حاول الإقلاع عن العادة المحرمة ولم أنجح، فهل من حل؟

2025-11-13 01:00:33 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عمري 17 عامًا، التزمت منذ حوالي عام ونصف، وكنت قبل ذلك أمارس العادة القبيحة وأشاهد المحرمات، فتبت منها لفترة تزيد عن نصف عام، والآن، كل بضعة أيام أقع فيها وأتوب، لكن هذه الدوامة أزعجتني.

ولا أزكي نفسي، لكنني أصوم، وأقرأ القرآن، وأخالط الصالحين فقط، وأغض البصر، وأتواجد في الحلقات النافعة، وأسير في رحلتي لحفظ القرآن، كما أنني بدأت في طلب العلم الشرعي.

مارست الرياضة وذهبت إلى النادي، لكن ذلك لم يزد الأمر إلا سوءًا، فهي تشعل الشهوة، وها أنا ذا أعود وأتوب من هذا الذنب. وقد يكون السبب خلوتي بنفسي، لكنني أحتاج إلى الخلوة أثناء الحفظ، فلا أحسن الحفظ وسط الناس، وقد أشكل الأمر عليّ!

أفيدوني بعلمكم، جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سالم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكرك على تواصلك معنا، وثقتك بموقعنا، ونسأل الله أن يكتب لك التوفيق والنجاح، وأن يثبتك على طريق الاستقامة والخير.

لفت انتباهي – يا بُني – صدق توبتك، وعلو همتك، وحرصك على الخير والتعلم في سن مبكرة، وهذا بحد ذاته نعمة عظيمة تستوجب الشكر والمثابرة، أنت على طريق الحق والخير، ومحاربة النفس والشيطان هي جزء من رحلة المؤمن، فلا تيأس ولا تستسلم، فمجاهدة النفس هي درب الأنبياء والصالحين.

أتفهم تمامًا ما تمر به من صراع داخلي، وشعور بالإزعاج بسبب هذه الدوامة، فعودة الإنسان للذنب بعد التوبة تُثقل كاهله، ويظن أنه لم يُحسن التوبة، ولكن لا بد أن تعلم أن هذا الابتلاء هو من طبيعة النفس البشرية التي وصفها الله تعالى بقوله: ﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي﴾ [يوسف: 53]، وحسنًا فعلت بتوبتك، فمجرد شعورك بالندم هو أول درجات التوبة الصادقة، وكونك تعود وتتوب، فهذا دليل على حياة القلب وخشيته لله، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كل بني آدم خطَّاء، وخير الخطائين التوابون" (رواه الترمذي).

فهمنا من رسالتك أن المشكلة تنبع من عاملين رئيسيين:
1. الجهاد في دوامة العادة القبيحة، وهي نتيجة لسن البلوغ وما يصاحبه من فوران للشهوة، وتأثير العادة القديمة، حيث تترك هذه العادة أثرًا نفسيًا وسلوكيًا عميقًا يحتاج وقتاً طويلاً للتخلص منه تماماً، ولعل هذا هو الانسحاب السلوكي الذي يجعلك تعود إليها بين الحين والآخر.

2. أشرت إلى أن السبب قد يكون خلوتك بنفسك أثناء الحفظ، وهذا صحيح، فالخلوة بحد ذاتها من مداخل الشيطان، ولكنك تحتاج إليها للحفظ والتركيز.

نصيحتنا هي أن تنظر إلى الأمر كجهاد مستمر، وأن تستعين بالخطوات العملية التالية:
1. لا تسمح للذنب أن يقودك لليأس من رحمة الله، كلما سقطت، جدد توبتك مباشرة، وقم بوضوء وصلاة ركعتين (صلاة التوبة)، واعلم أن الله يفرح بتوبة عبده، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لو لم تُذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم"، (رواه مسلم).

2. اجعل طلب العلم، وحفظ القرآن غايتك العليا، وتوكل على الله حق توكله، وتذكر أن البصيرة التي تكتسبها من القرآن، وطلب العلم هي أكبر حصن ضد الشهوات، يقول الله تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا﴾ [الطلاق: 2].

3. الإفراط في الصيام قد ينهك الجسد، فاجعل صيامك متقطعًا (صيام الإثنين والخميس مثلًا)، واحرص على تقليل الأكل والنوم قدر المستطاع، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" (متفق عليه).

4. لا تترك الخلوة تتحول إلى عزلة، قم بتغيير المكان إذا كنت تحفظ في غرفتك، حاول أن تحفظ في مكان مغلق لا يراك فيه أحد، ولكن ليس فيه سرير، كغرفة المكتب، أو حتى في زاوية في المسجد بعد صلاة معينة إذا أمكن، حدد وقتاً للحفظ لا يزيد عن ساعة ونصف إلى ساعتين، ثم قم وغير وضعك، ومكانك فوراً.

5. هذه العادة القبيحة تنشط في لحظات الضجر والملل، أو فوران الشهوة، اجعل بينك وبين الذنب فاصلًا حاسمًا، بمجرد شعورك بالرغبة، انهض فورًا وأشغل نفسك بأي شيء: صب الماء البارد على الوجه، أو مارس بعض تمارين الضغط السريعة، أو قم مباشرة وتوضأ، تذكر أن كبت الدافع لمدة 30 ثانية قد يضعفه تمامًا.

6. مارس الرياضة بغرض تفريغ الطاقة الزائدة، وليس لإثارة الشهوة، مارسها في الأوقات التي تعقب الوجبات الخفيفة، أو قبل النوم بمدة كافية، ركز على رياضات التحمل كالسباحة والجري لمسافات طويلة التي تستهلك الطاقة، بدلاً من رفع الأوزان الثقيلة التي قد تزيد من مستويات هرمون الذكورة وتشعل الشهوة.

7. استغل طاقتك العالية في هذا السن (17 عاماً) في عمل نافع تخدم به مجتمعك، مثل العمل التطوعي في مجالات دعوية، أو اجتماعية، فخروجك من دائرة الذات الضيقة إلى خدمة الآخرين يعزز المعنى الوجودي لحياتك.

8. استمر في مخالطة الصالحين، فالمؤمن قوي بإخوانه، اتخذ لنفسك صديقًا موثوقًا (صديقًا صالحًا تثق به) يمكنك مصارحته بجزء من صراعك، ليشد أزرك، ويذكرك بالخير.

تذكر أن المعركة ليست ضد الذنب فقط، بل ضد اليأس الذي يسعى الشيطان لزرعه في قلبك، أنت تسير على طريق النور، فاستمر في مجاهدة النفس.

إذا شعرت بأن هذا الصراع يزداد شدة، أو أنه يؤثر سلبًا على تركيزك في الحفظ وطلب العلم، فمن الحكمة أن تستشير مستشاراً سلوكياً، أو أخصائياً نفسياً موثوقا، ليساعدك في وضع خطة سلوكية مخصصة تتناسب مع ظروفك وطبيعة شخصيتك، فطلب المساعدة قوة ورغبة في الشفاء.

نسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يهديك سواء السبيل، وأن يجعلك من حملة كتابه العاملين به.

www.islamweb.net