أبي يتحدث عني بالسوء و يفشي أسراري للآخرين، فكيف أتصرف؟

2025-11-23 22:32:55 | إسلام ويب

السؤال:
أنا صاحب الاستشارة رقم: (2554092).

اكتشفت أن أبي يتحدث عني بالسوء لأي أحد؛ للجيران والأقارب وحتى الغرباء، ويخرج أسراري وحياتي الخاصة إلى العلن، ويتكلم بها وكأنها مواضيع عامة. ومهما حاولت أن أغلق على نفسي، يتدخل ويعرف ويفشي ما لا ينبغي أن يعرفه الناس، لم أقابله بالمثل، ولم أتحدث عنه في الخارج، بل كنت أدافع عن نفسي، لكنني لم أجد من حولي الشخص التقي الذي أبوح له بما أعاني، ويساعدني أو يمنعه بالحسنى، فلجأت إليكم لأجد حلًا.

ما زلت أعيش معه، ولا أستطيع أن أهجره، أعيش ضغطًا نفسيًا يؤثر على جسدي، وأصبحت لا أطيق الناس الذين يتحدث معهم عني، انغلقت على نفسي، وهو يجعلهم يشمتون بي، وأعرف أنه لو تكلمت عمّا يفعل، فلن يعيره أحد اهتمامًا، لكنني لا أريد له ذلك.

حياتي توقفت، والنعم تزول من حوله ومن حولي، ويسبب لي ضغطًا شديدًا، وأسأل نفسي: كيف أبرّه؟ أريد أن أصده، وأقف في وجهه وأمنعه، لكنني أتراجع، الكلام معه لا ينفع، ولا أستطيع الهجر، يدفعني ذلك إلى إيذائه، لكنني أمنع نفسي، وهذا يستنزفني كثيرًا، فما الحل؟

لقد تعبت، أرجو عدم إحالة سؤالي.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Thewalker حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابننا العزيز- في استشارات إسلام ويب.

أولًا نسأل الله -سبحانه وتعالى- بأسمائه وصفاته أن يتولى عونك وييسر أمرك، ونحن سعداء جدًّا بتواصلك مع الموقع، كما نحن سعداء أيضًا بما وفقك الله تعالى إليه من الموقف الصحيح في تعاملك مع والدك، فصبرك عليه وعدم مقابلتك إساءته بالإساءة توفيق كبير من الله تعالى لك، ونسأل الله تعالى أن يَردَّه إلى الحق ردًا جميلًا، وأن يكفيك إساءته، ويُيَسِّر لك الخير.

ونحب أولًا أن نواسيك -ابننا الكريم- فنضع بين يديك هذا الحديث العظيم الذي أخبر فيه النبي ﷺ شخصًا يعاني مثل حالتك، فقد جاءه رجل فقال: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، ‌وَأُحْسِنُ ‌إِلَيْهِمْ ‌وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ فقال له النبي ﷺ: «لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ».

هذا الحديث العظيم أخبر فيه النبي ﷺ هذا الإنسان عن تأييد الله تعالى له ولمن هو مثله، فهذا الشخص يشكو إلى رسول الله ﷺ سوء تعامل الأقارب، فإنه يُحسن إليهم وهم يُسيئون، ويحلم عنهم ويسامحهم ويعفو عنهم، وهم يزيدون جهالة واعتداءً، ويصلهم وهم يقطعونه، فأخبره الرسول ﷺ بأن العاقبة والنهاية هي خسارتهم هم، فإنهم سيحترقون ويتألمون بأفعالهم هذه، وأنت عاقبتك حسنة، والله تعالى يؤيدك بالنصر والإعانة، قال: «وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ» أي نصير ومعين «مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ».

فهذا الحديث يبين لك أنك -بإذن الله تعالى- في عون الله وتسديده وتوفيقه، وأن الله لن يتخلى عنك.

احتسب أجرك على الله، وقد أحسنت حينما لم ترد إساءة الوالد بإساءة، فهذا هو الواجب الشرعي، وإذا كان مطلوبًا من الإنسان أن لا يقابل إساءة الناس بالإساءة، فهو مع الوالدين من باب أولى، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}.

فاحتسب أجرك واصبر، واعلم أن عاقبة الصبر حلوة، وإن كان هو مرًّا، فالصبر مثل اسمه مرّ مذاقته، لكن عواقبه أحلى من العسل، وتذكر النهايات التي يُعدّها الله تعالى لك من الأجر في الآخرة، والتمكين في هذه الدنيا من قضاء الحاجات وإعانتك على ما هو صلاح لك ونفع وخير، وأن الله تعالى معك بالحفظ والحراسة والتأييد، فكل هذه نتائج جميلة ونهايات سعيدة لسلوكك هذا من الصبر والاحتساب، فتذكّر هذا حتى يسهل عليك هذا الصبر.

ولا يجوز لك أبدًا -ابننا الكريم- أن تعصي الله تعالى في والدك، بحجة أنه عصى الله تعالى هو وأساء إليك، فلا تتكلم عن والدك بما لا يستره عن الناس، فمن ستر مسلمًا ستره الله، وإذا كان هذا في عموم الناس، فهو في الوالد من باب أولى، واحذر أن يُزيِّن لك الشيطان أن تفعل شيئًا من ذلك.

أمَّا أن تُبين للناس حقيقة حالك أنت، وأن ما يقوله عنك ليس صوابًا وليس صحيحًا، فهذا لا حرج عليك فيه، فإنه من باب رفع الظلم وإزالة الضرر، وقد قال الله تعالى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ}، فإزالة الضرر عن نفسك إذا كان في تبيينك لحقيقة الموقف ما يُزيل عنك ضررًا أو يجلب لك نفعًا، فهذا مباح لا حرج عليك فيه.

لا تيأس -ابننا الكريم- من صلاح حال والدك، فإن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، اصبر على الإحسان إليه، وجاهد نفسك على مقابلة إساءته بإحسانٍ، وحاول أن تَتَودَّد إليه، وأكثر من دعاء الله -سبحانه وتعالى- أن يهديه إلى الحق وأن يكفيك شروره، وحاول أن تستعين بكل من يمكن الاستعانة به ممَّن لهم كلمة مسموعة عنده، حاول تذكيره بالله والدار الآخرة، افعل ما يمكنك من الأسباب، واعلم أن الله -سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، فهو سبحانه قدير على أن يغير حال والدك.

نسأل الله سبحانه بأسمائه وصفاته أن يَمُدَّك بالعون والتوفيق والتسديد، وأن يقدر لك الخير، ويكتب لك السعادة في الدنيا والآخرة.

www.islamweb.net