أهمية العلاج السلوكي القائم على التشجيع والتحفيز والتفاعل مع الآخرين
2008-12-27 12:28:42 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ابني يبلغ من العمر ست سنوات، ويدرس في الصف الأول في مدرسة أجنبية، ورغم أني لم ألاحظ شيئاً غريباً أثناء نموه - فهو الثالث في إخوانه - إلا أنه منذ دخوله المدرسة لاحظت أنه يواجه صعوبة في التأقلم، حيث أن معلمته في الروضة كانت تشتكي من أنه يقوم بتصرفات غريبة كأن يخلع حذاءه باستمرار ولا يجلس مع الأطفال بل يظل يجول في الصف، ولا يستمع كلام معلمته، وعندما تجبره يرد عليها بأنه سيخبر أباه وأن أباه شرطي كبير وسيجعله يدخل المعلمة السجن، وكان لا يطلب أن يذهب إلى الحمام، بل ينزوي جانباً في ساحة اللعب ويقضي حاجته ثم يعود إلى اللعب دون أن يصيب ملابسه بشيء من الأذى.
ورغم ذلك فإن المعلمة كانت تقول بأنه طفل ذكي يحفظ الأناشيد والأغاني بسرعة، وله حس موسيقي عالٍ ويحب أن يرقص الرقصات التراثية، وقد أبدى بعض التحسن في الصف الثاني من الروضة، حيث حظي بمعلمة متفهمة فأصبح يشارك الأطفال في الجلوس على سجادة الحلقة، ويستمع إلى القصة ويأتي ليحكي لي القصة، واستطاع أن يحفظ الأرقام باللغة الإنجليزية وكذلك الحروف الهجائية الإنجليزية، ويستطيع كتابتها ويكتب بعض الكلمات البسيطة ويحفظ الألوان جميعها والأشكال الهندسية.
وكانت المعلمة تقول بأنه تحسن عن بداية العام الدراسي، لكن المشاكل عادت للظهور عندما بدأ بدراسة الصف الأول من المرحلة الابتدائية، كما أن معلمته لم تكن من النوع المتفهم، وبعد مرور شهرين استدعوني للمدرسة واشتكوا من أن الطالب مستواه متدنٍّ، فهو لا ينتبه لشرح المعلمة ولا يجاري باقي الأطفال في أداء المطلوب منه، وعندما تجلس معه المعلمة لتشرح له فإنه يبدأ في سرد قصص من أفلام الكرتون أو يخبرها عن أشياء حدثت له في المنزل، وهو نفس الحال معي في البيت عندما أبدأ في المذاكرة له يبدأ بإعطائي مبررات وأعذار منها أنه مريض أو أنه جائع أو أنه صائم أو أن رأسه يؤلمه وغيرها من الأعذار، أو أن ينسحب إلى عالم الكرتون فيبدأ في الضحك ويخبرني أنه يضحك على الموقف الكرتوني حتى لا يمسك القلم ليكتب.
ورغم أني أشجعه أحياناً وأعاقبه أحياناً أخرى ورغم أنه يكتب معي في النهاية عندما أصر عليه إلا أنه لا يرضى أن يكتب عند المعلمة ولا ينتبه لها ولا ينهي العمل المطلوب منه، ورغم ذلك فهو يقرأ القصص القصيرة التي يرسلونها معه ويقرأ دروس اللغة العربية ويحفظ السور القرآنية والأحاديث التي يعطونها له، وخياله واسع ويؤلف قصصاً عنه وعن أصدقائه.
وأما في البيت فهو يفضل لعب البلايستيشن، وهو ماهر فيها، ويشاهد أفلام الكرتون بكثرة، ويحفظ الشخصيات ويصر على الأفلام التي تحتوي على حركة، ولا يحب الأفلام التي بها قصص وحوارات سوى عدد قليل منها، ويحب أن يتقمص شخصياتها في حياته الطبيعية، حتى أن الذين في المنزل يضحكون عليه ويعتقدون بأنه أهبل، ومستوى اللغة لديه أقل من أقرانه ولا يحفظ مفردات كثيرة، وأشعر أنه في بعض الأحيان لا يفهم إذا استخدمت مفردات صعبة في الحديث معه، فأبدأ في تبسيطها، ولكنه يتكلم بوضوح ويحدد ما يريد.
وقد ألمحت بعض معلماته أنه ربما يكون طفلاً لديه سمات التوحد؛ لأنه لا يركز في الصف ولا ينظر إلى عين المعلمة عندما تكلمه، ويلتفت عنها رغم أنه إذا أراد أن يكلم أحداً نظر في عينيه ويطلب منه ما يريد، وأعيش في حالة من القلق الشديد، فهل يعاني ابني من بعض سمات التوحد أم أنه يعاني من مشكلة في عقله؟
وشكراً لكم.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم راشد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإني أعرف مدى انزعاجك وأقدر ذلك كثيراً، ولا شك أن الكثير من الأسر والكثير من الأمهات والآباء قد أصبحوا مشغولين ومنزعجين حول إصابة أطفالهم بمرض التوحد أو أن يشك الوالدان أن الطفل يعاني من هذه العلة إذا كان لديه أي صعوبات أو تأخر في الدراسة أو التعلم.
ومن الناحية التشخيصية يعتبر تطور اللغة وتكوين اللغة هو أهم سمة يتسم بها طفل التوحد، بمعنى أن اللغة تكون لديه غير متطورة أو غير موجودة، فهذا شرط مهم لتشخيص التوحد.
ثانياً: الطفل يعامل الناس كالأشياء وكالجمادات، بمعنى أنه يكون منعدم التفاعل الوجداني، وهذا أيضاً من السمات الضرورية.
ثالثاً: أن يكون الطفل لديه نوع من الرتابة أو الطقوسية التي تشبه الطقوس الوسواسية، حيث يتبع الطفل منهجاً معيناً في حركاته أو في سلوكه، فهذه هي الأشياء التي نستطيع أن نقول أنها الضوابط الرئيسية لتشخيص علة التوحد.
وفي الآونة الأخيرة ذهب بعض العلماء ومنهم البروفيسور بلاتر وآخرون إلى توسيع الضوابط التشخيصية، بمعنى أن التوحد الآن لا يعتبر مرضاً واحداً، وإنما هناك عدة جزئيات ربما تكون موجودة، فنستطيع أن نقول أن هناك توحداً وهناك سمات التوحد، ولكن لا تكون الصورة السريرية مكتملة، وهناك علة أخرى تعرف باسم (علة اسبرجر Asperger)، وهذه العلة لا شك أنها أقل من التوحد، وتكون اللغة مكتملة أو متطورة لدى الطفل، ولكن ربما تكون لديه بعض الطقوسية أو الرتابة في تصرفاته، كما أنه لا ينفعل ولا يتفاعل وجدانياً مع من حوله، خاصة مع الوالدين أو الأقران.
وبصدق وأمانة لا أعتقد أن ابنك يعاني من التوحد، وإن كانت بعض الشكوك تنتابني أنه ربما يكون لديه شيء من علة (اسبرجر Asperger)، وهي علة أخف بكثير من التوحد، فلا تنزعجي مطلقاً لما ذكرته لك، والشيء الضروري والمهم هو أن تعرضي الطفل على أخصائي أو استشاري في الطب النفسي لدى الأطفال، وأعرف أنه توجد إمكانيات هائلة وكبيرة في دولة الإمارات العربية المتحدة، فحتى نطمئن أرجو أن تعرضي الطفل على المختص؛ لأن الطفل يجب أن يُفحص ويجب أن تشرح أعراضه بدقة ويجب أن يلاحظ بواسطة المختص، خاصة الطريقة التي يلعب بها والطريقة التي يتفاعل بها والطريقة التي ينطق بها.
ولا شك أنك قد قدمت وصفاً تفصيلياً، ولكن هذا لا يكفي لأن نشخص الطفل تشخيصاً دقيقاً، ونحن لا نريد أن نتعجل بأن ننفي أو نثبت تشخيصاً نعرف أنه ليس بالسهولة أن يتم تقبله بواسطة الوالدين، وفي رأيي أن حالة الطفل مطمئنة لدرجة كبيرة، ولكن لابد أن نقطع الشك باليقين.
ويبقى بعد ذلك أيضاً أن مستوى الذكاء لدى الطفل بالرغم من أن المعلمة وصفته بأنه ذكي ولكني استشعرت أن ذكاءه ربما يكون في الدرجة الحدِّية، بمعنى أنه لا يعاني من تخلف في الذكاء ولكن درجة ذكائه لا ترقى للدرجة التي نستطيع أن نقول أنه كامل أو يتمتع بذكاء طبيعي، وحين تقابلين الطبيب - إن شاء الله - سوف يقوم بلا شك بعمل اختبارات الذكاء له.
وعموماً لا تنزعجي أبداً، وأيّاً كان الذي يعاني منه الطفل سوف يظل مبدأ العلاج واحد، وهو مبدأ العلاج السلوكي الذي يقوم على التشجيع وعلى التحفيز وعلى الإثابة للطفل ووضع برامج علاجية له، وإتاحة الفرصة له للتفاعل مع الأطفال الآخرين، وكذلك الاستفادة من الألعاب ذات القيمة التعليمية لأنها وسيلة ممتازة لتطوير مقدرات الطفل، نسأل الله تعالى أن يحفظ ولدك، ونشكرك كثيراً على تواصلك مع موقعك إسلام ويب.
وبالله التوفيق.