الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ الباسل الحسين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،
فجزاك الله خيراً – يا أخِي – على كلماتك الطيبة وعلى صالح الدعاء، ونسأل الله تعالى أن يتقبل منك ومنا صالح الأعمال، وأن يهدينا لما فيه الخير وطاعته، ونسأل الله أن يشفينا ويشفي جميع المسلمين.
أود أن أقول لك: إنه يجب ألا تضخم مشكلتك لهذه الدرجة، فالأمراض هي من قدر الله، والعلاج هو من قدر الله، والدواء من قدر الله، والشفاء من قدر الله، والقلق أو الرهاب الاجتماعي من الحالات الكثيرة والمنتشرة جدّاً، وهو ليس بالعلة المعيقة، وليس بالعلة التي نقول أنها من الأمراض الخطيرة.
لا أريد أن أقلل من شأن حالتك، وأقدر مشاعرك، وأقدر كل كلمة وردت في رسالتك، ولكن رأيتُ أنه من الواجب عليَّ أن أبدأ بهذه الملاحظة؛ لأن المبالغة والإصرار على أن الأعراض مطبقة وجسيمة وثقيلة ومسيطرة السيطرة الكاملة هو في حد ذاته من أكبر الأسباب التي تؤخر الشفاء؛ لأن بناء هذا الجدار النفسي وعدم اختراقه يؤدي إلى تبعات سلبية جدّاً؛ ولذا فنحن نحرص هنا في الشبكة الإسلامية على تصحيح المفاهيم بصورة علمية، وأنا أقول لك من هذا المنطلق أن الرهاب الاجتماعي ما هو إلا نوع من القلق، هو قلق نفسي ونعترف بذلك تماماً، وهو يستجيب للعلاج بنسبة تسعين بالمائة، وهذه نسبة عالية جدّاً.
المشكلة تأتي من شيئين:
أولاً: المفاهيم الخاطئة، فإن الكثير من الناس لديهم مفاهيم خاطئة حول القلق أو الرهاب الاجتماعي، فهنالك من يعتقد أنه سوف ينهار أمام الآخرين، أو أن الآخرين يقومون برصده ويلاحظونه وهو مكشوف بالنسبة لهم وهو مصدر سخريتهم وتعليقاتهم – وهكذا – هذا ليس صحيحاً.
ثانياً: الأعراض التي تحدث من القلق والرهاب الاجتماعي يستشعرها المريض أو يشعر بها داخلياً بصورة مضخمة ومجسمة، وهي في الواقع تكون أقل كثيراً مما يتصوره، فقد تم تصوير بعض المرضى الذين يعانون من الرهاب الاجتماعي في مواقف اجتماعية معينة تم تصويرهم عن طريق الفيديو دون علمهم ثم بعد ذلك عرضت عليهم صورهم ووجدوا أن أعراضهم حقيقة أقل كثيراً مما كانوا يتصورون، فكان فيهم من يعتقد أنه يتعرق وأنه يرتجف وأنه يتلعثم أمام الآخرين – وهكذا – وحين عرضت عليهم صورهم في هذه المواقف الاجتماعية لاحظوا أن تفاعلهم ليس بنفس الضخامة والمبالغة التي كانوا يتصورونها.
فأود منك أن تتفهم هذه النقطة لأنها في نظري نقطة أساسية ومفصلية جداً، فإن تصحيح المفاهيم هو نصف العلاج.
البعض يعتمد على العلاج الدوائي بصورة مطلقة، ونحن نعترف أن الأدوية الحديثة فعّالة وممتازة وتساعد كثيراً، ولكن لابد أن يحرص الإنسان أيضاً على تغيير السلوك وعلى تعديل السلوك، فقد قال تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ))[الرعد:11]، فهذه حقيقة أبدية، والتغيير المقصود هنا هو التغيير السلوكي، وهذا ليس صعباً إذا كان الإنسان لديه الاستعداد لذلك، وأنا أقول لك بكل بساطة: حاول أن تحقر الفكرة القلقية وفكرة المخاوف، وحاول أن تقتحم هذه الأفكار، اقتحمها نفسياً وداخلياً وقم بتحقيرها وقم بعمل ما هو مضاد لها، وثابر على ذلك واستمر في ذلك.
ليكن لك حضورك، وحاول أن تختلط، وحاول أن تتواصل مع الناس، وحاول أن تمارس نوعاً من الرياضة الجماعية مع مجموعة من الأصدقاء، وحاول أن تحضر حلقات التلاوة وتثابر عليها، فإن هذه كلها وسائل علاجية للقلق الاجتماعي أو ما يعرف بالرهاب الاجتماعي.
نأتي بعد ذلك للدواء، والدواء توجد منه أربعة أو خمسة أدوية وهي: (فافرين Faverin)، و(زيروكسات Seroxat)، و(سبرالكس Cipralex)، و(إفكسر Efexor)، كلها أدوية فعالة جدّاً لعلاج الرهاب الاجتماعي، والأدوية التي أعطيت لك وهي (زاناكس Xanax) و( إندرال Inderal) هي أدوية تفيد – كما ذكرت في علاج العرض – ولكنها لا تبتر أو لا تزيل المرض من أساسه، أما الأدوية التي تعمل على تثبيط مادة (السيروتونين Serotonin) بصورة جزئية وانتقائية هي الأدوية التي تساعد كثيراً في إزالة الرهاب الاجتماعي، وأحد هذه الأدوية هو الزيروكسات.
والزيروكسات أنت تطلب بعض التفاصيل المملة ولكن أقول لك: سوف نعطيك التفاصيل العلمية المفيدة، فهذا الدواء الآن هو في الأسواق لمدة لا تقل عن أربعة عشر عاماً وتصنعه شركة إنجليزية، وهو في الأصل حين أتي به كعلاج مضاد للاكتئاب، واعتبرت الشركة أنه الدواء المنافس لعقار (البروزاك Prozac ) المشهور، وبعد ذلك لوحظ أن الدواء فعال جدّاً لعلاج القلق خاصة الرهاب الاجتماعي والخوف الاجتماعي، ووجد أيضاً أنه مفيد جدّاً لعلاج الوساوس القهرية.
لا شك أن لكل دواء آثاراً جانبية حتى البنادول له آثار جانبية، ولا نقول أن هنالك سلامة مطلقة، ولكن هنالك أدوية تتميز بأن آثارها الجانبية لا تضر الإنسان، وأحد هذه الأدوية هو الزيروكسات.
الجرعة العلاجية للزيروكسات – وهذا أمر مهم جدّاً – هي من حبة واحدة إلى أربع حبات في اليوم - أي من عشرين إلى ثمانين مليجراما في اليوم – وحالات الاكتئاب تستجيب لجرعة حبة إلى حبتين، وحالات القلق تستجيب لحبة واحدة، أما الوساوس فتحتاج من ثلاث إلى أربع حبات في اليوم، والرهاب الاجتماعي أو القلق الاجتماعي يحتاج إلى حبتين، وهذه هي الجرعة الصحيحة بالنسبة لهذا الدواء.
يفضل البداية في تناول الدواء بالتدرج أن يبدأ الإنسان بنصف حبة يومياً ثم بعد أسبوعين يرفعها إلى حبة، ثم بعد أسبوعين آخرين يرفعها إلى حبتين في اليوم، وأقل مدة مطلوبة لتناول الجرعة العلاجية – وهي حبتين في اليوم – هي ستة أشهر، وبعد ذلك يفضل أن يكون أيضاً التوقف عن الدواء بالتدرج؛ لأن هذا الدواء إذا أوقف فجأة فإنه يؤدي إلى نوع من الآثار أو الأعراض الانسحابية؛ لذا يتطلب التدرج بأن تخفف الجرعة – على سبيل المثال – إلى حبة واحدة ثم بعد شهر تخفض إلى نصف حبة لمدة شهر، ثم نصف حبة يوماً بعد يوم لمدة شهر آخر.
هذا التدرج يضمن لنا تماماً عدم حدوث أي آثار انسحابية.
أما الآثار الجانبية للزيروكسات فهي: أولاً: قد يسبب حموضة في المعدة في الأيام الأولى من بداية العلاج، ولكن هذا يتم تجنبه بأن يبدأ الإنسان بتناول جرعة صغيرة وأن يتناول الدواء بعد تناول الأكل.
ومن الآثار الجانبية الأخرى: أنه يؤدي إلى زيادة في الوزن لدى عشرة بالمائة من الناس، وتكون هذه الزيادة في الأربعة شهور الأولى وتحدث للأشخاص الذين لديهم قابلية في الأصل لزيادة الوزن، بمعنى الأشخاص الذين لديهم تاريخ أسري للسمنة، وبعد انقضاء الأربعة أشهر إذا انتظم الإنسان في الأكل وتجنب الأطعمة التي تؤدي إلى زيادة الوزن ومارس الرياضة يختفي تماماً هذا الأثر.
وهنالك أثر جانبي آخر وهو أن الزيروكسات قد يؤدي إلى تأخر القذف لدى الرجال، وهذا حقيقة وجد أنها إيجابية جدّاً ومفيدة جدّاً بالنسبة للرجال القلقين والذين لديهم سرعة في القذف.
هنالك الكثير من اللغط، وهنالك الكثير من المغالطات حول تأثير الزيروكسات على الأداء الجنسي في أثناء المعاشرة الزوجية، فبعض الناس يعتقد أنه ربما يؤدي إلى ضعف جنسي، ولكن هذه ليست حقيقة، وإن كانت حقيقة فهي تحدث في عدد بسيط جدّاً جدّاً من الناس، ومعظم هؤلاء الناس يكونون منشغلين نفسياً، بمعنى أن القلق الثانوي هو الذي يؤدي إلى ضعف أدائهم الجنسي وليست الفعالية البيولوجية أو الكيميائية للدواء نفسه.
إذن أتمنى أن يكون المفهوم قد تصحح في هذه النقطة؛ لأن الأمر شائع جدّاً وسط الناس، وأؤكد لك أن الزيروكسات لا يؤثر على الذكورة ولا يؤثر على الخصوبة ولا يؤثر على الإنجاب مطلقاً.
الزيروكسات من أفضل الأدوية التي يمكن تناولها مع الأدوية الأخرى حتى بالنسبة لمرضى القلب ولمرضى السكري ولمرضى الضغط، فلا مانع أن يتناولوا أدويتهم ويتناولوا الزيروكسات لأنه لا يتفاعل سلباً، هذا الدواء يتميز أيضاً بأنه دواء استرخائي بعض الشيء، ولكنه لا يؤدي إلى التكاسل أو التثاؤب أو الشعور بالغثيان، كما أنه لا يؤدي إلى النعاس الشديد.
هذا هو الذي وددت أن أذكره لك نحو الزيروكسات، وأرجو أن تتناول الدواء وأن تكون حريصاً أيضاً على العلاج السلوكي، ولا بد أن يكون لك مزاج التحسن، فإن إرادة التحسن هي إرادة يصنعها الإنسان في داخل نفسه، وإذا توفرت فإنه - إن شاء الله تعالى – العلاج السلوكي والعلاج الدوائي يقضيان تماماً على هذه الحالة، وفوق وقبل ذلك عليك بالدعاء، ومن الواضح أنك تحسن الدعاء، فنسأل الله أن يشفيك وأن يعافيك وأن يتقبل منا جميعاً، وكل عام وأنتم بخير، وأشكرك كثيراً على رسالتك الطيبة.
ولمزيد من الفائدة يمكنك الاستفادة من الاستشارات التالية حول العلاج السلوكي للرهاب: (
259576 -
261344 -
263699 -
264538 ).
وبالله التوفيق.