التلعثم والارتباك في الجامعة أمام الطلاب دون الأماكن الأخرى

2008-10-29 06:36:49 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا طالب سنة ثالثة جامعة، كيمياء حياتية، كما تعرفون في الفروع العلمية يطلب الدكتور من الطلاب بحوثاً علمية لعرضها، ويطلب من الطالب قراءتها بصوتٍ مرتفع أمام الزملاء، وهنا تكمن مشكلتي، فببساطه وبدون سبب أتلعثم في البداية، وأبدأ بالأخطاء حتى تصبح قراءتي كتلميذ صف ابتدائي، ويجف حلقي وأشعر برجفة، ولا تعود الكلمات تخرج من فمي، وبعدها لا أستطيع أن أكمل، وهذا الأمر بكل صراحة يشكل لي إحراجاً كبيراً أمام رفاقي وأساتذتي ويُظهرني كطفل صغير لا يستطيع الاعتماد على نفسه (في أحايين قليلة أنجح في تقديم عرض وقراءة ناجحة).

أنا والحمد لله من التلاميذ المجتهدين ويحرجني كيف أني تلميذ مجتهد وأتفوق على زملائي، ولكن لا أستطيع أن أتكلم بحرية وأمام مجموعة من الأشخاص مثلهم، ونفس الشيء يحصل لي في حصة اللغة، وأيضاً نفس الحالة تنتابني عندما أقف أمامهم.

ومما دفعني أيضاً لمراسلتكم هو قرب موعد المقابلة من أجل اختيار طلاب الماجستير، فاللجنة تختار الشخص الذي يتمتع بأسلوبٍ رفيع في الكلام، هادئ، قوي الشخصية وذكي والحمد لله أملك هذه المقومات، ولكن خارج المقابلات وبعيداً عن اللجنة وفقط مع أصدقائي.

أريد أن أكون كما أنا في البيت وفي الجامعة، أمام شخص واحد وأمام ألف شخص، وكما عهدني رفاقي في الحي شخصاً قوي الشخصية، ذكياً، وبأسلوب كلام مقنع جداً وبأفكار خلاّقة.

ساعدوني فقد ضاقت عليّ الأرض بما رحبت، وآخر رجائي الله ثم أنتم.

(لقد لاحظت في بعض الحالات أنكم تصفون أدوية، إذا كانت هذه الحالة تستدعي دواء, فأرجو منكم أن تشرحوا لي عنه, فلدي إلمام ومعرفه عميقة بالأدوية... جزاكم الله خيراً).

شكراً.


الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ربيع حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإن الذي تُعاني منه هو نوع من القلق البسيط ونسيمه بـ(القلق الاجتماعي الظرفي)، بمعنى أنه يحدث في ظرفٍ اجتماعي معين، والحمد لله أنت على وعيٍ كامل بالصعوبة التي تقابلك، ولكن في نفس الوقت ومن ضروريات العلاج لابد أن تصحح بعض مفاهيمك، فهذه المشاعر التي تأتيك من شعورٍ بعدم الثقة والتلعثم وصعوبة في المواجهة عندما تقرأ أمام زملائك أو تقدم عرضاً لموضوع معين أمام الأساتذة أو أمام اللجنة، فأنا أؤكد أن هذه المشاعر والأحاسيس مبالغ فيها.

لقد تم تصوير مجموعة من الأشخاص الذين يُعانون أو يشتكون من مثل حالتك، تم تصويرهم بالفيديو في مواقف اجتماعية دون علمهم، وكان تصورهم بعد المقابلة أنه لم يكن أداؤهم جيداً، وأن هنالك صعوبة وقلقاً وخوفاً وتلعثماً ورجفة –وهكذا– وبعد أن عرض عليهم صور الفيديو اتضح لهم بما لا يدع مجالاً للشك أن أداءهم كان أفضل كثيراً مما كانوا يتصورون، بمعنى أن التلعثم ليس بالشدة ولا الرجفة ولا التعرق أو الأعراض التي كانوا يشتكون منها...على ضوء ذلك أرجوك أن تصحح من مفاهيمك حيال هذه المواقف.

ثانياً: أنت الحمد لله ذو مقدرات عالية، وهذا من فضل الله عليك، وهذه المقدرات العالية يجب أن يُستفاد منها لتحقير فكرة الخوف، وذلك بأن تجري نقاشاً وحواراً جاداً مع نفسك: (لماذا أخاف؟ ما الذي يجعلني أخاف؟ فأنا الحمد لله لديَّ المقدرة المعرفية، ولديَّ المعلومة، ولديَّ الإمكانات الهائلة التي يشهد بها الجميع، فأنا أفضل من غيري كثيراً، فما الذي يجعلني أتردد أو أخاف في هذا الموقف، لن أخاف أبداً).. هذا هو المفهوم الثاني الذي يجب أن تدركه تماماً.

تأتي بعد ذلك المواجهة، والمواجهة تكون في الخيال وتكون في الواقع.. والمواجهة في الخيال تتطلب الجدية وتتطلب التمعن، وهي تقوم على أسس علمية، وأعني بالمواجهة في الخيال أن تجلس في مكانٍ هادئ وتتصور نفسك أنك الآن تقوم بإلقاء هذه المحاضرة أو العرض الذي طُلب منك أمام اللجنة، عش هذا الخيال بكل دقته وبكل تفاصيله وبكل مراحله المطلوبة، ويجب أن يستغرق التمعن والتأمل والخيال مدة خمسة عشر إلى عشرين دقيقة على الأقل، ويمكنك أن تقوم بتسجيل ما تود أن تقوله للجنة، ثم بعد ذلك استمع لأدائك، وسوف تجد أن أداءك أفضل مما تتصور.

بالطبع لا تضع في خيالك أبداً أن هذا مجرد أمر خيالي وليس حقيقياً، لا .. انقل نفسك ذهنياً وعقلياً للحقيقة كأنك أمام هؤلاء الناس.

يأتي بعد ذلك أن تتدرب على تمارين الاسترخاء، فهي جيدة جدّاً في تقليل مثل هذه المخاوف، وهنالك تمارين بسيطة تُعرف بتمارين التنفس المتدرج، وفي هذه التمارين عليك أيضاً أن تستلقي في مكانٍ هادئ في الغرفة على السرير أو على كرسي مريح، وبعد ذلك أغمض عينيك وتأمل في شيءٍ طيب، وافتح فمك قليلاً وخذ نفساً عميقاً وبطيئاً عن طريق الأنف، واملأ صدرك بالهواء، ثم بعد ذلك أمسك الهواء قليلاً في صدرك، وبعد ذلك أخرج الهواء –وهو الزفير – ويكون عن طريق الفم، ويجب أن يكون بكل قوة وبكل بطء.. كرر هذا التمرين خمس مرات بمعدل مرتين في اليوم صباحاً ومساءً.

ويمكنك أيضاً أن تأخذ نفساً عميقاً نسبياً حين تبدأ المقابلات، وأنت داخل إلى المقابلة قم بأخذ نفسٍ عميق نسبياً، وكرر ذلك ثلاث مرات، وإن شاء الله سوف يؤدي إلى استرخاء عضلي واسترخاء نفسي كذلك ويقلل من الخوف والتوتر.

دائماً تذكر أنك الحمد لله لديك مقدرات ولديك مهارات في أوقات المواجهة، فهذا أمر هام جدّاً.

يأتي بعد ذلك العلاج الدوائي وأقول لك: نعم. توجد أدوية ممتازة وفعالة جدّاً، أدوية تستعمل كأدوية إسعافية وأدوية أخرى تستعمل لعلاج الحالة من أصلها.

الأدوية التي تُستعمل لعلاج الحالة من أصلها منها عقار يُعرف علمياً باسم (باروكستين Paroxetine) ويُعرف تجارياً باسم (زيروكسات Seroxat) أو (باكسيل Paxil)، فأرجو أن تبدأ في تناوله بجرعة نصف حبة ليلاً لمدة (عشرة مليجراماً) بعد الأكل لمدة عشرة أيام، ثم بعد ذلك ارفع الجرعة إلى حبة كاملة (عشرين مليجراماً) واستمر عليها لمدة أربعة أشهر.

هذه الجرعة سوف تكون كافية بالنسبة لك وهي حبة واحدة في اليوم، علماً بأن هذا الدواء يمكن أن يتم تناوله حتى أربع حبات (ثمانين مليجراماً) في اليوم.

وبعد انقضاء فترة الأربعة أشهر خفض الجرعة إلى نصف حبة ليلاً لمدة شهر، ثم خفض الجرعة إلى نصف حبة كل يومين لمدة أسبوعين، ثم توقف عن تناول الدواء.

أنا أريدك أن تتناول الدواء لأنه مفيد جدّاً، وهذا الدواء ينتمي لمجموعة الأدوية التي تثبط استرجاع مادة (سيروتونين Serotonin) بصورةٍ تلقائية، بمعنى أنه يجعل السيروتونين يتوفر في الموصلات العصبية وما بينها، والسيروتونين هو مادة بيولوجية تحدث في الدماغ، فيعتقد أن الاضطراب في إفرازها أو الضعف في إفرازها يساهم مساهمة بيولوجية كبيرة ويؤدي إلى هذا النوع من القلق ومن المخاوف.

هذا الدواء (زيروكسات) من الأدوية السليمة جدّاً، وبجرعةٍ صغيرة ليس له آثار جانبية كثيرة، وبالطبع لكل دواء آثار جانبية ولابد أن نكون آمنين وصادقين في أن نذكرها لك، فإن هذا الدواء ربما يسبب عسراً في الهضم بسيط في بداية العلاج، لذا نحاول أن ننصح أن تكون البداية بجرعةٍ صغيرة، وأن يتم تناول الدواء بعد تناول الطعام، وهذا يقضي على هذا الأثر الجانبي.

أيضاً هذا الدواء ربما يؤدي إلى زيادةٍ في الوزن، وهذه الزيادة تكون في الأربعة أشهر الأولى، وهذا بالطبع يمكن تخطيه بالتحكم في الطعام مع ممارسة الرياضة، وبالمناسبة: الرياضة جيدة جدّاً لعلاج القلق والمخاوف، وبالطبع يمكن أيضاً التحكم في نوع وكمية الطعام الذي يتناوله الإنسان.

أيضاً يؤدي إلى تأخير القذف المنوي عند بعض الرجال المتزوجين، وهذا قد يكون جيداً لعلاج حالات سرعة القذف لدى الرجال، ولكن بصفة عامة هذا الدواء لا يؤثر على خصوبة الرجل أو حتى على مقدراته الجنسية، وإن كان الكثير أثير حول هذا الموضوع، ولا يؤثر أيضاً على الأعضاء الرئيسية في الجسم وهو ليس دواءً تعودياً أو إدمانياً.

أما بالنسبة للأدوية الإسعافية، فمنها عقار يعرف تجارياً باسم (إندرال Iinderal) ويعرف علمياً باسم (بروبرانلول Propranlol) فهو من الأدوية الجيدة جدّاً للمساعدة في التخلص من الأعراض الجسدية التي منشأها القلق، مثل تسارع ضربات القلب والرعشة والتلعثم والتعرق.

أريدك أن تتناوله بصورةٍ منتظمة، بجرعة عشرة مليجراماً صباحاً وعشرة مليجراماً مساءً لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفض الجرعة إلى عشرة مليجرام يومياً لمدة شهرين، ويمكنك أن تتناول عشرين مليجراماً من الإندرال ثلاث ساعات قبل المقابلة.

يوجد عقار آخر يسمى علمياً باسم (البرازولام Alprazolam) ويسمى تجارياً باسم (زاناكس Xanax)، هذا يستعمله البعض ولكني لا أفضله كثيراً؛ لأنه أيضاً قد يؤدي إلى نوع من التعود أو نوع من الخمول والاسترخاء الزائد.

إذن: الأدوية التي وصفتها لك هي أدوية كافية جدّاً، وعليك بتطبيق الإرشادات السابقة، وبإذن الله تعالى لن تواجهك أي مشكلة؛ فأنت رجل صاحب مقدرات وصاحب همة عالية، وهذا يجب أن يكون دافعاً لأن تكون لك الثقة في نفسك، وأنا سعيد جدّاً أن أعرف أنك ملتزم في صلواتك وقراءتك للقرآن وأذكارك، فأسأل الله تعالى أن يقويك وأن يزيدك علماً.

ولمزيد من الإرشادات السلوكية حول الرهاب وتقوية الثقة بالنفس، راجع هذه الاستشارات:

( 259576 - 261344 - 263699 - 264538 )، (265851 - 259418 - 269678 - 254892).

وبالله التوفيق.

www.islamweb.net