متفوقة بطبعي لكني فقدت المتعة في دراستي وفي كل شيء!
2025-12-17 02:45:41 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاكم الله خيرًا، ونفع بعلمكم وجهودكم التي تبذلونها.
مشكلتي أنني منذ أربع سنوات لا أُجيد الدراسة، أنا متفوقة بطبعي، وطالما كنت حائزةً على المراتب الأولى، لكن بدأ مستواي الدراسي بالتدهور، غير أنني في مرحلة الثانوية العامة استرجعته مرة أخرى، وحُزتُ على المرتبة الأولى في الصف، وبهذا قُبلتُ في كلية الطب (التي لم أخترها برغبتي)، لكنني لا أستطيع الدراسة إلا إذا كانت المادة ممتعة، فإذا كانت كذلك لا يهمني الوقت والجهد اللذان أبذلهما، بل أدرسها بإتقان تام.
أما في بقية المواد؛ فلا أستطيع التركيز أبدًا أثناء المحاضرات، ولهذا توقفت عن حضورها، وأصبحتُ أحاول الدراسة بمفردي، لكنني أيضًا لا أستطيع؛ إذ أستمر في التأجيل، ودائمًا أعتقد أنه لا يزال الوقت كافيًا، ولا أدري لِمَ أصابتني لا مبالاة حادة، لدرجة أنه حتى لو بقيت ساعة واحدة قبل الامتحان، أعتقد أنه لا يزال لدي متسع لأخذ استراحة ثم الدراسة، كانت نقاطي كلها متدنية، ما عدا علامة كاملة في مادتي المفضلة.
هذا بالإضافة إلى الأزمات الوجودية، وحالات فقدان المتعة في كل شيء، والتي لا بد أن تصيبني أثناء الدراسة؛ فأتوقف وأشعر أنه لا جدوى أصلًا من الدراسة.
كذلك فإنني أظن أن لدي -نوعًا ما- اعتقادات خاطئة، حيال كيفية التعامل مع الذنوب، فأنا دائمًا أتوهم أنني ارتكبت ذنوبًا، أو حتى لو ارتكبت ذنبًا أعتقد أنه لكي تكون التوبة صحيحة، يجب أن أتوقف عن الدراسة لكي أركز على التوبة ونحوها، وهذا يأخذ من وقتي، أو عندما أرتكب ذنبًا في يومٍ ما؛ لا أدرس بقية اليوم؛ لأنني أشعر بعدم البركة، أو بأن الله سيعاقبني في دراستي.
وكل هذه العوامل أدت إلى مستوى متدنٍ، رغم أني أستحق أن أكون الأولى على الصف؛ لأن ذاكرتي جيدة، ومهاراتي في الدراسة ممتازة، ولدي مهارات ومعارف دراسية متميزة عن أقراني، لكنني فشلت في تطبيقها.
أعتذر عن الإطالة، وجزاكم الله خيرًا.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ماريا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
حياكِ الله -بنيتي-، ونشكر لك طلب الاستشارة من موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يشرح صدرك، ويجمع لك بين صلاح الدين والدنيا.
ننوه ابتداءً إلى أن ما تمرّين به ليس كسلًا، ولا ضعف عقلٍ، ولا قلة دينٍ؛ بدليل تفوقكِ السابق، وقوة ذاكرتكِ، وقدرتكِ على الإتقان حين تميل نفسكِ للمادة، وإنما هي مشكلة مركبة اجتمع فيها جانب نفسي، وجانب فكري، وجانب شرعي يحتاج إلى تصحيح فهم، مع ضغوط اجتماعية ودراسية، ويمكن تلخيص ما ذكرتِهِ مع أهم التوصيات فيما يلي:
أولًا: من الناحية النفسية والعلمية: إن ما تصفينه من عدم القدرة على الدراسة إلا مع المواد الممتعة، والتسويف الشديد مع شعور زائف بأن الوقت ما زال متسعًا، وفقدان المتعة، والأزمات الوجودية، والتوقف المفاجئ، وكذلك التفوق في مادة واحدة مقابل تدنٍّ في البقية؛ كل ذلك يشير إلى اضطراب في الدافعية والتنظيم الذاتي، وقد يكون قريبًا مما يسمى في علم النفس بـ (الاحتراق الدراسي، أو اضطرابات الانتباه المرتبطة بالضغط والقلق)، وليس له علاقة بقدرتكِ العقلية؛ فالعقل عند الضغط الشديد أو النفور الداخلي قد "يعطّل" آلياته، فيدفع صاحبه إلى التأجيل والهرب بدل المواجهة.
كما أن دخولكِ كلية الطب دون رغبة حقيقية عامل مؤثر؛ فالنفس إذا أُجبرت على مسار طويل شاق لا تميل إليه، زاد عندها الصراع الداخلي، وظهر على شكل تسويف ولا مبالاة.
ثانيًا: من الناحية الشرعية وتصحيح المفاهيم الإيمانية: إن ما ذكرتِ أمرٌ خطير الأثر، وهو ربطكِ بين الذنب وترك الدراسة، أو اعتقادكِ أن التوبة الصحيحة تستلزم التوقف عن طلب العلم الدنيوي، أو أن الذنب يمنع البركة فورًا؛ وهذا الفهم غير صحيح شرعًا، بل هو من تلبيس الشيطان؛ فالتوبة في الإسلام هي: ندم، وإقلاع، وعزم، ولا يشترط لها تعطيل المصالح، ولا ترك الواجبات، بل الاستمرار في الطاعات والعمل النافع جزء من التوبة، وليس نقيضًا لها.
والدراسة -خاصة إذا ترتب عليها نفع للأمة- عمل صالح تؤجرين عليه بالنية، وليست عقوبة ولا عائقًا عن القرب من الله، أما اعتقاد أن الذنب يمنع التوفيق مباشرة في كل عمل، فهذا يوقع صاحبه في وسوسة مهلكة، ويؤدي إلى ترك العمل بدل إصلاح الخطأ، وقد قال الله تعالى: ﴿لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ﴾.
ثالثًا: من الناحية الاجتماعية والتربوية: كونكِ متفوقة بطبعكِ، وحصولكِ على مراتب أولى سابقًا، قد جعلكِ تضعين لنفسكِ معيارًا مثاليًا عاليًا جدًا، فإذا قصّرتِ يومًا، انهار الدافع كله، وهذا ما يسمى نفسيًا: "الكمالية السلبية"، حيث يكون الإنسان إما متقنًا تمامًا أو منسحبًا تمامًا، وهذا النمط شائع عند المتفوقين، ويحتاج إلى وعي وتدرّج، لا جلداً للذات.
رابعًا: كيف يكون الحل عمليًا؟
الحل لا يكون بنصيحة واحدة، بل بخطوات متوازنة: فعليكِ القيام بتصحيح علاقتكِ بالله أولًا، واجعلي التوبة عبادة قلبية لا مشروع تعطيل، فإذا أذنبتِ، فعليكِ بالتوبة والاستغفار، ثم عودي فورًا إلى دراستكِ، ولا تجعلي الذنب ذريعة لترك الواجبات.
وننصحكِ بأن تفصلي بين "حب المادة الدراسية، وواجب الدراسة"، فليس مطلوبًا أن تحبي كل مادة، بل أن تجتازيها بالحد المقبول، والإتقان الكامل يكون لما تحبين، أما غيره فله حد أدنى، وعليكِ أن تعالجي التسويف علميًا، ويمكنكِ البدء بزمن قصير جدًا (10- 15 دقيقة) من الحضور الذهني فقط، وغالبًا يبدأ التركيز بعد البدء لا قبله.
حاولي أن تتقبّلي أنكِ لستِ في أفضل حالاتكِ الآن، والله لا يحاسبكِ على الكمال، بل على بذل الوسع؛ فالنجاح بحده الأدنى الآن خير من الفشل بانتظار المثالية، كما يمكنكِ -إن استطعتِ- استشارة مختص نفسي أو مرشد أكاديمي، وهذه تُعد خطوة ناضجة، ولا تعني ضعفًا، بل وعيًا، وكثير من المتفوقين يمرون بهذه المرحلة ثم يتجاوزونها.
أخيرًا: أنتِ لم تفشلي، وإنما توقفت أدواتكِ مؤقتًا بسبب أفكار وضغوط خاطئة، ويمكن إصلاحها -بإذن الله-، لا تحمّلي نفسكِ أكثر مما تحتمل، ولا تجعلي الشيطان يلبس عليكِ باب التوبة بباب اليأس.
نسأل الله أن يردكِ إليه ردًا جميلًا، وأن يفتح عليكِ في علمكِ، ويجعلكِ سبب نفع، ويكتب لكِ الخير حيث كان.