زوجي منشغل بأهله ولا يمكث عندي إلا ساعات معدودة، فما الحل؟
2025-12-13 22:44:01 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا من مدينة وزوجي من مدينة أخرى، وأنا متعلقة بأهلي جدًا وهم كذلك، ورغم ذلك وافقت على زوجي وسافرت معه، وقلت بأنه سيكون هو السكن والأهل والأصدقاء، هو يسافر شهرين للعمل ثم يرجع شهرين، ولكنه يتركني معظم الوقت بمفردي، حتى في شهري الإجازة!
نحن نسكن في سكن للعائلة، ودائمًا ما يكون هو مع أهله في المشاوير والزيارات، وأمور ليس لها أول ولا آخر، لست أراه إلا ساعتين أو ثلاثاً في اليوم، وهذا يسبب لي أذي نفسيًا؛ لأنني وحدي، وتكلمت معه كثيرًا بخصوص هذا الأمر ، لكنه يرى بأنه طالما يكفيني ماديًا فهو غير مقصر!
لدينا طفل، وبما أني وحدي معه وبعيدة عن أهلي أتعب وأنهار منه، وتأتيني أفكار سيئة، وعندما أطلب منه المساعدة يقول لي: (هذه مسؤوليتك أنت، وهذا دورك، وأنا أقوم بدوري ولم أقصر فيه -يقصد المال-).
تعبت ودخلت في فترة اكتئاب وعدم ثقة بالنفس، هل هذا يرضي ربنا؟ هل بالفعل ليس مطلوب منه أن يكفيني عاطفيًا، أو يجلس معي، أو يعوضني عن فترة سفره، ولا يساعدني في البيت والولد، حتى إن كان احتياجي للعاطفة شديداً ولم يفني حقي فيه؟ ماذا أفعل؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ آية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلًا بك في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يصرف عنك شر كل ذي شر.
فما تمرين به ابتلاء ليس مختصًا بك وحدك، بل الجميع داخل فيه؛ فهذه الدنيا دار ابتلاء لا دار استقرار، قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾، ولا يوجد إنسان خرج من دائرة الابتلاء، لكن تنوعت صوره:
• فمن النساء من تُبتلى بعدم الزواج حتى تتقدم في السن.
• ومنهن من تُبتلى بالزواج، ثم تُبتلى بالعقم.
• ومنهن من تُبتلى بمرض مزمن.
• ومنهن من تُبتلى بضيق ذات اليد.
• ومنهن من تعيش في الحروب فاقدة الأهل والمأوى.
• ومنهن من تُبتلى بالغربة، أو الجفاء، أو قلة الاحتواء.
والكل مُبتلًى، لكن آفة البلاء أن كل واحد يرى بلاءه أثقل البلاء وأشدّه؛ لأنه يعيشه لا لأنه الأشد، وإلا فكل من مرّ ذكرهن تتمنى أن تكون في وضعك لأنها تعيش الأقسى.
والحل هو الرضا مع احتساب الأجر، مع المعالجة الهادئة العاقلة التي تُهوِّن المشاكل وتُعظِّم النتائج، ومن هنا نفهم قول النبي ﷺ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» فالابتلاء ليس دليلًا على غضب الله، بل قد يكون علامة عناية ورفع درجات.
نعم، إن ما تشعرين به من ألم ووحدة وتعب نفسي أمر حقيقي، وليس وهمًا ولا دلالًا، لكن التعامل معه لا يكون بالقفز إلى قرارات مصيرية، وإنما بـما يأتي:
• الصبر مع الاحتساب، لا الصبر الصامت المكسور، بل الصبر الذي يستحضر الأجر، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.
• الاجتهاد في تحسين الحال بهدوء، بالكلمة الطيبة، وتكرار الطلب دون خصام، ومحاولة الإصلاح خطوة خطوة.
• عدم مقارنة البلاء ببلاء غيرك؛ فلا تقولي: غيري أسعد، ولا: غيري أهون، بل قولي: هذا قدري الآن، والله أعلم بما يصلحني.
• الانشغال بما تملكين لا بما تفقدين: ولدك نعمة، وصحتك نعمة، وإيمانك نعمة، والقدرة على الشكوى إلى الله أعظم نعمة.
والأهم: الصبر لا يعني الاستسلام، كما أن المطالبة بالتحسين لا تعني الهدم، بل هو طريق وسط: صبرٌ مع دعاء في هدوء إلى سعي متدرّج، قال الله تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾ [البقرة: ٤٥]، فاصبري، واحتسبي، وأصلحي ما استطعتِ دون تهور، واعلمي أن الله لا يبتلي عبدًا إلا وهو قادر على أن يجبر خاطره في الوقت الذي يراه هو، لا الذي نراه نحن، وما دام في القلب إيمان، وفي البيت صلاة، وفي النفس رجاء، فكل بلاء مؤقت، وكل ليلٍ يعقبه فجر، ولو طال.
ونحن ننصحك بما يلي:
أولًا: استخدمي سلطان الزوجة أمام زوجها؛ وهو تأثير قلبي ونفسي وعاطفي جعل الله فيه قوة لا تقوم على القهر، بل على: اللطف، والحكمة، والاحتواء، والتقدير، فالمرأة إذا أحسنت هذا السلطان، غَلَبَ أثرُها الجدلَ والضغطَ.
ثانيًا: كيف تجذب المرأة زوجها؟ الرجل لا يهرب غالبًا كُرهًا، بل لأنه يعتاد بيئة بلا مطالب، والطريق هو إعادة الجذب، وذلك بما يلي:
• جعل البيت راحة لا محكمة.
• ترك العتاب الزائد، والبدء بترحيب هادئ وحديث قصير.
• إشعاره أنه مُحتاج لا مُدان.
• تحويل اللوم إلى خطاب احتياج، مثل: وجودك يطمئن، والطفل يفرح بك.
• مدح خصاله ليزيد خيره.
• مدح محدد، مثل: حرصك علينا، تأثيرك في البيت.
ثالثًا: الحوار المُحبَّب للزوج: اختيار الوقت المناسب، بصوت هادئ، وطلب واضح، مثال: أنا مقدّرة تعبك، لكن الوحدة تثقل عليّ، وأحتاج وقتًا ثابتًا نجلس فيه، والابتعاد عن العبارات القاطعة: دائمًا، أبدًا، عمرك ما... إلى غير ذلك.
رابعًا: الاحتياج الجاذب: التعبير بهدوء: أحتاجك، وجودك يفرق معنا، المهم هو الابتعاد عن الاحتياج المُنْهِك الذي يُحمّله الذنب.
خامسًا: عدم إلغاء النفس: العناية بالذات، وتنظيم الوقت، وعدم جعل الحياة متوقفة عليه، قال النبي ﷺ: «إِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا».
سادسًا: فهم طبيعة الرجل: الرجل يظن النفقة كافية، ويحتاج تذكيرًا لطيفًا بأثر وجوده، ومتى شعر أنه مهم، اقترب وتغيّر، ويمكن أن يكون غيرك أكثر تأثيرًا فيه، كشيخ المسجد الذي يصلي فيه، أو أحد أصحابه الصالحين، هذا كله مع الدعاء والصبر الهادئ، فالإصلاح يحتاج وقتًا وجهدًا بلا استعجال.
سابعًا: ابحثي عن بدائل مريحة لك وله، مثلًا إذا كان لا يمانع أن تذهبي لأهلك في الوقت الذي يكون مسافرًا فيه، أو بعضًا من هذا الوقت، المهم أن يكون موافقًا عن رغبة لا عن كره أو إكراه.
وختامًا: هذا الأسلوب سينفع على المدى البعيد، خاصة إذا ذكرتِ كل يوم نفسكِ بالنعم التي أنتِ فيها، وبميزاته مع تضخيمها أمام نفسكِ؛ بهذا يستقيم الوضع -إن شاء الله-.
نسأل الله أن يحفظك، وأن يرعاك، والله الموفق.