بين الحاجة للعمل والتفرغ لتربية الأولاد.. حيرة أم
2013-06-23 06:12:51 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
أنا أم لطفلة واحدة، أعمل مهندسة، وساعات عملي طويلة، وابنتي عمرها خمس سنوات، وقد بدأت أشعر بتأنيب الضمير؛ لأننا منعنا الحمل لفترة طويلة، ولكن في نفس الوقت أخشى أن أُنجب طفلاً آخر وأعيش نفس معاناة طفلتي الأولى - طوال النهار عند المربية أو الحضانة -.
علماً بأن التزاماتنا المالية لا تمكنني من ترك العمل والتفرغ لتربية الأطفال، وابنتي أخلاقها جيدة ولله الحمد، ويثنون في المدرسة على تربيتها وأخلاقها، لكني دائماً أشعر بالتقصير تجاهها، فانصحوني.
وجزاكم الله خيراً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم رحمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يبارك لك في رزقك، وأن يعينك على تربية ابنتك تربية صالحة طيبة، وأن يوفقك لإنجاب ذرية صالحة مباركة تكون امتداداً لحياتك بعد رحيلك عنها.
وبخصوص ما ورد برسالتك، فإن الطفل يحتاج إلى احتضان كامل كافٍ من جميع النواحي، لأننا قد نهتم ببعض الجوانب ولكننا نتيجة ضغوط العمل وعدم التودد المستمر قد نهمل جوانب أخرى، فنجد إنساناً عنده زيادة في الفيتامينات في حين أن المعادن عنده ناقصة، وحياته في الظاهر تبدو جيدة ولكن عنده خلل لأنه لا يغذي هذا الجانب.
ولذلك فإن التربية المتكاملة هي التي تؤدي إلى الشخصية المتكاملة، وقد يكون الإنسان انطوائيا، وقد يكون هادئا غير مزعج، ولكنه يكون مريضا في نفس الوقت؛ لأن هذه الأمور ليست علامة الصحة في كل الأحوال، وكذلك قد يكون شقي شقاوة زائدة وحركته غير طبيعية حتى إن الناس ليتأففون منه وينزعجون من تصرفاته، وهذا خلل قطعاً، رغم أنه قد يكون ذكيّاً وقد يتكلم كلاماً مرتباً، وقد يكون نظيفاً في ملابسه وهيئته؛ لأن التربية الكاملة تقتضي العناية التامة، كما قال الله تبارك وتعالى لموسى عليه السلام: ((وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي))[طه:39].
وهناك أشياء كثيرة يحتاج إليها أبناؤنا من الحنان والعطف والرعاية، وقد لا تكون لديك الفرصة الكافية لاحتضانها وضمها إلى صدرك ومداعبتها وملاعبتها، لأنك تحتاجين إلى من يعطيك منوماً لتنامي من شدة التعب الذي تعودت عليه.
وأما تأخر إنجاب طفل آخر نتيجة ظروف العمل فإذا كان من الممكن أن تتخففوا من بعض الالتزامات المالية حتى تعطي وقتاً للأطفال، أو أن تأخذي إجازة طويلة نوعاً ما لتربية الأولاد، لأنك تجمعين الأموال لهم (أموالنا لذوي الميراث نجمعها) فعندما يكونون معاقين ذهنياً أو غير مستوين خلقياً لن تنفعهم أموال قارون، ولكن عندما ينشأ الطفل تنشئة طبيعية وينشأ في حياة طبيعية وفي بيت طبيعي مع أم طبيعية تعطيه من العطف والحنان والتربية والتوجيه ما لا يمكن أن يقدمه له أي إنسان آخر، فهذا هو الإنسان المعتدل الطبيعي الذي يخرج حتى وإن كانت الظروف قاسية أمامه، إلا أنه يستطيع أن يتغلب على قسوتها بما اكتسبه من مهارات رائعة من أم رائعة.
ونحن من واقع الاستشارات نرى أن هناك أبناء قد يتفوقون علمياً وقد يكونون من أوائل الدفعات، ولكنه عندما يُطلب منه القيام بأي عمل تجده تائهاً، نتيجة أن الذي تولى تربيته طرف واحد فقط والطرف الآخر كالأب مثلاً مسافر وترك الأم ربت ولدها بطريقتها، فخرج الولد عنده قصور اجتماعي واضح، نتيجة أن الأم حبسته عن المجتمع وكانت حريصة أن لا يختلط بالناس حتى لا يكتسب بعض السلوكيات الفاسدة، في حين أن التربية في البيئة الطبيعية هي التي تعلم ونحن نصوب بعد ذلك.
فأتمنى أن تتخففوا من الالتزامات المادية ولا تشقوا على أنفسكم وكونوا طبيعيين، فلماذا تضحون بحياتكم وأولادكم من أجل جمع المادة التي قد لا تستفيدون منها الفائدة الكبرى، فاعقدي موازنة وانظري بدقة وإتقان ورضا بقسمة الله تعالى، فأبناؤكم في حاجة إليكم.
نسأل الله تعالى أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يوفقكم إلى التقليل من التزاماتكم المادية، وتقليل النفقات إلى الحد الأدنى، وأن يوفقكم لطلب تقليل ساعات العمل حتى لا تكون طويلة حتى تتفرغي لابنتك وتكوني على استعداد لاستقبال طفل آخر، وحتى تشبعيها عاطفياً في جميع مجالات الإشباع التي تزيد عن عشرين مجالاً كما ذكر علماء التربية.
وبالله التوفيق.