كيفية التعامل مع الأم المبذرة بالمال؟

2008-10-29 22:15:30 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم.

والدتي تبذر المال، وقمنا بنصحها مرات ومرات، ولكنها لا تكف عنه.


الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ علي محمد علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك (الشبكة الإسلامية)، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله - تبارك وتعالى - أن يصلح حال والدتك وأن يشرح صدرها للذي هو خير، وأن يصرف عنها هذه العادة الذميمة، وأن يجعلكم من سعداء الدنيا والآخرة.

وبخصوص ما ورد برسالتك - أخي الكريم الفاضل – من أن والدتك تبذر المال، وقد قمت بنصحها مرات ومرات ولكنها لا تكف عنه؛ فإن الأمر يحتاج حقيقة إلى تفصيل:

هل يا ترى هذا التصرف ناتج عن خلل عقلي نتيجة تقدم السن والهرم أم لا؟ فإذا كان ناتجاً عن هذا الخلل العقلي فإن الله - تبارك وتعالى جل جلاله – يقول: ((وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا))[النساء:5]، وفي هذه الحالة لا يجوز أن تُعطى المال الذي تبذره بما أنها لا تعرف قيمة المال ولا تعرف كيف تتصرف فيه، وإنما تعطى حاجتها فقط في أضيق حدودها لأنها لا تعرف قيمة المال.

أما إذا كانت عاقلة وواعية ومدركة لتصرفاتها فإنه ينبغي عليها أيضاً أن تُنصح وأن يُبين لها ذلك، ولكن من شخص قريب لديها، فإن كفَّت وتصرفت التصرف الشرعي المعقول بعد أن تُدرك أن هذا المال نعمة، وأن الله سائلنا عنه يوم القيامة من أين اكتسبناه وفيما أنفقناه، وأن الإنسان ليس حرّاً طليقاً في مسألة الإنفاق يفعل ما يحلو له باعتبار أن المال مملوك له؛ فإن هذا أمر ليس صحيحاً.

يُبين لها ذلك، وأن المال أمانة سائلنا الله تعالى عنه يوم القيامة، بل إن الله تبارك وتعالى يسأل العبد عن أمور أربعة خطيرة جدّاً كلها بسؤال واحد إلا المال فإنه يُسأل عنه بسؤالين: (من أين اكتسبه وفيم أنفقه)، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله كره لكم ثلاثاً: قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال).

وبمثل هذه الأحاديث تُذكر بها، فإن ذكرت بها فالحمد لله، فإن انكفت وارتدعت واعتدلت في الإنفاق يُبين لها كذلك أيضاً أن الله قال: ((إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ)) الإسراء:27]، وأنه جل جلاله قال: ((وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ))[الإسراء:29] لماذا؟ لأنه إذا بسطتها كل البسط فكما قال تعالى: ((فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا))[الإسراء:29].

فإذن هذه الآيات وتلك الأحاديث التي تُنصح بها ما دامت عاقلة تُذكر بها، وتذكر بقوله تعالى: ((وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا))[الفرقان:67] إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث.

فإذا استجابت وكفَّت فبها ونعمت، وإن لم تستجب فيُحدد لها مبلغ محدد من المال يكفي لحاجتها عن زيادة قليلة فقط، هذه الزيادة لا تكون كبيرة حتى لا تقع في الإسراف مرة أخرى، وحتى لا تشعر بحرمانكم لها من التصرف، وإنما إذا كانت تحتاج إلى مائة فتعطي مثلاً مائة وخمسين، حتى تكون المسألة متوسطة، وبهذا نستطيع أن نمنعها أو أن نحول بينها وبين التبذير، إلا أننا لا نخبرها بأننا منعنا ذلك عنها إلا رحمة بها، ولا ينبغي لنا أن نقول لها: أنت لا تحسنين التصرف وأنت ترمين الأموال في الشارع وأنت لا تدركين المجهود الذي بُذلت فيه هذه الأموال.

هذا الكلام لا يقال، وإنما فقط نحدد السقف الذي تحتاجه مع زيادة بسيطة فيه، وننظر إلى حاجاتها بأمانة وصدق، ولا نضيق عليها على اعتبار أنها أمُّنا، وأننا – كما ورد في الحديث -: (أنت ومالك لأبيك)، فلا ينبغي أن نحرمها حقّاً، وإذا كانت تنفق هذه الأموال في أوجه الخير أو تنفقه على فقراء مساكين من أهلها وهم فعلاً محتاجون فلا نحد من ذلك ما دمنا على ذلك من القادرين.

أما إذا كانت تبذرها في شراء أشياء تافهة وغير ضرورية، وكلما اشتهت شيئاً اشترته؛ ففي تلك الحالة لنا أن نقلل وليكن تدريجياً حتى لا تشعر بأننا منعنا عنها مرة واحدة؛ لأننا نعلم أن مقام الأمومة في دين الله عظيم، وأنه لا يجوز لنا أن نزعجها بأي صورة من صور الإزعاج، ولا ينبغي أن نضيق عليها ما دام الله قد وسع علينا.

والنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن الله تبارك وتعالى قال: (ابن آدم! أنفق أُنفق عليك)، فإذا كانت النفقة في الطاعة والمعروف وفي أوجه الخير فإنها قطعاً ستعود عليكم جميعاً أضعافاً مضاعفة، أما إذا كانت في أمور الدنيا التافهة فلا مانع من التدخل – كما ذكرت – بصورة تدريجية حتى لا تشعر بأنكم قد ضيقتم عليها.

أسأل الله أن يرزقكم رضاها وبرها، كما أسأله تبارك وتعالى أن يكرمكم بدعائها وبركة وجودها بينكم.

إنه جواد كريم.

www.islamweb.net