أشعر بالرياء ولا أجد أثر الطاعة في قلبي.. أرشدوني للصواب.
2025-11-23 21:36:50 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
أنا شاب عمري 21 سنةً، وفي حيرة من أمري، كنت في غفلة في ما مضى، وكأني استفقت الآن.
لم أبدأ الصلاة إلا قبل 4 سنوات تقريبًا، والآن لا أستطيع أن أجد الوقت لأي شيء؛ فأنا لا زلت أدرس، وأريد طلب العلم، وقد بدأت بحفظ القرآن، ووضعت لنفسي أورادًا حافظت عليها منذ زمن -ولله الحمد والمنة-، لكني لا أجد أثرها في قلبي، ولا أجد أثر أي طاعة في قلبي الآن، وقد حصل لي شيء من ذلك سابقًا، إلا أني انتكست عدة مرات، فذهب عني ما كنت أجد إلى الآن.
ثم إني في المعهد الذي أدرس فيه هناك إخوة سبقوني في هذا الطريق، وكنت أظن في سابق الأمر أنهم سيعينونني، إلّا أن النتائج كانت عكسيةً تمامًا؛ فقد وجدت نفسي وكأني أرائيهم، وأحيانًا أفعل العمل وأجد شيئًا في قلبي يطلب إعجابهم، هذا لأني لا أكاد أكلم أحدًا؛ فحين يكلمني الناس لا أستطيع التحدث؛ لمشاكل -الله وحده يعلمها-، حتى إنه إذا وجه لي الكلام لا أستطيع أن أفكر إلا في الإجابة بكلمة واحدة، أو اثنتين، فحصل لي مضمون قول الله عز وجل: {ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك}، فقد انفض الناس جميعًا من حولي، وبقيت مع ربي، ونعم المعية، والله لو فقط أجد حلاوة مناجاة الله وقربه.
اشتريت مؤخرًا كتاب (فتح المجيد شرح كتاب التوحيد)، لعلي أجد حلاً للرياء.
سؤالي: لا يتعدى كونه طلب نصيحة من رجال لهم عهد بهذا الطريق، فلا تبخلوا علي، واعتبروني ابنكم، فلم يكن لدي -والله يعلم- من يكلمني كثيرًا في الدين إلا في الأمور العامة؛ كضرورة الصلاة، ونحوها، وجزيتم خيرًا.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مصطفى حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك -أخي الفاضل- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.
إن مجرد وجود رغبة في قلبك لإصلاح نفسك، والاستقامة على منهج الله تعالى هو في ذاته توفيق من الله، ودليل خير في قلبك؛ فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين)، فالعلم، والاستقامة، والالتزام بطاعة الله كلها من نعم الله تعالى التي ينبغي أن تُحمد، ومن علامات إرادة الخير بالعبد، فاشكر الله على هذا الهمّ الصالح، وداوم على البناء، والمجاهدة، وتزكية النفس.
أخي الكريم: إن كانت لنا نصيحة نقدّمها لك فهي أن تُدرك تمامًا أهمية مرحلة الشباب التي أنت فيها؛ فهي مرحلة البذر الذي تُجنى ثماره في بقية العُمر، ولذلك تحتاج هذه المرحلة إلى مجاهدة، وصبر، وبناء مستمر، وكل ما ذكرته -في سؤالك- من تقدّمٍ وتراجع، وقوةٍ، وضعف، ومشاعر وحدةٍ، وعزلة، وصراع مع الإخلاص، كلها أمور طبيعية يمرّ بها كل شاب يسعى للاستقامة على منهج الله تعالى.
وسنضع بين يديك مجموعةً من التوجيهات نرجو الله أن يوفقك للعمل بها:
أولاً: تنظيم الوقت، وتحديد الأولويات؛ ففي هذه الفترة العمرية، يعتبر الوقت هو المساحة التي تُبنى فيها شخصيتك على كافة المسارات: الإيمانية، والأخلاقية، والعلمية، وبقدر ما تُعطي هذا البناء الجاد من أهمية ووقت، بقدر ما ستقطف الثمرة الإيجابية، وقد حثّنا النبي -صلى الله عليه وسلم- على اغتنام العمر عمومًا، وخصّ فترة الشباب والقوة بالذكر؛ لأنها وقود التأسيس، فقال: "اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك.."، لذلك بادر إلى عمل خطة وجدول أعمال تقوم فيه بترتيب وقتك، ودراسة أولوياتك بعناية، ثم ضع لنفسك هدفًا واضحًا وكبيرًا يمكن الوصول إليه: كالتأسيس، والإتقان لتلاوة القرآن وحفظه، وأصول العلم الشرعي، وضع أهدافًا مرحليةً، أسبوعيةً، أو شهريةً صغيرةً تساهم في تحقيق الهدف الكبير، وهذه الأهداف الصغيرة تشكّل دافعًا وحافزًا عند تحقيقها، وتشعرك بالإنجاز والرضا.
جاهد نفسك لتحقيق التوازن بين مسارات حياتك، واجعل وقتًا للعبادة والقرآن، ووقتًا للعلم والدراسة، ووقتًا لراحة البدن، ووقتًا لمباحات الدنيا؛ بحيث لا يطغى شيء على الآخر حسب الأهمية والأولوية.
ثم احذر -أخي- بشدة ممن يسرقون وقتك وعمرك: كأصدقاء السوء، والإفراط في متابعة مواقع التواصل الاجتماعي، وكثرة اللهو والترفيه غير المنضبط؛ فكلها مضيعة للعمر، ومضعفة للإيمان.
ثانيًا: المجاهدة والصبر؛ إن فترة الشباب مرحلة زرع كل خير؛ لذلك تتطلب منك اجتهادًا في كل المسارات سواءً في طلب العلم، أو حفظ القرآن، أو تزكية النفس، أو تهذيب الأخلاق، وبناء القيم الإسلامية، ومن الطبيعي جدًا أن تجد نفسك تتقدّم مرةً، وتتأخر أخرى؛ فهذا هو حال الإنسان في سيره إلى الله، لكن اجتهد أن يكون لديك رصيد من الخير، والنوافل، والطاعات التي تحميك عند الفتور من ترك الفرائض، والانتكاسة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لكلِّ عملٍ شِرَّة، ولكلِّ شِرَّةٍ فَترةٌ، فمَن كانت فترته إلى سنّتي فقد أفلح، ومَن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك)، ثم مع أي لحظة من لحظات الضعف، أو الوقوع في الذنوب لا تتأخر، وبادر إلى التوبة، والاستغفار، والدعاء، والتضرع إلى الله تعالى، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ).
ثالثًا: رقة القلب، وبناء حلاوة الطاعات؛ فرقة القلب، وبناء حلاوة الطاعات لا يكونان إلا بسعي ومجاهدة، قد تطول أو تقصر، بحسب قوة الإخلاص والسعي لتحقيقها، مع ضرورة التفريق بين الطمأنينة والسكينة التي قد تجدها بمجرد الذكر، أو قراءة القرآن، وبين حلاوة الإيمان، والطاعات التي تحتاج لعوامل عديدة يكمل بعضها بعضًا، ومن أهم تلك العوامل:
- حضور القلب عند أداء العبادات: حتى لا يكون العمل مجرد عادة روتينية، بل عبادة تستشعر فيها المقاصد والغايات.
- إتقان العمل: أداء العمل وفق شروطه، وضوابطه الشرعية، وهذا يتحقق بالعلم الشرعي، ومعرفة الأداء الصحيح، والمتابعة لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-.
- استحضار المراقبة الإلهية: فاستشعار نظر الله تعالى إليك حال العمل، وبه يتحقّق الإخلاص والخضوع والتعظيم لله عز وجل.
- الاستقامة العامة: تحقيق التكامل بين الظاهر والباطن، حتى لا تُفسد الذنوب والمعاصي الخفية لذة الطاعة، فلا حلاوة للطاعات مع إطلاق البصر في الحرام مثلًا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (النَّظرةُ سهمٌ من سهام إبليس مسمومٌ، من تركها من مخافتي أبدلته إيمانًا يجد حلاوته في قلبه).
- التضرع والدعاء: فالإلحاح على الله تعالى أن يرزقك هذه الحلاوة القلبية، ومع المجاهدة يصل بك -بإذن الله تعالى-.
رابعًا: علاج الرياء وحب الظهور: فأساس الرياء هو استعظام نظر الآخرين أكثر من استعظام نظر الله تعالى؛ مما يستلزم الرغبة في ثنائهم ومدحهم، وعلاج ذلك يكون ببناء الخشية في النفس، واستحضار نظر الله تعالى، وإدراك أن النفع، والضر، والقبول، والمنع كلها بيد الله تعالى.
فإذا تحقّق ذلك في النفس هان فيها نظر الناس، واستوى مدحهم وذمّهم ما دام الله تعالى مطّلع عليك، وهذا الأمر يحتاج إلى تدريب ومجاهدة، وبناء الخشية بكثرة الأعمال الصالحة في الخلوات، وتدريب النفس على إخفاء الأعمال، ومعرفة الله تعالى وعظيم اطلاعه على ما في القلوب، واستشعار خطر حبوط الأعمال التي فيها الرياء؛ قال الله تعالى في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشِركه)، وفي رواية ابن ماجه: "فأنا منه بريء وهو للذي أشرك".
خامسًا: الصحبة الصالحة: فخير ما يعين الإنسان على بناء نفسه في هذه المرحلة أن يجد صاحبًا صالحًا يأخذ بيده، ويدلّه على الخير، ويذكّره إذا نسي، وينصحه إذا غفل، ويتنافس معه على الخيرات، قال تعالى: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)، ابحث لنفسك عن أخ صالح يشاركك اهتماماتك، وسعيك في طلب العلم، وحب الاستقامة، ليكون لك سندًا وعونًا، وما تجد في نفسك من حب المدح، وإظهار العمل سيختفي بالمجاهدة والسعي لتزكية النفس.
سادسًا: الخجل الاجتماعي، وبناء الذات: فالخجل الاجتماعي ظاهرة طبيعية تضبط حدود الإنسان في علاقاته بالآخرين، ولا يصبح سلبيًا إلا إذا تجاوز الحد الطبيعي، ليصبح عائقًا عن تحقيق النجاح، أو حاجزًا في مسيرة البناء، وهنا يمكنك التدرب والتعلم للتغلب على هذا النوع من الخجل السلبي.
ومن أهم ما يساعدك على التغلب على الخجل الاجتماعي السلبي الخطوات التالية:
- بناء الثقة بالنفس: وتبدأ من تعزيز الإيجابية، ومشاعر الرغبة في النجاح والتفوق من خلال التركيز على إنجازاتك، ونجاحاتك السابقة، وقدرتك على تحقيق النجاح بعيدًا عن التفكير في لحظات السقوط والضعف؛ فالتفكير في الضعف يشعرك بالخوف والعجز.
- تصحيح النظرة للذات: اعتبر الأخطاء والإخفاقات دروسًا تتعلم منها، وليست دليلًا على أنك سيئ أو ناقص، أو عاجز.
- التوقف عن جلد الذات، وسوء الظن بها: فقد تكون شخصيتك المحبة للوحدة، وقلة الكلام هي التي دفعت الناس للابتعاد احترامًا لك، وليس لوجود عيب فيك، لذلك توقف عن لغة اليأس والإحباط، وبادر بتغيير طريقة تعاملك مع الناس، وستجد ردود أفعال إيجابية.
أخي الكريم: لا تزال في بداية العمر، وكل ما تجده من صعاب هو أمر طبيعي في طريق السالكين إلى الله، فتعلّم من تجارب الآخرين، واقرأ في سير الأنبياء، والصالحين، والعلماء، وما واجهوه من صعاب حتى وصلوا لما وصلوا إليه.
وتذكر أن بناء الإيمان في القلب هو وقودك الحقيقي في السير إلى الله تعالى؛ فكلما زاد الإيمان شعرت بحلاوة السعي، وصغرت العوائق. وبناء الإيمان ليس مستحيلاً؛ فقط اجتهد في امتثال أوامر الله، وتجنب نواهيه، وأكثر من الدعاء، وذكر الله، واجعل لك وردًا من القرآن تتلوه بتدبر، ولا تترك حضور حلقات العلم، وادعُ من حولك إلى الخير ما تستطيع، واجعل لك ركعات في جوف الليل ترفع فيها حاجتك إلى الله.
وكن متفائلاً بالخير، ولا تستطل الطريق، وتستعجل النتائج، واستمتع بالطاعات حتى تقطف ثمارها -بإذن الله تعالى-.
وتذكر وعد الله تعالى في الحديث القدسي: (وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذني لأعيذنّه).
وفقك الله، ويسّر أمرك.