الصمت الاختياري لدى الأطفال ... نظرة نفسية

2007-07-12 21:14:35 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مشكلتي أن ابني الذي يبلغ من العمر ست سنوات لا يتكلم مع الآخرين غير الأب والأم، وهو الآن في السنة الثالثة من الحضانة، ولكن بدون فائدة، فهو لم ينطق بحرف واحد في المدرسة إلى الآن رغم كل المحاولات من المربيات، وأكثر قلقي أنه مقبل على السنة الدراسية الأولى، وهذه المشكلة سوف تعيقه عن الدراسة.

وكذلك أنا قلق بشأن إخوانه الأصغر منه وهم اثنين، أحدهما ثلاث سنوات والآخر أربع سنوات، وأخاف أن يكونوا مثل أخيهم، وللعلم فابني يتكلم بشكل طبيعي في البيت، وتم إجراء فحص السمع لديه وكان طبيعياً، وكذلك فإنه ولد ذكي، ولكن لا يتكلم مع الآخرين أبداً، فماذا أستطيع أن أفعل؟

مع العلم أننا نعيش في بريطانيا وابني ولد في اليمن وجاء معنا إلى بريطانيا وعمره سنة وكان وحيداً معنا لمدة سنتين إلى أن رزقنا بالابن الثاني والثالث، وتعلمون صعوبة تكوين علاقات وأصدقاء في المهجر، فهل هذا سبب المشكلة؟

أفيدوني وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو سامي حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن الصمت الاختياري لدى الأطفال يعتبر من العلل التي شخصها العلماء أنها ربما تكون ناتجة من اضطراباتٍ وجدانية أو اضطراباتٍ عاطفية لدى الطفل، وتخير الطفل الصمت في أوضاعٍ معينة وأزمنة معينة ومع أشخاص معينين لأنه ربما لا يرتاح لهذا الوضع، أو أنه يعبر عن نوع من الاحتجاج أو أنه يود أن يتجنب ويستدر المزيد من العطف، عموماً هذه هي التفسيرات، ومن أكثر الأطباء النفسيين في العالم الذين تحدثوا في هذا السياق هو طبيب بريطاني مختص في أمراض الأطفال يعرف باسم (إسرائيل كولفن)، ويعتبر هو المرجع في العالم للطب النفسي للأطفال فيما يخص الصمت الاختياري.

والصمت الاختياري يعرف عنه أنه غالباً ما ينتهي تلقائيا، خاصةً إذا كانت لا توجد أسباب واضحة، ونحن نقول: إن السبب قد يكون اضطراباً وجدانيّاً، أي أن الطفل غير مستقر من الناحية النفسية، وعدم الاستقرار النفسي لدى الأطفال يرجع إما لمشكلة في الطفل نفسه، بمعنى أن المكونات النفسية لشخصيته فيها نوع من الضعف، أو أن هناك مشكلة بيئية في محيط الطفل في نطاق الأسرة أو في محيطه الخارجي خارج الأسرة، وفي كثيرٍ من الأطفال تكون هناك عوامل متشابكة، أي أن الطفل لديه الاستعداد لمثل هذا النوع من اضطراب المسلك، وتكون هناك ظروف غير مواتية في داخل الأسرة، وربما يكون -أيضاً- الطفل يشعر بنوع من التهديد الخارجي في التعامل مع أقرانه أو في الروضة أو في المدرسة، ولذا يتخير هذا الصمت الاختياري، وبالرغم من أنه صمت اختياري إلا أن الكثير من علماء النفس رأوا أيضاً أنه ربما يكون مرتبطا ومتعلقا بعوامل خاصة في العقل الباطني.

وكما ذكرت فإن الكثير من الأطفال يتم -إن شاء الله- شفاؤهم من هذه العلة بصفة تلقائية، وكثير من المحاولات العلاجية النفسية ربما تنجح، وفي بعض الحالات ربما لا تؤدي إلى نتائج، ولكن التحسن التلقائي سوف يأتي.

والحمد لله أنك اختبرت الذكاء لدى الطفل، كما أنه لا يعاني من أي مشكلة في السمع؛ لأن الكثير من الأطفال الذين يعانون من الصمت الاختياري تكون لديهم مشاكل في السمع، وأعتقد أن الإجراءات الطبية التي تمت هي إجراءات صحيحة.

والمبدأ العام هو نفس المبدأ السلوكي الذي يستعمل أو ينتهج في حالات اضطرابات المسلك الأخرى، بمعنى أن نحاول أن نشجع الطفل وأن نحفزه لكل شيءٍ إيجابي يقوم به، وفي مثل هذا الطفل لا نركز على موضوع الكلام في الدرجة الأولى، ونركز أنه إذا قام بأي تصرفات إيجابية أو أي شيء إيجابي يقوم به الطفل يجب أن يحفز على ذلك، واستعمال طريقة النجوم سوف تكون أمراً جيداً، فحين يقوم الطفل بأي عمل إيجابي مهما كان بسيطاً يعطى نجمتين أو ثلاثة مثلاً، فحين القيام بعمل إيجابي تلصق هذه النجوم على الحائط مثلاً بالقرب من سريره، ويتفق معه أن عدد النجوم التي سوف يكتسبها سوف تستبدل في نهاية الأسبوع بشيء محبب إليه، وحين يتصرف تصرفا خاطئا أو سلبياً تسحب منه نجمة أو نجمتين أو حتى ثلاث نجوم، ولابد أن ينبه الطفل لما يكتسبه، وكذلك ينبه لما يخسره من نجوم؛ لأن هذا سوف يحرك في داخله الدافع لمزيد من الاكتساب لهذه النجوم.

وتطبق طريقة النجوم كما قلت بالنسبة للسلوك العام للطفل، ثم بعد ذلك يأتي تطبيقها أيضاً بالنسبة للكلام فقط، هنا تكون مجموعة أخرى من النجوم مختصة فقط أو تستبدل فقط فيما يخص الكلام، ويشترط على الطفل أنه حين يتكلم سوف يعطى عدد كذا من النجوم، وحين يصمت سوف تخصم منه هذه النجوم، وهنا يكون التحفيز أكبر نسبياً من التحفيز العام، فهذه الطرق مفيدة جداً وناجحة جداً، ولكنها بالطبع تتطلب الصبر، وتتطلب الممارسة المستمرة.

والشيء الآخر ما يدور من كلام بينك وبين الطفل وكذلك والدته ما دام هو يتكلم في هذه الأوضاع أرجو أن تقوموا بتسجيل ما يدور بينكم في بعض الأحيان، وبعد ذلك تتاح للطفل الفرصة للاستماع لما يقوله، وهنا يشجع الطفل جداً كل كلمة يقولها يشجع بالكلمة الطيبة ويحفز، انظر، الحمد لله أنت منطلق، وأنت تتحدث وهكذا.

والشيء الآخر أيضاً يدرب الطفل على حفظ القرآن وعلى بعض السور القصيرة وكذلك بعض الأناشيد، ومن وقتٍ لآخر يتم تسجيلها على جهاز التسجيل، وتتاح للطفل أيضاً الفرصة بأن يستمع إلى نفسه عدة مرات، هذا إن شاء الله يحفز فيه الدافع الداخلي للتحدث.

أرجو أيضاً أن تقوم أنت في داخل المنزل بدور المدرس على سبيل المثال، ويكون إخوانه ووالدته هم الطلاب، وتقوم أنت بإلقاء الدرس، وهنا لابد أن تركز على الطفل حتى تكون مشاركته أكبر، هذا إن شاء الله ينقله للحياة المدرسية في الخيال، ولكنه خيال فيه نوع من التطبيق أيضاً، هذا إن شاء الله أيضاً يجعله يتقبل فرصة الحديث مع الآخرين.

وحين تذهبون للأسواق وتكون للطفل متطلبات معينة، أرجو أن لا تتحدث أنت مع البائع، اجعله هو الذي يأخذ ما يريد أو حتى أغراض المنزل يمكن أن يقوم هو باختيارها، ثم بعد ذلك الذهاب إلى المحاسب وأن يدفع هو المبلغ وهكذا، وهذا نوع من الطرق التي تساعد الطفل على أن يكسر حاجز الصمت الاختياري.

والشيء الآخر أنا أتفهم تماماً الصعوبات في أن يجد الإنسان الفرصة الكاملة للطفل بأن يختلط بأطفال آخرين، ولكن هذا يعتبر مبدأ أساسي جداً في التعلم والمساعدة على النطق في هذه الحالات، ولكن عموماً في إجازة نهاية الأسبوع، وربما تجد فرصة للطفل بأن يختلط مع أطفال من تعرف أو إذا كانت هنالك مدرسة، أعرف أن هناك الكثير من المدارس العربية والإسلامية الخاصة أو الفصول التي ينظمها بعض الإخوة العرب والمسلمين في بريطانيا من خلالها يتم تعلم اللغة العربية، من خلال هذا اللقاءات إذا كانت هناك فرصة أرجو أن تتاح للطفل مثل هذه اللقاءات؛ لأنها سوف تساعده كثيراً، إذن؛ هذه هي المبادئ العامة للتخلص من هذا الصمت الاختياري.

هناك من يعطي بعض الأدوية، ولكن أعتقد أنه لا زال الطفل صغيراً، وهناك من يعطي عقار يعرف باسم تفرانيل، وهو في الأصل دواء مضاد للاكتئاب بالنسبة للكبار، ولكنه وجد أنه يفيد الأطفال الذين يعانون من القلق الظاهر أو القلق المطبق الداخلي أو ما يعرف بالقلق المقنع، وقد اعتبر بعض الأطباء أن الصمت الاختياري ربما يكون هو تعبير عن القلق وعدم الارتياح، عموماً حين يصل الطفل لسن السابعة لا مانع أن يعطى تفرانيل بجرعة 10 مليجرام ليلاً لمدة شهر أو شهرين، عسى أن يكون ذلك أيضاً مفيداً لهذا الطفل.
ولا أعتقد أن هناك خوفاً أبداً من أن يحدث ما حدث لهذا الابن حفظه الله لبقية إخوانه، فلا أعتقد ذلك، ولكن صحته هي أن لا تجعلوا من الأمر أمراً للنقاش المستمر أمام إخوانه، اتركوا الأمور تكون طبيعية بعض الشيء، وما دام الحمد لله هو يتحدث في البيت، فهذه أيضاً خطوة كبيرة.

أرجو أن تطبق الإرشادات السابقة، وعموماً الكثير من هؤلاء الأطفال يتخلصون تلقائياً من هذه الحالة كما ذكرت لك.

أسأل الله له الشفاء وبالله التوفيق.

www.islamweb.net