شخصيتي الحساسة تتخبط بين الوسواس والرغبة في المثالية!
2025-10-23 01:13:54 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة، عمري 20 عامًا، شخصيتي حساسة جدًا، وأعاني منذ فترة من فرط التفكير، وتحليل المواقف بشكل مفرط، كلّما جلست مع الناس –وخاصة في الجامعة– أشعر بعد ذلك بحزن وضيق شديدين، وأبدأ في محاسبة نفسي ولومها، وأتوهم أن تصرفاتي كانت غير لائقة، وأحلل نظرات الناس بطريقة غير صحيحة، حتى أصبحت أحيانًا أفضل الجلوس وحدي خوفًا من أن أبدو غير مثالية أمام الآخرين.
كذلك أصبحت ألاحظ في نفسي رغبة قوية في أن أكون مثالية في كل شيء، وأصبحت أقارن نفسي بالآخرين كثيرًا مع أنني أكره هذه الصفة، لكني لا أستطيع التخلص منها.
هناك أمر آخر يؤلمني، وهو أني أصبحت أتكاسل عن العبادات النافلة والسنن منذ فترة، مع أني -والحمد لله- ملتزمة بالفرائض، وأعرف حدود الله، ولكن لا أعرف لماذا فقدت نشاطي في قراءة القرآن، والأذكار، وقيام الليل كما كنت سابقًا!
وأيضًا لدي طموح وعزيمة قوية في أن أحقق علامات مرتفعة في الجامعة، لكني أعاني من التسويف وكثرة التشتت، وأحزن كثيرًا إن لم أصل إلى ما أريده، جربت أن أنظم وقتي على الورق مرارًا، لكني لا أستطيع الالتزام، فأفشل وأحزن.
علماً أنني أتوتّر عندما أتكلم أمام الناس في العروض الجامعية (Presentations)، وأشعر دائمًا بقلق عام دون سبب واضح، وأحيانًا تراودني أعراض القلق مثل تسارع ضربات القلب والضيق، وأعاني من الوسواس القهري منذ سنوات، وخاصة الوسواس في الدين، ورغم تناولي لأدوية كثيرة وجلسات، ما زال الوسواس متمكنًا مني.
فما تفسير حالتي؟ وهل ما أعانيه يدخل في نطاق الوسواس أو القلق العام؟ وكيف أستطيع أن أستعيد هدوئي النفسي، وأتخلص من هذه الحساسية والمثالية المفرطة، وأضبط وقتي ودراستي وعباداتي؟
أرجو توجيهي توجيهًا دينيًا ونفسيًا شاملًا.
وجزاكم الله خيرًا.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Ramah حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.
لقد أحسنت وصف سمات شخصيتك، وكذلك ما تعانين منه من أعراض نفسية، وهي بالفعل أعراض ما نُسميه بالقلق الوسواسي، وهذا القلق الوسواسي يُؤدي إلى عُسر ثانوي في المزاج؛ مما يجعلك تلجئين إلى التسويف وكثرة التشتّت، بالرغم من أن شخصيتك تحمل سمات الانضباط، وتبحث دائمًا عن المثالية، وعُسر المزاج هو الذي يُؤدي إلى إضعاف الدافعية عندك.
أيتها الفاضلة الكريمة: من الناحية النفسية هذه الحالة -إن شاء الله- حالة بسيطة، المطلوب منك طبعًا هو تحقير وتجاهل الفكر السلبي، وعليك بتنظيم وقتك؛ لأن الوساوس تستغل الإنسان من خلال الفراغ الذهني والفراغ الزمني، ودرجة المخاوف التي لديك -إن شاء الله- درجة بسيطة.
موضوع التخوّف عند العرض التقديمي (Presentation) هذا أمر طبيعي، ونحن نريد للناس أن يكون لديهم شيء من الخوف البسيط في البدايات؛ لأن هذا خوف إيجابي، خوف يُحسِّن الدافعية والإنتاجية عند الإنسان.
من المهم جدًّا إذًا تنظيم الوقت، وتجنّب الفراغ، وعليك بممارسة تمارين الاسترخاء؛ فهي تمارين مفيدة جدًّا، وتحقير هذه الأعراض، هذه هي العلاجات الرئيسية بالنسبة لحالتك، وبعد ذلك، أنتِ محتاجة بالفعل طبعًا لعلاج دوائي.
أنت ذكرت أنكِ قد أخذتِ أدوية كثيرة، كنتُ أتمنى أن تذكري أسماءها، عمومًا: الدواء المثالي لحالتك هو العقار الذي يُسمّى (سيرترالين - Sertraline)، واسمه التجاري (زولوفت - Zoloft) أو (لوسترال - Lustral)، وربما تجدينه في فلسطين تحت مسمّيات تجارية أخرى.
الجرعة في حالتك يجب أن تصل إلى (100 ملغ) يوميًا، علمًا بأن الجرعة الكلية هي (200 ملغ) في اليوم، لكن لا أعتقد أنك في حاجة إلى هذه الجرعة.
بداية العلاج تكون بتناول نصف حبة (أي 25 ملغ) يوميًا، لمدة عشرة أيام، بعد ذلك حبة كاملة (50 ملغ) يوميًا، لمدة أسبوعين، ثم حبتين (أي 100 ملغ) يوميًا، لمدة ستة أشهر -وهذه ليست مدة طويلة- ثم حبة واحدة (50 ملغ) يوميًا، لمدة ثلاثة أشهر، ثم نصف حبة (25 ملغ) يوميًا، لمدة شهر، ثم نصف حبة يومًا بعد يوم، لمدة أسبوعين، ثم تتوقفين عن تناول الدواء.
السيرترالين هو من أفضل الأدوية وأسلمها، وهو لا يُسبِّب أي نوع من الإدمان، ولا يُؤثّر على الهرمونات النسائية، ربما يفتح الشهية قليلًا نحو الطعام، فإن حدث لك شيء من هذا، فأرجو أن تتخذي التحوطات التي تمنع زيادة الوزن.
هذا هو الذي أنصحكِ به، وبالنسبة للدين -أيتها الفاضلة الكريمة-: عليك أن تُحسّني الدافعية لديك، وأن تحرصي على الصلاة في وقتها، فالإنسان حين يحرص على الصلاة في وقتها يجد أن بقية العبادات قد سهلت عليه كثيرًا.
هذا هو الذي أود أن أنصحك به، وبارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
_______________
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم -استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان-
تليها إجابة د. أحمد الفودعي -استشاري الشؤون الأسرية والتربوية-.
_______________
مرحبًا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.
أولًا: نسأل الله تعالى لك دوام العافية.
ثانيًا: نؤكد ما قاله لك الدكتور محمد من ضرورة تعاطي أسباب الشفاء، وتناول الأدوية، سواء كانت أدوية حسية بما وصفه لك الطبيب الدكتور محمد، أو بممارسة التمارين، أو بالأدوية المعنوية كتحقير هذه الأفكار الوسواسية، وعدم الاهتمام بها.
ونزيد هنا -أيتها البنت الكريمة- بعض التوجيهات التي تفيدك -بإذن الله تعالى- في الجانب الديني، فيما يتعلق بعباداتك وتنظيم أعمالك، وترتيب أولوياتك في أنواع القربات والطاعات.
أولًا: ينبغي أن تعرفي الحالة التي أنت تعيشينها، وأن كل إنسان قد يعترضه في طريقه إلى الله تعالى أسباب عديدة للفتور وقلة الرغبة، فأحيانًا تكون أسبابًا صحية بسبب الأمراض والأسقام، وأحيانًا تكون مجرد زيادة الرغبة، وأحيانًا فتور هذه الرغبة، وكلا الأمرين أمرٌ مسلَّم به وواقع، والشرع يُقرُّه ويعترف به، ويضع له أنواعًا من التدابير.
أمَّا في الحالة المرضية، عندما يكون الإنسان مريضًا ويجد في نفسه صعوبة في ممارسة كل ما كان يفعله حال صحته؛ فإن الشارع الحكيم شرع أحكامًا خاصة بالمريض، رخَّص له فيها، وتجاوز له عن كثير من الأحكام والأحوال التي كان يمارسها أثناء صحته.
فعلى سبيل المثال: رخَّص الشرع للمريض الذي يشق عليه الصيام في رمضان أن يُفطر، ورخَّص له في أن يجمع بين الصلاتين إذا شق عليه الوضوء لكل صلاة، ورخَّص له في ترك الجمعة بالنسبة للرجال، ورخَّص له في ترك الجماعة..وهكذا، شرع الله تعالى برحمته وحكمته أحكامًا للمريض تخالف أحكام الصحيح وتكون مخففة عنه.
فينبغي للإنسان أن يأخذ نفسه بهذا التدبير الإلهي، إذا عرض له مرض يُرهقه ويُتعبه، فينبغي له أن يُحاسب نفسه على أداء الفرض بالطريقة التي أراده الله تعالى بها، فإذا رخَّص الله تعالى له في شيء ينبغي له أن يأخذ برخصة الله تعالى، فإن الله يُحب أن تُؤتى رخصه كما يحب أن تُؤتى عزائمه.
والوسوسة بلا شك نوع من أنواع الأمراض؛ ولهذا ينبغي لمن أُصيب بشيء من الوساوس أن يأخذ برخصة الله تعالى، فإذا وجد في نفسه فتورًا عن بعض العبادات، يجاهد نفسه على أداء الفرائض ويحاسب نفسه عليها، وهي أفضل وأحب شيء يفعله الإنسان ويتقرب به إلى الله، كما قال الله في الحديث القدسي الذي رواه البخاري من حديث أبي هريرة: «وما تقرَّب إليَّ عبدي بأحبَّ مما افترضتُه عليه».
ثم بعد ذلك يفعل ما يتيسر له وتُطيقه نفسه من أنواع النوافل، وإذا وضع برنامجًا عمليًا فينبغي له أن يكون واقعيًا لا مثاليًا، فيضع برنامجًا يستطيع أن يُحققه، أو على الأقل أن يحقق نسبة كبيرة منه، فإذا حقق سبعين في المئة منه مثلًا أو ستين في المئة، فهو إنجاز كبير لا ينبغي له أن ييأس أو يضجر من كونه لم يحقق الجميع.
وبهذه الطريقة ستجدين نفسك -بإذن الله- مسرورة وسعيدة لما تُنجزينه وتعملينه.
كما أننا نذكرك -ابنتنا العزيزة- أن الإنجازات -ولله الحمد- في الدين الإسلامي سهلة التنفيذ مع كثرة الأجور، ومن ذلك: كثرة الأجور العظيمة على بعض أنواع الأذكار؛ ولذا ننصحك بأن تُداومي على قراءة الأذكار في الصباح والمساء، وأذكار الصلوات، وأذكار النوم والاستيقاظ من النوم، وأن تُداومي على قراءة هذه الأذكار؛ فإنها كبيرة الأجر مع سهولة العمل.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يُيَسِّر لك الخير ويعينك عليه.