كيف أعالج ضيق الصدر الذي يلازمني؟
2025-12-23 00:53:34 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مررتُ في الفترة السابقة بابتلاءات كثيرة، أسأل الله أن أكون قد صبرتُ كما أمرني، ولكنني في الفترة الأخيرة أصبحتُ أشعر بضيقٍ في صدري وتنفسي، وآلامٍ كثيرة في جسدي، خصوصاً عندما يمرُّ موقفٌ يذكرني بما حدث!
راجعتُ الأطباء وكلهم نصحوني بتقليل التوتر، وهو الأمر الذي أحاول القيام به، ولكن دون فائدة! أحاول أن أداوم على الأذكار طوال الوقت لكي أبعد التفكير السلبي، ولكن دون جدوى، وأحياناً تهاجمني الأفكار والذكريات حتى أثناء الصلاة وقراءة القرآن، فأجد نفسي قد تشتتُّ.
أنا موقنةٌ من داخلي أن أمر المؤمن كله خير، وإن كانت الأمور في ظاهرها شراً، وإن كنتُ مشتتةً وضائعةً؛ أنا موقنةٌ بأن الفرج آتٍ ولو بعد حين، ولكنني أشعر أحياناً أن هذا الضيق كأنه سخطٌ وتضجرٌ من أمر الله -والعياذ بالله-، ولكن ليس بيدي أن أوقف هذه المشاعر.
السؤال: أرجو أن تفيدوني بأدعية وأذكار وعادات تجنبني الأفكار والهواجس السلبية، وتعينني على الصبر، وأذكار وأدعية أتضرع بها إلى الله لرفع البلاء، وموجبات التوبة عن الذنوب المنسية.
وجزاكم الله خير الجزاء.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ريان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيكِ وجزاكِ الله خيرًا، ونشكركِ على الثقة في استشارات إسلام ويب.
أيتها الفاضلة الكريمة: الشعور بالضيق في الصدر، وفي التنفُّس، والآلام الجسدية المتفرقة؛ كلها مؤشرات على وجود ما نُسميه بالقلق الاكتئابي، وهو كثير عند النساء على وجه الخصوص، وهذه -إن شاء الله- من الحالات النفسية البسيطة، وأنتِ -جزاكِ الله خيرًا- طلبتِ منا في إسلام ويب أن نزودكِ بالأدعية والأذكار والأفكار المناسبة.
وأنا من جانبي أنصحكِ حقيقة بالحرص على أذكار الصباح والمساء، وأذكار ما قبل النوم، وأذكار الاستيقاظ، وأذكار ما بعد الصلوات، وإن شاء الله تعالى يفيدكِ الشيخ الدكتور أحمد سعيد الفودعي بإرشاد أكثر من ذلك.
هذه الأفكار -أيتها الفاضلة الكريمة- يجب ألّا تُؤوَّل تأويلات خاطئة؛ نعم المرض والصحة كلها من الأمور التي يكون الإنسان عُرضة لها في الدنيا، ولا شك في ذلك، فلا تتطيّري، ولا تلجئي إلى تفسيرات غير صحيحة؛ لأن الشعور بالذنب إذا هَيمن على الإنسان زاد من اكتئابه ومن قلقه.
والسبب في أن أفكاركِ تتشتت وتتطاير -حتى حين قراءة القرآن- هو أن هذا أصلًا من الأعراض المعروفة في حالات القلق الاكتئابي.
بجانب الدعاء والتوكل يجب أن تجعلي حياتكِ إيجابية، وذلك من خلال حُسن إدارة الوقت، ومن خلال الالتزام بالواجبات الاجتماعية، وصلة الرحم، ويجب أيضًا أن تتجنَّبي السهر وكذلك النوم النهاري، وممارسة أي نوع من الرياضة سيكون مفيدًا جدًّا، خاصة رياضة المشي.
وأنا أبشركِ بأنه تُوجد أدوية ممتازة جدًّا لعلاج مثل هذه الحالات، فلا تحرمي نفسكِ من نعمة الدواء، وإذا كان بالإمكان أن تذهبي وتقابلي الطبيب فهذا أمر جيد، وإن لم يكن ذلك ممكنًا فسوف أُشير إلى بعض الأدوية التي أراها مفيدة جدًّا في حالتكِ:
هنالك دواء يسمى (إسيتالوبرام - Escitalopram) هذا هو اسمه العلمي، وله عدة مسميات تجارية أشهرها (سيبراليكس - Cipralex)، لكن ربما تجدينه تحت مسمى تجاري آخر.
يمكنك أن تتحصّلي على الجرعة التي تحتوي على (10 ملغ)، وتبدئي في تناول:
- نصف حبة (5 ملغ) يوميًا لمدة عشرة أيام.
- ثم حبة واحدة يوميًا (10 ملغ) لمدة شهر.
- ثم (20 ملغ) يوميًا لمدة شهرين.
- ثم تخفض الجرعة إلى (10 ملغ) يوميًا لمدة شهرين آخرين.
- ثم (5 ملغ) يوميًا لمدة شهر.
- ثم (5 ملغ) يومًا بعد يوم لمدة أسبوعين، ثم التوقف عن تناول الدواء.
هذا دواء رائع ومفيد وغير إدماني، ولا يؤثر على الهرمونات النسائية، ويمكن أن تدعميه بدواء آخر يسمى (سلبرايد - Sulpiride)، وتتناوليه بجرعة (50 ملغ) صباحًا ومساءً لمدة شهر، ثم (50 ملغ) صباحًا لمدة شهر آخر، ثم تتوقفي عن تناول هذا الدواء، وتستمري على الإسيتالوبرام.
هذه أدوية بسيطة وفاعلة وممتازة جدًّا، ولا شك أن للدواء دوره، وقد قال النبي ﷺ: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً»، وقال: «فَتَدَاوَوْا عِبَادَ اللهِ»، والتداوي نأخذه بكلياته: هنالك العلاج الدوائي، وهنالك العلاج الاجتماعي، وهنالك العلاج الإسلامي، وإن شاء الله تعالى كلَّ هذا يتوفر في حالتك، وتصلين -بحول الله وقوته- إلى درجة العافية والمعافاة التامة.
بارك الله فيكِ، وجزاكِ الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
++++++++++++++++++++++++++++++
انتهت إجابة الدكتور محمد عبد العليم (استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان)، وتليه إجابة الشيخ الدكتور أحمد سعيد الفودعي (مستشار الشؤون الأسرية والتربوية).
++++++++++++++++++++++++++++++
مرحبًا بكِ -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب، نشكر لكِ تواصلكِ بالموقع، ونسأل الله تعالى -بأسمائه وصفاته- أن يصرف عنكِ كل سوء ومكروه، وأن يفرّج كربكِ ويشرح صدركِ.
وقد أحسنتِ -ابنتنا الكريمة- حين أدركتِ أن ذِكر الله تعالى واللجوء إليه، والإكثار من دعائه هو طريق الطمأنينة وتحصيل السكينة، ولهذا نحن نوصيكِ بأن تَثْبتي على هذا الطريق وتصْبري عليه، فقد أخبر الله تعالى في كتابه الكريم بهذه الحقيقة حين قال: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد:28].
فداومي على ذكر الله تعالى، ومن رحمة الله أن جعل الذِّكر عبادة غير مُقيّدة بوقت، وغير مقيّدة بألفاظ مُعيّنة، فكل أنواع الأذكار نافعة شارحة للصدر، فأكثري من ذِكر الله بالتهليل والتسبيح والتحميد، ورأس الذكر قراءة القرآن الكريم، فهو شفاء لِمَا في الصدور، كما أخبر الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الإسراء:82]، فأكثري من قراءة القرآن ما استطعتِ، وخصوصًا إذا كان مع حضور قلب وتدبّر.
وأمَّا ما سألتِ عنه من أدعية مخصوصة لدفع البلاء، فالجواب -أيتها البنت الكريمة- أن الأدعية لا تتقيّد بألفاظ محددة، فاسألي ربكِ حاجتكِ التي في صدركِ بأي لفظ كان، ومع هذا فقد وردتْ ألفاظ نبوية، ويُستحسن بالإنسان المسلم أن يدعو بها، ومن ذلك أن يسأل الإنسان ربه أن يدفع عنه البلاء بالأذكار الواردة عن الرسول ﷺ، كقوله:
• «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ».
• وقوله ﷺ: «اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ».
• والإكثار من قول: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ».
• والدعاء بقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ».
• والإكثار من الصلاة على رسول الله ﷺ، فإن الرسول ﷺ قد أخبر أحد الصحابة، قال له: «إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ ذَنْبُكَ» وذلك حين أخبره الصحابي أنه سيكثر من الصلاة عليه.
وخير ما نوصيكِ به: أن ترجعي إلى الكتب المختصرة التي جمعت الأذكار والأدعية، فتُكثري من القراءة فيها ما دمتِ لا تحفظين أدعية مخصوصة، مثل كتاب (حصن المسلم) لسعيد بن وهف القحطاني، وكذلك له كُتيب صغير في الأدعية، فهذه الكتيبات الصغيرة تُعينكِ بالتعريف بالأدعية النبوية، وإلَّا فالدعاء مطلوب منكِ بأي لفظٍ كان، وكلما كنتِ أعرف بمعنى الكلمات التي تقولينها في الدعاء كان ذلك أعون لكِ على حضور القلب في الدعاء واللجوء إلى الله تعالى بصدق وسكينة، فلا تترددي أبدًا أن تسألي ربكِ بما يَتَيَّسر لكِ من الألفاظ.
وأمَّا التوبة فتعني: الندم على الذنب، والعزم على عدم الرجوع إليه في المستقبل، مع الإقلاع عنه في الحال، فإذا تاب الإنسان هذه التوبة قَبِلَها الله تعالى منه، وكفّر عنه ذنوبه، ومحا عنه سيئاته.
ولا ننسى أن نوصيكِ -ابنتنا الكريمة- بأن تقرئي الكتب التي تدلّكِ على الطرائق التي تُذهب عنكِ الهم، مثل كتاب (لا تحزن) للشيخ عائض القرني، فهو مفيد في هذا الجانب.
وخير ما نوصيكِ به: ألّا تستسلمي للفراغ والوحدة، وحاولي أن تقضي أوقاتكِ مع الفتيات الطيبات والنساء الصالحات، وتُكثري من التواصل معهنَّ، فهنَّ خير من يُعينكِ على ملء الأوقات بالأشياء النافعة، فجزء أساسي في طرد الهم أن يشغل الإنسان نفسه، فإن النفس البشرية لا تَقبل الاشتغال بشيئين في وقت واحد.
فحاولي أن تملئي أوقاتكِ بالأشياء النافعة، سواء كانت في أمور الدِّين أو في أمور الدنيا، ومن الأشياء التي جرّبها العلماء: أن تقرئي الآيات التي ذُكرت فيها كلمة السكينة، فابحثي في المصحف الشريف بحثًا لفظيًا عن كلمة السكينة، وهذه الآيات داومي القراءة عليها، وقد كان الإمام ابن القيم وقبله شيخ الإسلام ابن تيمية يفعلان ذلك ويحثان عليه، وآيات السكينة هي:
الأولى: قوله: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة:248].
الثانية: قوله: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة:26].
الثالثة: قوله تعالى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا} [التوبة:40].
الرابعة: قوله تعالى {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الفتح:4].
الخامسة: قوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح:18].
السادسة: قوله تعالى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [الفتح:26].
نسأل الله أن يصرف عنكِ كل سوء ومكروه.