الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ غير مهم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يشرح صدرك وأن ييسر أمرك، وأن يصرف عنك كل سوء وأن يعافيك من كل بلاء، وأن يأخذ بناصيتك إلى الحق، وأن يوفقك في عملك، وأن يجعلك من المتميزين المتفوقين.
وبخصوص ما ورد برسالتك – أخي الكريم – فإنك تعلم أن الدنيا – كما لا يخفى عليك – دار ابتلاء وامتحان واختبار، وتعلم أن دوام الحال من المحال، حيث قال مولاك جل جلاله: ((كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ))[الرحمن:29] وفسر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: (يرفع أقواماً ويضع آخرين)، والقرآن الكريم يبيِّن ذلك في قوله تعالى: ((قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))[آل عمران:26].
هذا كله يدل على التغيير، وأن التغيير سنة كونية طبيعية - التغيير الإيجابي والتغيير السلبي - تغيير في مجال الإيمانيات والنفسيات، والتغيير في مجال المحسوسات، بل إن كل يوم نلاحظ فيه التغير واردا أمامنا وبقوة، فكل شيء يتغير، بل إنه في اليوم الواحد وفي الساعة الواحدة وفي الدقيقة الواحدة وفي اللحظة الواحدة تحدث للإنسان تغيرات عجيبة وغريبة وتلك قدرة الله تبارك وتعالى، وهذا هو ما أراده الله جل جلاله لخلقه وتلك طبيعة الحياة، أما الحياة التي لا تعرف التغيير فإنما هي الحياة الآخرة - بإذن الله تعالى – والجنة، ونسأل الله أن يجعلنا وإياك من أهل الجنة.
الإصابة التي حدثت لك حقيقة وبلا شك ألقت بظلالها عليك، حيث إن الإنسان منا إذا ابتلي بأي إصابة أو إعاقة – وإن كانت بسيطة – فإنها تؤثر على قدراته وعلى تصرفاته وعلى نفسيته، وهذا الابتلاء ابتلاء مأجور، وأنت لك عليه أجر - بإذن الله تعالى – وينبغي عليك أن تعلم أن هذه الدنيا دوام الحال فيها من المحال، فأنت مكثت فترة - بفضل الله تعالى - وأنت على خير ثم ابتليت بهذا الابتلاء، وعمَّا قريب سوف تنتصر عليه - بإذن الله تعالى – لأن هذه سنة الله الماضية وأنت رجل ما زلت في مقتبل عمرك، فعمرك لا يزيد عن خمسة وعشرين عاماً، وهذا يدل على أن أمامك - بإذن الله تعالى - مئات الفرص لتغيير هذا الواقع، والعمل الحرفي عادة القائم على نظام السوق - بمعنى أنه ليس عملاً وظيفيا حكوميا يتقاضى الإنسان عليه راتبا ويستريح – عرضة لهذه التغيرات وبشدة وبقوة – خاصة في مجال الشركات التجارية أو المقاولات والمعمار وغير ذلك – لأنك تعلم بأن الأسعار بين الارتفاع والانخفاض، والعمالة أيضاً ما بين إقبال وإدبار، وأحوال الناس في تغير مستمر.
ولذلك الذي يشعر بهذا التغير أكثر من غيرهم هم أمثالك من التجار أو الصنَّاع، أما الموظفون عادة فإن وضعهم فيه شبه استقرار لا يشعر بالتغيير الكثير، أما الذي يشعر إنما هو التاجر الذي يفاجأ بأن السلعة كانت بالأمس كذا ثم صارت اليوم بكذا، وأن السلعة غير موجودة، وأن الحصول عليها صعب وعسير، وأنها قد تأتي بقيمة أعلى من قيمتها.
وكذلك أيضاً في المجالات الإنشائية، العمال يتحكمون في الشركات وأصحاب الأعمال يتحكمون تحكما مزعجا وأحياناً مخجلا؛ لأن العامل قد لا يأتي وقد يطالب بزيادة الراتب، وقد يصاب أيضاً بنوع من عدم القدرة على إيجاد العمل فيتورط صاحب الشركة.
هذه هي طبيعة الأعمال التي أنت فيها، ولابد أن تعلم يقيناً أن هذا الأمر سمة العمل، بمعنى أن هذه الأمور التي ذكرتها إنما هي طبيعة العمل وأسلوب من أساليب الحياة، ألا وهو العمل التجاري أو العمل المفتوح غير الرتيب الذي ليس عن طريق الدولة.
هذه الإصابة بلا شك وقطعاً إذا كانت إصابة بالغة فإنها ستؤثر؛ لأنك طبعاً انقطعت عن العمل فترة، وانقطاع الإنسان عن العمل في الشركات الإنتاجية يضر بالعمل، خاصة وأن الناس عندنا في بلادنا ليسوا على هذا القدر من الإيمان، إما أنه لا يراقب الله تبارك وتعالى في كل شيء، وإنما أحياناً يكون عنده نوع من الحرص على العمل ثم يفتر بسهولة ويتوقف ولا ينتبه لك أو لغيرك، هذه طبيعة مع الأسف الشديد لدى كثير من المسلمين.
ولذلك - بارك الله فيك – إن هذا الأمر طبيعي، كونه يتسرب اليأس والإحباط إلى قلبك هذا أيضاً طبيعي؛ لأن الإنسان عندما يرى هذه المهام الجسام والمسئوليات الملقاة على عاتقه ويرى أن قدراته في دفعها قليلة، وأن قدرته في القيام بها متواضعة - خاصة بعد الإصابة –.
فهذا الذي حدث لك ليس علامة مرضية، وإنما هو شيء طبيعي يحدث لأي إنسان سوي طبيعي، أنه يأتي في لحظة معينة يشعر بنوع من العجز ونوع من الضعف حتى يصل إلى درجة الإحباط واليأس لأنه عاجز على أن يوفر وسائل النجاح وأن يوفر وسائل الاستقرار – هذا شيء طبيعي – ولذلك هذا الأمر ليس فيه مشكلة، يعني هذا أمر عارض جاءك اليوم وسيزول عنك - بإذن الله جل وعلا – لأن هذه ليست من طبيعتك وأنت لست مريضاً نفسياً – ولله الحمد والمنة – ولكن هذه طبيعة ظرف تعرضت أنت له فانعكست آثاره على نفسك.
ولذلك الذي يلزم في هذه الحالة - بارك الله فيك - إنما هو أن تعلم أولاً أن كل شيء بقدر الله تعالى، هذا الذي حدث لك إنما أراده الله وقدره قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وهذا لا يمكن تغييره بسهولة؛ لأن وسائل التغيير ليست في يدك ولا في يد أحد من الخلق، فأولاً يجب أن تعلم أن هذا قدر الله.
وثانياً: على ذلك أن ترضى بقدر الله تعالى.
وثالثاً: أن تعلم أن ما قدر لك هو خير لأنه كان من الممكن أن يكون الأمر أعظم من ذلك وأشد من ذلك؛ ولذلك من رحمة الله تبارك وتعالى أن الله قدر لك البلاء بهذا الحجم، وأن البلاء لم يزد عن هذا الحجم، وأنه ليس مستمراً، وأنه لم يكن في دينك وإنما كان في عرض الدنيا، ما دام - الحمد لله - دينك وعقيدتك ثابتة – بفضل الله تعالى – فأنت قادر على النجاح في هذا المشروع وعلى القيام من هذا التعسر والتميز - بإذن الله تعالى - مستقبلاً.
حقوق الناس ونظرة الزملاء هذا شيء لا تفكر فيه كثيراً، فإن حقوق الناس سوف تؤدي لذلك التفكير المرهق، ويؤدي إلى تشتيت ذهنك وعدم قدرتك على التركيز في عملك ولن تحل المشكلة، أتمنى أن تقوم بعمل جدولة لحقوق الناس، وابدأ بالأهم فالمهم، ابدأ بالأكثر فالأقل، ولا ترهق نفسك؛ لأن الله تعالى يقول: ((لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا))[البقرة:286]، هذه طاقتك وإمكاناتك.
ادق الله تبارك وتعالى في نيتك بأنك حريص على أن تؤدي للناس حقوقهم، فإذا علم الله ذلك منك يقيناً أعانك ووفقك وسددك ويسر لك أسباب الخير.
إذن - بارك الله فيك - جدْول هذه الحقوق حسب الأهمية وحسب الحقوق الموجودة من حيث الكمية أو النوعية، وابدأ بالأهم فالمهم، ومن الممكن أن توزع حصصاً متواضعة على الكل لترضية،ومن الممكن أن تبدأ مثلاً بصاحب الحاجة الأشد ثم تنتقل إلى غيره، ولا تتعب نفسك؛ لأن هذه قدرتك وهذه إمكاناتك.
أما زملاؤك بالنسبة لك فهذا قدر الله تعالى، فالذي حدث لك - بارك الله فيك - ليس بيدك، وصدقني هذا يمكن أن يحدث لأي إنسان غيرك، هذا الأمر الذي حدث لك اليوم قد يحدث لغيرك غداً، وبعض الأخوة المهندسين يكون في الطابق العشرين ثم يسقط من طابق مرتفع على الأرض يتحول إلى جثة هامة، ويا ليته يموت فيستريح وإنما عنده إعاقة مزمنة تجعله في محل الشفقة، فيتمنى الموت كل يوم فلا يجده، أما أنت - بحمد الله وبفضله تعالى - بلاؤك كان مخففاً ومقدورا عليه، وأنت لديك القدرة - بفضل الله - لأنك بفضله تعالى أعانك وشرح صدرك على تحديد المشكلة؛ لأن تحديد المشكلة هو نصف العلاج، كوني أعرف المشكلة من أين جاءت وأعرف أسبابها فهذه رحمة؛ لأنه إن هداك الله تعالى لتحديد المشكلة وحل المشكلة فقد وفقك الله للحل، فبعض الناس أحياناً لا يدري من أين تأتي المشكلة.
ولذلك أقول - بارك الله فيك – قم بعمل جدولة بالنسبة للحقوق ولا تلق بالاً لنظرة الناس؛ لأن رضا الناس غاية لا تدرك، لو أنك ناجح ومتميز فإنهم سيحسدونك، ولو أنك غير ذلك سيشفقون عليك ولن يتركوك؛ لأن هذه طبيعة الناس، خاصة عندما يضعف الإيمان وعندما يقل العمل بالإسلام، فإن الناس كريشة في مهب الريح ترمي بها شرقاً وغرباً، وهذا حال غالب الناس.
هذا العمل - بارك الله فيك - طبيعته أنك تتعامل مع فئات حرفية أحياناً تكون متواضعة الأخلاق، فهذه الأمور بجوار الصعوبات التي تواجهها، أيضاً هذا النفاق شيء طبيعي؛ ولذلك لا تشغل بالك به، اجتهد في البحث عن الصادقين وحاول أن تحث الناس على الصدق، واجتهد بأن تكون قدوة حسنة، ولا تستسلم لأمراض المجتمع، فإن من وظائفنا أن نغير هذا الواقع، وأنت – إن شاء الله تعالى – قادر على ذلك، وأنا واثق بأنك ستنجح في تغيير هذه البيئة بعد تغيير نفسك، فلا تستسلم واعتبر الأمور طبيعية، وقم بعمل جدولة، وأكثر من الدعاء أن يرد الله عنك من هذا البلاء، وأكثر من الدعاء أن يقويك الله وأن يعينك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل)، وسلْ والدتك أن تدعو لك – إذا كانت حية – وسلْ والدك والصالحين من عباد الله تعالى.
أقول – أخي الكريم بارك الله فيك - دائماً أخرج من بيتك على طهارة، واجتهد أن تكون على وضوء، وحافظ على الصلوات في أوقاتها، وأكثر من ذكر الله تعالى، وأوصيك وصية خاصة بكثرة الصلاة على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فإن الصلاة على النبي كما أخبر بنفسه – عليه صلوات ربي وسلامه - عندما طلب من أحد الصحابة أن يكثر الصلاة عليه قال: (إذن تُكف همك ويغفر لك ذنبك)، فما دام عندك فراغ - من بيتك إلى العمل، من عملك إلى البيت، وأنت في موقع العمل – عندك أي وقت فراغ – أنت تعمل بيدك – فاجتهد بأن تجعل لسانك في ذكر مولاك، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
فأتمنى أن تدخل برنامج الذكر هذا بقوة في حياتك، وبرنامج الدعاء والإلحاح على الله، وأنا واثق بأنك سوف تتغير من حالك الذي أنت عليه إلى حال يسرك في الدنيا والآخرة.
أسأل الله لك التوفيق والسداد والهداية والرشاد وأن يوفقك لكل خير.
والله ولي التوفيق.
لمزيد من الفائدة راجع:
(
272641 -
265121 -
267206 -
265003 )