كيف نتعامل مع الجار المؤذي وفق تعاليم ديننا الحنيف؟
2025-12-01 21:35:10 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
جزاكم الله خيرًا على هذا الموقع الرائع الذي يعالج مختلف القضايا، ويقدّم حلولًا شاملة ووافية.
في الحقيقة ابتلانا الله بجارٍ سيّئ جدًّا، لا يعرف التفاهم ولا المرونة أبدًا، فمنذ أن سكنّا وهو يؤذي سكان العمارة بشتى الطرق، فقد قام ذات مرة بوضع مسمار في عجلة سيارتي متحجّجًا بأن الموقف له، مع العلم أنّ العمارة لا تحتوي أصلًا على مواقف مخصّصة.
كما أن أولاده يقومون -للأسف- بإلقاء القمامة على درج العمارة، وإذا كان هناك نشاط صيانة في العمارة، يأتي بعامل ويتفق معه على مبلغ، ثم يوزّعه على سكان العمارة، لنكتشف لاحقًا أنّه يأخذ جزءًا منه لعائلته، ويعطي الباقي للعامل، مع الأسف الشديد.
وللأسف بلغ به الأمر أن يؤذي والدتي بكلام جارح، مع أنّها لا تكلمه، بل ويقول لنا: لماذا لا تتركون هذه العمارة وتذهبون عنها؟
حاولنا أكثر من مرة نصحه وإرشاده بالأحاديث الشريفة التي تبيّن فضل الإحسان إلى الجار، لكنه -للأسف- يقوم بحظرنا على تطبيق الواتس آب ولا يبدي أي اهتمام بالموضوع.
وسؤالي الآخر: هل ثبت أنّ النبي ﷺ استعاذ من جار السوء؟
أرشدونا وأفيدونا -حفظكم الله- كيف نتعامل معه على الأقل لكفّ أذاه؟
ولكم جزيل الشكر.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ يوسف حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أولًا: أسأل الله أن يرفع عنكم البلاء، وأن يكفيكم شرَّ مَنْ به شرٌّ، وأن يجعل صبركم رفعةً لكم وأجرًا مضاعفًا يوم تلقونه.
ما ذكرته من تصرفات هذا الجار مؤذٍ ومؤلمٌ، ولا يليق بمسلم يعرف حق الجوار، والنبي ﷺ قال: "مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ" (أخرجه الترمذي)، ومع هذا؛ فقد أخبر ﷺ أن من الناس من يشقى جيرانه بأذاه، حتى استعاذ بنفسه الشريفة منه، ففي الحديث: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَارِ السُّوءِ فِي دَارِ المُقَامَةِ" (رواه النسائي)، فهذا أصل ثابت، والاستعاذة من جار السوء سنة نبوية عنه ﷺ.
ولأني أعلم مقدار الضيق الذي يتركه هذا النوع من الجيران، فلعلِّي أقترح لك بعض الحلول العملية مع التأكيد على الصبر والحكمة، وبذل كل سببٍ مشروعٍ لكفّ الأذى دون الدخول في صدامات تُعقّد المشهد أكثر.
فمن تلك المعالجات: أولاً: تثبيت الجانب الشرعي والقلبي: من خلال احتسابك لثواب الصبر على الأذى، فلقد صبر النبي ﷺ على أذى اليهودي الذي كان يضع القمامة في طريقه، وصبر على أذى جاره المشرك، ولم يمنعه ذلك من الإحسان، فهذا لا يعني أن تسكت على الظلم، ولكنه يذكّرك أنَّ كل لحظة تتحملها؛ هي في ميزان حسناتك، وأن الله مطّلع على وجعك، مثمِّنٌ صبرك.
ثانيًا: التعامل معه بالحكمة واللين قدر الإمكان: حتى لو كان مؤذيًا، فإن الإحسان قد يكسر حدة طبعه، ومن ذلك التعامل:
• ردّ التحية بلطف.
• تقديم معروف بسيط بين فترة وأخرى (هدية صغيرة، طبق طعام ...)، فإن النبي ﷺ قال: "تهادوا تحابوا".
• تجنّب النقاشات الطويلة معه، والردود الانفعالية، وقطع أي جدال قد يفتح بابًا جديدًا للأذى، هذه الأساليب أحيانًا تذيب شيئًا من العناد، وإن لم تُصلحه بالكامل فهي تخفف من شدة المشاكل.
ثالثًا: إدارة المشكلة بطريقة رسمية ومنضبطة:
طالما أن الأذى تعدّى الحدود الطبيعية، كالكلام الجارح، والاعتداء على الممتلكات، وأخذ أموالٍ بغير وجه حقٍّ؛ هنا تأتي الخطوات العملية والتي في جزء منها قانوني مشروع، مثل:
1. إذا كان للمنطقة مسؤول أو عاقل حارة أو حيٍّ يمكن الرجوع إليه؛ ليكون طرفًا محايدًا يمنع تفاقم المشكلة، ويضع حدًّا واضحًا لما يحصل.
2. إبلاغ الجهات الرسمية عند الضرورة خصوصًا إن تكرر وضع المسامير، أو الاعتداء اللفظي، أو أخذ الأموال بغير حقٍّ، وليست غاية الشكوى هنا العقاب، بل كفّ الأذى، وهذا مقصدٌ شرعيٌّ معتبرٌ.
3. إن كان البيت إيجارًا فالتواصل مع صاحب البناية أو مكتب العقار يكون أحيانًا حلًا ناجحًا، لأنهم يملكون سلطة على المستأجر المخالف، أمَّا إن كان البيت ملكًا، فهذا يُعطيكم الحق الكامل في طلب تدخل رسمي يحفظ حقوقكم، لأنكم لستم مضطرين لمغادرة ملككم بسبب أذى إنسان لم يراعِ حق الجوار.
رابعًا: خياراتكم المستقبلية:
إن استجاب بعد التنبيه الرسمي أو تدخل الوجهاء؛ فالحمد لله تعالى، وتستمرون بالصبر والحكمة، وإن بقي الحال على ما هو عليه بعد استنفاد كل الوسائل الشرعية والنظامية؛ فهنا تأتي قاعدة: (الجار قبل الدار)، وقد يكون الانتقال-خاصة إن كنتم مستأجرين- أهون من استمرار ضغط نفسي يومي، لكن القرار الأخير يبقى بعد موازنة دقيقة بين حجم الأذى، وواقع المنطقة، وقدرتكم على تغيير السكن.
خامسًا: الدعاء ثم الدعاء، السلاح الأقوى:
من أعظم ما يُقال في مثل حالكم: "اللهم اكفنيهم بما شئت، وكيف شئت، إنك على كل شيء قدير، اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة، اللهم أصلح لي جاري، واصرف عني أذاه، واجعل لي من لدنك سلطانًا نصيرًا". وستجدون -بإذن الله تعالى- أثر الدعاء عجبًا، فالقلوب بيد الله تعالى، وهو سبحانه القادر على أن يهديه، أو يكفّ شره عنكم بطرقٍ لا تخطر على البال.
نسأل الله تعالى أن يجعل لكم من كل ضيق مخرجًا، ومن كل هم فرجًا، وأن يكفيكم شر خلقه بما يشاء وكيف يشاء، وأن يرزقكم السكن والطمأنينة في دار تليق بقلوبكم الصابرة.
هذا، وبالله التوفيق.