نسيان شديد لدروسي ومثالية مزعجة في المذاكرة، هل من حل؟

2025-11-12 02:37:01 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاكم الله خير الجزاء على هذا العمل.

أنا طالبة أعاني من نسيان شديد لمناهجي الدراسية، رغم أني أحاول بكل الطرق أن أفهم الدروس بدلاً من حفظها، وأن أكتب وأقوم بإعداد خطط، وأُعطي وقتي بالكامل للدراسة، ولا توجد مشتتات أمامي في وقت دراستي، لكن رغم ذلك، إذا مر بعض الوقت نسيت مُعظم ذلك، هل من الممكن أن يكون السبب أنني أحتاج أن أراجعه أكثر؟ ولكني أرى الكثير من الناس يتذكرون بسرعة رغم عدم المراجعة المكثفة!

وزيادة على هذا كله: أعاني من وَهْم الكمال، فإذا كان الدرس في صفحة، أبحث بعمق شديد، وأُضَيِّعُ الوقت، وأحاول أن أفهم الكلمة تلو الكلمة، وهذا يضيع وقتي في فترة الامتحانات، فبدلاً من أن أدرس ملخصًا فقط، أدرس كل شيء، رغم أن ذلك قد لا يكون ضروريًا، المُشكل أنه ليس لدي وقت كثير، وأنا مُقْبِلَة على تدريبات هذه السنة، فأقول لنفسي: "أنا لست جاهزة، وأنا لا أستحق ذلك المنصب"، رغم أن مُحيطي يثق في قدراتي، ويقول لي: إن لدي قدرات، أخاف ألا أكون في المستوى، وهذا يُرهقني ويُضَيِّعُ علي الكثير من الفُرص.

أحاول أن أستغل كل وقتي، لكن رغم هذا، في نهاية اليوم عندما أرى الكم الهائل من المواد والمراجعة التي يجب عليّ، أَعْجَزُ، علماً أني كنت تلميذة مُجتهدة جدًا قبل دراستي الجامعية، ولم أكن أنسى أو أعاني مع المناهج الدراسية مثل دراستي الجامعية، فأشعر الآن كأنني فقدت كل قيمتي؛ لأن الدراسة هي كل ما يُمَيِّزُني، وأنا أعتمد عليها، وأحتاج إلى العمل بعد تخرجي هذا العام.

أقول -في بعض الأحيان-: "لو أن الله فقط يرجعني عنده وأرتاح من كل هذه المحاولات الفاشلة"، وأفكر في بعض المرات أن هذا النسيان هو بسبب ذنوبي، خاصة وأن هناك ذنباً واحداً يؤرقني ولم أستطع الابتعاد عنه، وأدعو الله كل يوم أن يجعل لي فرجًا من هذا الذنب، وأنا والله لا أعصيه استخفافًا بعظمته، ولكن والله أحاول في كل مرة الابتعاد عن هذا الذنب.

أرجو منكم نصيحة لهذا النسيان والمثالية في كل شيء، فإن العمل إذا لم يكن مثاليًا لا أُقَدِّمُهُ، وهذا يتركني أُؤَجِّلُ الكثير من الأعمال، ولا أعرف هل أنا في المستوى أم لا! وهل من الممكن أن يكون ما أَمُرُّ به بسبب هذا الذنب؟ رغم أني -والحمد لله- أحرص على الصلاة في وقتها، وقراءة القرآن وحفظه، وأذكار الصباح والتحصين، لكن ما عُدت أعرف شيئًا!

ولا تنسونا من صالح دعائكم، بارك الله فيكم.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Nour حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بدايةً: نشكركِ على حرصكِ على العلم والاجتهاد، وصدقكِ في البحث عن الحلول لما تعانين منه، وهذا بحد ذاته دليل على وعيكِ ومسؤوليتكِ.

وبعد قراءة استشارتكِ بعناية، يتضح أن ما ذكرتِه يتضمن أكثر من جانب يحتاج إلى معالجة متوازنة، فهناك جانب دراسي يتصل بمشكلة النسيان وضعف التركيز، وجانب نفسي يرتبط بالمثالية العالية والشعور بعدم الكفاءة، وجانب إيماني يتعلق بتفسير ما تَمُرِّينَ به بأنه بسبب الذنوب، وسنتناول كل جانب منها على حِدَة، مع تزويدكِ بالتوصيات العملية المناسبة للتعامل مع كل منها -بإذن الله تعالى-.

أولاً: في مسألة النسيان وضعف التركيز: اعلمي أن النسيان أمر طبيعي إلى حدٍّ ما، ويزداد مع الإرهاق الذهني والقلق والضغط النفسي، وليس بالضرورة أن يكون سببه الذنوب، وإن كانت الذنوب بلا شك تُضعِفُ النفس والإرادة، كما قال ابن القيم -رحمه الله-: "المعصية تُورِثُ ظلمة في القلب، ووَهَنًا في البدن، ونقصًا في الرزق، وبغضًا في قلوب الخلق"، لكن لا ينبغي أن تُحَمِّلِي نفسكِ ذنب النسيان، فالله تعالى أكرم وأرحم، وقد قال سبحانه: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286]، فالمطلوب هو الاستغفار مع الرجاء، لا مع جلد الذات.

أما من الجانب العملي، فإليكِ بعض التوجيهات:

1. بَدِّلِي طريقة المذاكرة: استخدمي الخرائط الذهنية، والملخصات البصرية، والتكرار على فترات متقطعة؛ فذلك يُثَبِّتُ المعلومات في الذاكرة الطويلة.

2. قَسِّمِي وقتكِ إلى جلسات قصيرة (25 - 30 دقيقة) يتبعها استراحة قصيرة، فالدراسة المتواصلة الطويلة تُضْعِفُ التركيز.

3. لا بد من النوم بانتظام، فقلة النوم من أهم أسباب النسيان.

4. اعتني بتغذيتكِ: اجعلي غذاءكِ متوازنًا يحتوي على التنوع، مع الإكثار من تناول الفواكه والخضروات.

5. مارسي رياضة خفيفة كالمشي؛ فهي تُنَشِّطُ الذاكرة وتُحَسِّنُ المزاج.

ثانيًا: وهم الكمال والمثالية: ما تصفينه من رغبة في أداء كل شيء على أكمل وجه، وتَعَبِكِ من التأخر واللوم الذاتي، هو ما يُعرف في علم النفس بـ "المثالية المُفْرِطَة" (Perfectionism)، وهي سلوك نابع من نية طيبة -حُبّ الإتقان-، لكنه إذا تجاوز الحد أصبح عائقًا للإنتاج والطمأنينة، تذكَّري قول النبي ﷺ: "سَدِّدُوا وقاربوا وأبشروا"، أي افعلوا ما تستطيعونه قدر طاقتكم، فالله لا يُكَلِّفُ نفسًا إلا وسعها.

والحل العملي هنا هو أن تتعلمي الرضا بالتقدُّم التدريجي، لا بالكمال الفوري، ابْدَئِي الدرس، وضعي لنفسكِ وقتًا مُحَدَّدًا، وما إن ينتهي الوقت فانتقلي لِمَا بعده، حتى لو لم تُكْمِلِي كل التفاصيل، ومع الوقت ستلاحظين أن الفهم العام أهم من الغرق في الجزئيات الصغيرة.

ثالثًا: الخوف من الفشل وفقدان الثقة: خوفكِ من عدم الاستحقاق للمناصب أو التدريبات، هو انعكاس لتقدير ذات مُنخَفِض، نشأ من الضغط على نفسكِ، وليس من ضعف حقيقي في قدراتكِ، بدليل أن مَن حولكِ يَشْهَدُ لكِ بالكفاءة، فثِقِي بما يَرَوْنَهُ، ولا تُنْكِرِي ما وهبكِ الله من ذكاء واجتهاد.

ويمكنك التدريب على بعض التمارين العملية مثل:

1. اكتُبِي كل مساء ثلاثة أشياء أنجزتِها اليوم، مهما كانت صغيرة؛ فهذا يَدْعَمُ ثقتكِ.

2. حَدِّدِي هدفًا واحدًا واضحًا لليوم، بدلاً من عشرات المهام.

3. ذَكِّرِي نفسكِ أن النجاح الحقيقي هو الاستمرار رغم التعب، لا الكمال بلا خطأ.

رابعًا: الجانب الإيماني والروحي: من أجمل ما في رسالتكِ أنكِ مُحافظة على الصلاة والقرآن والأذكار، وهذه أعظم أسباب الطمأنينة، لكن احذري أن يتحوَّل الدين إلى وسيلة لِلَوْمِ الذات، بدلاً من أن يكون مصدر راحة وأمل، تذكَّري أن الله سبحانه يقول: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر:53]، فاستمري في الدعاء، واطلبي من الله بصدق أن يُعِينَكِ على التوازن، وإذا كان هناك ذنب يؤرقكِ، فاستغفري بصدق، واصبري على نفسك، واعلمي أن الله يُحِبُّ التوابين، وأن تكرار التوبة لا يَمَلُّ الله منه أبدًا.

الخلاصة العملية:

• اجعلي هدفكِ الفهم التدريجي لا الكمال الفوري.
• خَطِّطِي دراستكِ على شكل جداول بسيطة فيها مرونة.
• لا تقارني نفسكِ بالآخرين، فلكل إنسان قدرته وسرعته.
• تابعي عباداتكِ بروح الرجاء والخوف، لا الخوف فقط.
• راقبي نمط حياتكِ (نوم، طعام، حركة).

إذا استمر الشعور بالحزن والرغبة بالموت -لا قدَّر الله-، فراجعي مختصًا نفسيًا، فذلك ليس ضعفًا إيمانيًا، بل طلب عَوْنٍ مِهْنِيٍّ مشروع.

نسأل الله أن يشرح صدركِ، ويُثَبِّتَ حفظكِ، ويرزقكِ الطمأنينة والتفوق، وأن يجعل لكِ من كل همٍّ فرجًا، ومِن كل ضيقٍ مخرجًا، اللهم آمين.

www.islamweb.net