كيف أحافظ على التزامي بالدين دون أن أعق أهلي؟
2025-12-04 01:32:15 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا فتاة في التاسعة عشرة من عمري، والحمد لله أنني مسلمة، ولكن لم يخلُ الأمر من ارتكاب الذنوب والمعاصي، وفي مثل هذه الأيام، أي في شهر 12، تبت إلى الله وبدأت أتقرب إليه أكثر، وأتعلم السنن، وأشاهد مقاطع لبعض الشيوخ، أحاول أن أتفقه في الدين وأتقرب إلى الله.
منذ أن تبت إلى الله، وكأنني أعيش مع عائلة ليست مسلمة؛ لا يتقبلون أي نصيحة أو أي شيء أقوله لهم، مثل: "هذه بدعة"، "هذا الفعل لا يجوز"، فيغضبون مني ويقولون: "كفاكِ مشاهدة لهؤلاء المشايخ، واتّبعي مشايخ البلد خاصتنا"، وهكذا، فمنذ ذلك الوقت لم أعد أنصحهم، أو أتكلم معهم في أمور الدين، وأصبحت في عزلة داخل منزلي، حيث لا يوجد دوام جامعي ولا شيء، سوى الفيديوهات الدينية والعبادات.
بعد شهر أو أكثر من التزامي، وعزلتي وتوبيخ أهلي لي كل فترة، أصابتني الوساوس، مع أنني لم أكن هكذا في بداية التزامي، واشتدّ الأمر عليّ أكثر فأكثر، حتى باتوا يقولون لي: "أنتِ متشددة، أنتِ تطيلين في الحمام، ماذا تفعلين؟ هل تتعاملين مع الجن؟" وهكذا.
حاولت أن أعالج نفسي عدة مرات؛ استعجلت في الوضوء، ولم ألتفت إن كان هناك نجاسة أم لا، واطلعت على فتاوى في الموقع لكي أخفف على نفسي، لكن دون جدوى، حتى تواصلت مع شيخ وأخبرته أنني أعاني من كسل في الأمعاء؛ مما يسبب لي غازات، فقال لي: إنني معذورة، وأستطيع الصلاة ولو خرج شيء، لكن عندما حاولت التطبيق لم أستطع؛ أكرر الفاتحة في الصلاة وبعض آياتها.
كما أن هناك فتوى تقول: إن من كثر عليه الوسواس في الأمور اللفظية في الصلاة سقط عنه الوجوب، فطبقتها مرة لمدة أسبوع وارتحت، وأصبحت أصلي أسرع، لكن بعدها جاءني وسواس أنني تعالجت، ويجب أن أكرر مرة أخرى.
حتى بالنسبة لفتوى الغازات لم أستطع تطبيقها؛ لأنني خفت أن أكون لست صاحبة عذر، إذ منذ أن قال لي الشيخ: "صلّي ولو خرج ريح"، أصبحت الغازات أخف، وصرت أقدر على الصلاة، فأشعر أنني بلا عذر، ولا أعلم.
أعتذر عن الإطالة، لكن أرجوكم ساعدوني: كيف أتخلص من هذه الوساوس؟ كيف أصلي وأتوضأ بسرعة؟ كيف أتخلص من التوتر؟ لقد تعبت، صدقوني! كيف أتحمل أهلي دون الدخول في مشاكل وعقوق، حيث كلما حصل جدال أنفعل وتغضب أمي، وأنا أحاول الالتزام ويأتيني شعور العقوق، أريد ارتداء النقاب والعباية، لكنها لا ترضى، كيف أقنعها؟ أعلم أنها ستقول لي: "حسني أخلاقك، وأوقفي وسواسك، وبريّني، فالعبرة ليست باللباس".
لا أعلم، فأنا أريد الالتزام ولا أريد أن أعق أهلي، ولا أريد أن أوسوس، ماذا أطبق؟ ساعدوني.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Hanin حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله الذي من عليك بالهداية والتوبة والالتزام بتعاليم الدين، وأسأل الله لك الثبات على دينه القويم، وقد قرأت رسالتك، ومحاولة منا لتوجيهك للأفضل، فجوابنا لك كالآتي:
أولا: من أجل إصلاح الفجوة التي صارت مع أسرتك، حاولي عدم التشدد في الدين، وإظهار ذلك للأسرة، ففي صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله وسلم قال: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا ويسروا)، وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله وسلم قال: (هلك المتنطعون) قالها ثلاثاً، والتشدد والتنطع هو: التعمق والمبالغة في الأعمال الدينية وترك الرفق، وإذا دخل المسلم في التشدد في الدين يعجز وينقطع، وهذا مشاهد في هذا الزمان، بعض الناس يتحمس ويدخل في الدين بغلو وتشدد، فيقع في الانتكاسة والانحراف، والبعض ينصرف إما إلى الإفراط، أو إلى التفريط، والمسلم عليه الاعتدال في الدين، لا غلو ولا إجحاف، والموفق من وفقه الله.
مع التنبيه إلى أن الالتزام بالواجبات والمستحبات، وترك المحرمات والمكروهات، ليس من التشدد في الدين، فالتشدد في الدين إنما هو الإغراق في الجزئيات، وكثرة البحث عن أمور الغيب، والتكلف في المستحبات على حساب ترك الواجبات، كمن يقيم الليل كثيرًا، فيتعب وينام عن صلاة الفجر، وهذا مثال واقع على التشدد في الدين.
ثانيًا: بالنسبة لمشاهدة مقاطع المشايخ، حاولي الانتقاء في هذه المشاهد لمن كان معروفًا بالعلم وصفاء العقيدة، والدعوة إلى الحديث والسنة، سواء كان من بلدكم، أو من بلاد المسلمين، فالعلم ليس له حدود وأوطان.
ثالثًا: أكثري من الدعاء لأسرتك بالهداية، ولنا في قصة أبي هريرة رضي الله عنه مع أمه مثل عظيم يحتذى به، قال أبو هريرة: (كنت أدعو أمي إلى الإسلام، وهي مشركة، فدعوتها يومًا، فأسمعتني في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أكره، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا أبكي، قلت: يا رسول الله، إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام، فتأبى علي، فدعوتها اليوم، فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم اهد أم أبي هريرة»، فخرجتُ مستبشرًا بدعوة نبي الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما جئت فصرت إلى الباب، فإذا هو مجاف، فسمعت أمي خشف قدمي، فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء، قال: فاغتسلتْ ولبستْ درعها، وعجلتْ عن خمارها، ففتحت الباب، ثم قالت: "يا أبا هريرة، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله"، قال: فرجعت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأتيته وأنا أبكي من الفرح، قال: قلت: يا رسول الله، أبشر قد استجاب الله دعوتك، وهدى أم أبي هريرة، فحمد الله وأثنى عليه، وقال خيرًا، قال: قلت: يا رسول الله، ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحببهم إلينا، قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم حبب عبيدك هذا -يعني أبا هريرة- وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحبب إليهم المؤمنين»، فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني) أخرجه مسلم في صحيحه.
رابعًا: ذكرت أنك اعتزلت أسرتك، ونصيحتي: إياك والعزلة في البيت مع أسرتك، فلا أريد منك أن تكوني صالحة فحسب، بل مصلحة لغيرك، ثم عليك بالاهتمام بالدراسة الجامعية؛ لأننا في زمن العلم والتعلم والشهادات، والدين الإسلامي يحث أبناءه على العلم والتعلم.
خامسًا: حاولي عدم الدخول في عقوق الوالدين خاصة الأم، وعليك بالصبر على الوالدة، والإحسان إليها بالمبالغة في برها وإكرامها حتى تشعر بأهمية الدين والحجاب؛ لأن الدين هو الذي يدفع البر بها، ولعل أمك في مسألة الحجاب تعتقد أن لباس الحجاب أنه قد يغطي ما عندك من الجمال، وبذلك يكون سببًا في عدم حصولك على الزواج، وهذا مفهوم خاطئ، فلا بد من معالجته، لكن إذا أمرتك بخلع الحجاب الشرعي، فعند ذلك لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، مع الاستعانة ببعض أقارب الوالدة في نصحها.
فتعاملي مع أسرتك، وخاصة الوالدين والأم بالذات باللين والحكمة، ولا تكثري عليهم بالنصائح؛ لأن الولد أو البنت في نظر والديه يعد صغيراً، ولو كبر سنه.
خامسًا: أما بخصوص الوسوسة التي طرأت عليك، فتغلبي عليها، فإن جاءتك في الطهارة، فقولي لنفسك: أنا على طهارة، وليست هناك أي نجاسة، والله المتقبل الكريم، ولن أعيد شيئًا، وهكذا في الوضوء، وهكذا في قراءة الفاتحة، لا تكرري، وقولي: المتقبل كريم، ولا تعيدي أي شيء، حتى تتغلبي على هذه الوسوسة، وحتى موضوع الغازات كما سألت الشيخ الذي أفتاك بأنه حتى لو خرج شيء في الصلاة، فصلاتك صحيحة؛ لأن حكمك حكم دائم الحدث، وهذا إذا تيقنت ذلك، وإلا قد تكون مجرد وسوسة، وهذا إذا استمر عليك طوال وقت الصلاة.
وأفضل دعوة لأسرتك أن تتغلبي على هذه الوسوسة؛ لأنهم سيأخذون انطباعًا سيئًا عن الالتزام والتدين، وأن من التزم بالدين صار في قائمة الوسوسة، وهذا سيجعلهم ينفرون من الدين.
سادسًا: ومن أجل التغلب على هذه الوساوس عليك بالآتي:
1- الالتجاء إلى الله تعالى بصدق وإخلاص، بأن يذهب الله عنك مرض الوسواس.
2- الإكثار من قراءة القرآن، والمحافظة على الذكر، لا سيما أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم والاستيقاظ، وغيرها من الأذكار في اليوم والليلة.
3- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، ومدافعة هذه الوساوس، وعدم الاسترسال فيها، والانتهاء عن هذه الأفكار وقت ورودها، لما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى وسلم: (يأتي أحدكم الشيطان، فيقول: من خلق كذا وكذا، حتى يقول له: من خلق ربك، فإذا بلغ ذلك، فليستعذ بالله ولينته). متفق عليه.
أسأل لك الثبات، وأن يلين لك قلوب أسرتك، ويرزقك الزوج الصالح، آمين.