أثر زيادة الكهرباء في الصدغ الأمامي في تأخر كلام الطفل وحركاته
2009-01-14 08:35:03 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لدي - بحمد الله - اثنان من الذكور، الكبير عمره خمس سنوات، وهو بحمد الله سليم، والصغير عمره ثلاث سنوات، وهو صاحب المشكلة واسمح لي أن أكتب مفصلاً:
عانى الصغير من تأخرٍ في الكلام مصاحب لوجود حركة نمطية متكررة بيديه (الاهتزاز باليدين مع الوقوف على طرف الأصابع ) عند مشاهدة ما يعجبه، وقد بدأت تظهر عليه الحالة منذ كان عمره يقترب من سنتين، تم عرضه على أكثر من طبيب أطفال منذ السنة على مدى عدة أشهر وكانت الإجابة أنه سليم.
منذ حوالي ستة أشهر وبتوصية من طبيب أطفال تم عمل تخطيط للدماغ حيث تم تسجيل كهرباء زائدة في الدماغ، وصدر تقرير من طبيب أعصاب -بناءً على التخطيط وبدون فحص الطفل- أنه يُعاني من صرع، علماً بأنه لا يُعاني من نوبات صرع أو تشنج أو إغماء.
تم بعد ذلك تم عرضه على عدد من أطباء الدماغ وأعصاب وتمت إعادة التخطيط؛ لأنهم قالوا: إن التخطيط كان خطأً لأن الحساسية للجهاز كانت 10-20 وهذه للبالغين، ويجب أن تكون 30، على كلٍ لوحظ وجود كهرباء زائدة في الصدغ الأمامي الأيمن والأيسر، وتم عمل صورة مقطعية للدماغ أظهرت وجود شيءٍ غير واضح (T2)، علماً أن الوضع العام (الحجم والشكل) جيد مع التوصية بمتابعة الحالة مستقبلاً، مع العديد من فحوص الدم كانت كلها سليمة.
أحد الأطباء أعطى صورة سوداوية جداً، قال: هناك تشوه خلقي مع توحد، ووصف (دباكين) مع التوصية بإرساله إلى مركز تأهيل لأصحاب الإعاقات.
الثاني قال بأن تخطيط الدماغ سليم، والحالة أنماط توحد، ولا حاجة لعلاج مع التوصية بإرساله إلى مركز تأهيل لأصحاب الإعاقات.
الثالث قال: لا يوجد توحد والمشكلة في موجات الدماغ، وتم وصف ( تيجراتول – 05 مل، 3 مرات يومياً ) وهو الذي اقتنعنا به، والآن بعد مضي ستة أشهر على العلاج بدأت أرى نوعاً من التحسن الملموس في انخفاض الحركة المتكررة بيديه، وبدأ يلفظ بعض الكلمات الخفيفة، وتم إعادة تخطيط الدماغ مرةً أخرى، ولوحظ وجود كهرباء زائدة في الجهة اليمنى فقط، زاد الطبيب الجرعة إلى (6) مل ثلاث مرات يومياً.
ألاحظ هذه الأيام بأن الحركة النمطية متكررة بيديه، وبعض الأحيان أكثر من السابق بعد زيادة الجرعة.
هل أنا على الطريق السليم أم لا؟ علماً بأن ولادة الطفلين كانت طبيعية، ولا يوجد صلة قرابة بيني وبين زوجتي، ولا يوجد في عائلتي وزوجتي من يُعاني من الصرع أو التوحد.
عمري (37) وزوجتي 26، أضف إلى ذلك أن الطفل اجتماعي ويلعب مع الأطفال، ويتواصل عن طريق العين، وهو يتابع الضوء والصوت بعينيه، و"بارع" في ألعاب الكمبيوتر، ونسبةً إلى عمره وطول ووزن الطفلين فهو ضمن النطاق الطبيعي.
أفيدوني جزاكم الله خيراً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ هشام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنه بعد تصفحي لرسالتك واطلاعي عليها بكل تمعن، وما ذكرته من حالة ابنك بالصورة التي وصفتها تجدني أكثر اتفاقاً مع الطبيب الأخير، وبالطبع لا نقول: إنه من الصواب مائة بالمائة أن ندلي برأي تشخيصي حول هذا الطفل لأننا لم نقم بفحصه، ولكن ما سردته مفيد ويجعلنا على درجة عالية من اليقين من خلالها نستطيع أن نقول لك: إن هذا الابن – حفظه الله – لا نعتقد أنه يعاني من علة التوحد.
والطفل ما دام اجتماعياً ويشارك مع الأطفال ويتفاعل وجدانياً فهذا يدل أنه لا يعاني من علة التوحد، أو على الأقل نقول: إنه لا يعاني من التوحد الكامل؛ لأنه الآن هناك من يعتقد أنه توجد درجات أخف من التوحد، وهذا الكلام أرجو ألا يزعجك أبداً - أخي الكريم – لأن ما يسمى بحالات شبه التوحد هي حالات شبه طبيعية؛ لأن هؤلاء الأطفال معظمهم – أو جميعهم – يرجع لحالته الطبيعية بشيء من المساعدة والتدريب التأهيلي.
تخطيط الدماغ يُساعد في تشخيص الصرع، ولكنه لا يُعتبر التشخيص القاطع، والتشخيص القاطع دائماً يكون عن طريق رؤية العين والوصف الذي يعطيه أهل المريض للطبيب، والبعض يستطيع أن يعطي وصفاً دقيقاً جدّاً للدرجة التي تُساعد الطبيب في الوصول إلى التشخيص بكل سهولة.
تخطيط المخ يُساعد أكثر في تحديد نوعية ومنطقة الصرع، أي: المنطقة التي تنطلق منها البؤرة الصرعية.
أيضاً شيء مهم وضروري جدّاً هو أن بعض أنواع الصرع لا تظهر في شكل تشنجات أبداً، خاصة ما يُعرف بالصرع الصدغي، أي: الذي يكون مركز الحركة الكهربائية فيه ناشئ من الفص الصدغي، وهذا الابن –حفظه الله تعالى– يظهر أنه لديه بؤرة في الفص الصدغي، هذه البؤرة الصدغية ليس من الضروري أبداً أن تظهر في شكل حركات صرعية معروفة كما ذكرت لك.
من فترة قريبة عُرض عليَّ مريض كان يخرج من البيت ويتجول ثم يرجع دون أن يتذكر ما كان يقوم به، وكل الذي لوحظ عليه في بعض الأحيان أنه سريع الانفعال وسريع الغضب، وبعد أن فحصناه وتحاورنا معه وقمنا بمناظرته بصورة كاملة وضعنا احتمال أنه ربما تكون لديه علة في الفص الصدغي، وفعلاً أتى تخطيط الدماغ أنه يعاني من زيادة في الإفراز الكهربائي في منطقة الفص الصدغي، وقمنا بإعطائه العلاج المضاد للصرع؛ لأن هذا هو العلاج الأساسي، والآن قد تحسن هذا الأخ لدرجةٍ كبيرة وهو في وضع جيد جدّاً.
قد أتيت لك بهذا المثال مع احترامي وحفظي لأسرار المرضى، فقد ذكرت لك هذا المثال لمجرد أن أوضح لك أن بعض أنواع الصرع ليست من الضروري أن تكون بالصورة المألوفة لدى عامة الناس والتي تظهر في شكل انقباضات وتشنجات ورجفة وهكذا.
وهنالك حقيقة أخرى أن هنالك بعض الناس يُكتشف لديهم بالصدفة حين يتم إجراء تخطيط للدماغ، يكتشف بالصدفة أنه يوجد لديهم نشاط كهربائي زائد، ويرى العلماء أن وجود هذا النشاط الكهربائي الزائد -وحتى إن لم توجد تشنجات واضحة- فهذا دليل كافٍ لأن نعطي هذه المجموعة من المرضى العلاج، وهذا يسميه البعض بالصرع الصامت أو الصرع ما تحت الإكلينيكي، بمعنى أنه لم يصل للدرجة الإكلينيكية الواضحة الكاملة.
أرجع إلى موضوع ابننا هذا – حفظه الله تعالى – وأقول لك: إن إعطاءه العلاج المضاد للتشنجات هو أمر صحيح، والتجرتول (Tegretol) من الأدوية الممتازة والفعالة جدّاً، وحتى إن لم تختف الحركة التي يقوم بها الاختفاء التام فالدواء سوف يُحافظ على خلايا المخ ويجعلها في وضعٍ استقراري، وهذا هو المنشود، ولكن ما دامت الحركات أصبحت متكررة فهذا يجعلني أقول لك: يجب أن ترجع إلى الطبيب حتى يراجع الجرعة ويقارنها مع وزن الطفل، وإذا كان هنالك حاجة لإضافة دواء آخر أو تغيير التجرتول سوف يتخذ الطبيب هذا القرار.
ولديَّ نصيحة أخرى وهي ألا تنزعج مما ذكر لك أنه توجد بعض التشوهات في دماغ الطفل، أرجو ألا تنزعج لذلك لأنه توجد بعض التغيرات التشريحية التي تظهر لدى بعض الناس وتعتبر في النطاق الطبيعي والمقبول، ولمزيدٍ من التأكد أنصح أن يتم إجراء صورة مقطعية للطفل بعد ثلاثة أشهر من الآن، أو يفضل أن تكون هذه الصورة عن طريق الطنين المغناطيسي أو ما يُسميه البعض بـ (الرنين المغناطيسي)؛ لأنه يعتبر أكثر دقة.
أما بالنسبة لتأخر الكلام فلا يُعتبر أمراً مزعجاً حتى سن الرابعة أو الخامسة لدى الأولاد الذكور، وهذا الابن - حفظه الله – بدأ الآن ينطق بعض الكلمات، وهذا أمر مشجع جدّاً، وعليكم بتحفيزه وتدريبه وتشجيعه على الكلام.
أما بالنسبة للمراكز الخاصة لتأهيل الأطفال من أصحاب الاحتياجات الخاصة فأنا شخصياً حقيقة أشجع الناس للذهاب إلى هذه المراكز إذا كانت توجد أي علة، أعلم أن الواحد حين يذهب هناك ربما يحس ببعض الانزعاج؛ لأنه يرى أعداداً من الأطفال يُعانون من علل شديدة مقارنة بالعلة التي يعانيها طفله، وربما يعتقد أن هذا المكان ليس هو المكان المناسب، ولكن الذي أراه دائماً أن الطفل إذا كان لديه علة أو أي نوع من التأخر يفضل حقيقة أن يُعرض على المختص؛ لأن هناك تمارين للتخاطب يقوم بها أخصائي التخاطب، هناك تمارين مختلفة وإرشادية في طريقة التعامل مع الطفل وكيفية تحفيزه من أجل تعديل السلوك.
هذه كلها أمور مفيدة، وأنا لا أقول لك: اذهب بالطفل الآن لهذه المراكز، ولكني لا أريدك أبداً أن تتخذ موقفاً سلبياً منها، حيث إن وضع الطفل إذا لم يتحسن بالصورةٍ المطلوبة فيفضل أن يُذهب به إلى هذه المراكز؛ لأن ذلك سوف يُساعده وقطعاً سوف يساعده.
هذا هو الذي أود أن أقوله لك، وأسأل الله تعالى أن يحفظ لك أولادك وأن يجعلهم قرة عين لك، وبارك الله فيك.
وبالله التوفيق والسداد.