يُخفِّف عن الظالم، وهو جزءٌ من الانتصار وأخذ الحق، كما ورد بذلك الحديث أيضًا.
فحاولي أن تجاهدي نفسكِ لتوفري لنفسكِ الثواب كاملًا، ولعل الله تعالى ينفع بكِ ذُرَّيتكِ، فيسري هذا الخير منكِ إلى ذُرِّيتكِ، وإلى بيتكِ، وزوجكِ.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يُخفِّف عنكِ ألم هذا المصاب، وأن يصرف عنكِ السوء كله في يومكِ وفي مستقبلكِ.
والله الموفق.