كيفية إيجاد الرفقة الصالحة بعد هجر الرفقة السيئة
2009-03-16 10:49:38 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
لقد عودت نفسي على نوع معين من البشر هم أصدقائي الذين تربيت معهم منذ أن كنت صغيراً.
تغيبت عن البلد لمدة سنتين، وعندما عدت وجدت الناس قد تغيرت إلى الأسوأ، فبعد أن كان المجلس ذكراً لله، تحول المجلس إلى لعب الورق (ما نسميه ورق الشدة أو الكتشينة) والنميمة والفسوق الذي أصبح سيد المجلس، فبمجرد أن يجتمع الأصدقاء تبدأ لعبة الورق والمشاحنات والضغينة وغيرها مما ذكرت.
بدأت أبتعد عن هؤلاء الأشخاص تدريجياً، آخر عمل أعمله هو إرضاء الناس بسخط الله، التفت نحو أسرتي (أنا حالياً متزوج ولدي 3 أطفال ) شيئاً فشيئاً حتى ابتعدت كلياً عنهم لأجد نفسي بلا أصدقاء.
كيف أجد صديقاً يؤنسني ويرشدني إلى صوابي إذا أخطأت، ويكون لي معونة على حوادث الزمان ونوائب الحدثان وعون في السراء والضراء؟
أنا بحاجة لمثل هذا الشخص كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الرجل بلا أخ كشمال بلا يمين.
وقوله تعالى: ((فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ))[الشعراء:100-101] وهذه الآية ذكر لأهل جهنم من شدة الألم وهي العزلة.
المعرفة والصداقة لا تأتي عند الكبر، ولن أعود إلى أصدقائي القدامى لأنني أخاف أن أغضب الله في مجالس سوء لا يذكر فيها اسم الله.
أرجو منكم النصيحة لأنني أعتقد أنكم فهمت استشارتي.
جزاكم الله عنا كل خير.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد أيوب حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله - العلي الأعلى - بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يثبتك على الحق، وأن يوفقك لطاعته ورضاه، وأن يمنَّ عليك بصحبة صالحة تأخذ بيدك إلى الجنة، وأن يجعلك وإياها من الذين يظلون بظله يوم لا ظل إلا ظله.
وبخصوص ما ورد برسالتك - فأقول - بارك الله فيك – قد وفقت إلى الصواب، والله تبارك وتعالى قد شرح صدرك للخير، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يثبتك على ذلك وأن يزيدك من فضله؛ لأنك تعلم أن الصاحب ساحب، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)، وأوصاك صلوات ربي وسلامه عليه بقوله: (لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي).
فنحن مطالبون - أخي الكريم الفاضل - أن نتخير أصدقاءنا كما نتخير زوجاتنا، وكما نتخير طعامنا وشرابنا؛ لأن الصديق الفاسد كالطعام الفاسد، الطعام الفاسد سم يدمر البدن، والصديق الفاسد سم يدمر الدين والأخلاق والقيم، ولذلك وفقك الله تبارك وتعالى للانسحاب من هذه الصحبة التي كانت في يوم من الأيام على خير، ولكنَّ الله تبارك وتعالى شاء بقدرته أن تكون الأمور على غير ما أراد، وهو - سبحانه وتعالى – على كل شيء قدير، وهذه قطعاً عقوبات من الله تبارك وتعالى لهم نتيجة تفريطهم في طاعة الله تعالى.
أما عن رغبتك في البحث عن صديق صالح فإني أقول لك - أخي الحبيب المبارك – : لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف)، وبما أنك حريص على طاعة الله تعالى ولا تريد إرضاء الناس بسخطه فثق وتأكد من أن هناك من هم مثلك وهم كثير ولله الحمد، وبإذن الله تعالى مع الأيام سوف تصل إليهم ويصلون إليك؛ لأنه كما قال العرب: (الطيور على أشكالها تقع)، ولكن المهم أن تظل على شرطك، ولا تقبل صديقاً إلا إذا كان معيناً على طاعة الله تعالى، كما قال الله تبارك وتعالى وهو يحكي لنا قصة موسى عليه السلام: ((وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا))[طه:29-35].
فما عليك إلا أن تلتزم بالإسلام في خاصة نفسك، وأن يروا الناس منك الإسلام العلمي والعملي؛ لأن الإسلام العملي جذاب وهو كالمغناطيس يجذب إليه المعادن، فبالتزامك بدين الله تعالى وتحكيم شرع الله في حياتك سوف يجذب إليك من هم مثلك من أهل الصلاح والتقى؛ لأن المغناطيس لا يجذب إلا المعادن، وهناك معادن أيضاً قد لا يجذبها المغناطيس، فكذلك أيضاً هذا الالتزام الظاهر المطابق للباطن سوف يجعل الله تبارك وتعالى له نورا سيراه من يرغبون في ذلك ولو على بُعد آلاف الأمتار؛ لأن الله تبارك وتعالى جعل القرآن نوراً، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم نوراً، وجعل الصلاة نوراً كما أخبر صلى الله عليه وسلم، فإذن هذا النور الذي أكرمك الله به سوف ينعكس على قلوب الخلق ولن ينجذب إليه إلا من كان في مثل حالتك، ولذلك المسألة مسألة وقت، وأنا لا أريدك أن تبحث بنفسك، ولا أن تتعجل، وإنما تفرغ لأولادك وعيالك الآن واجعلهم أصدقاءك، وحاول أن تنهض بهم، وأن تربيهم كما أردت، وأن تجعل امرأتك صديقة لك بجوار أنها زوجة.
ماذا تريد من صديقك؟ تريد منه صدقاً ووفاءً وأمانة وإخلاصاً، حاول أن تنهض بامرأتك لتصبح لك نعم الصديق، ولذلك كان حبيبك صلى الله عليه وسلم يُثني على خديجة رضي الله تعالى عنها ثناءً عظيماً، لأنها كانت نعم الصديق فعلاً، الصديق في وقت الشدة، الصديق وقت الضيق، فحاول أن تنهض بزوجتك وعيالك ليكونوا أصدقاء لك إذا لم تجد أحداً.
ولكن أقول لك: ثق وتأكد أنه بالتزامك بشرع الله تعالى ورؤية الناس لهذا الالتزام في حياتك الظاهرة سوف يجذب إليك فقط من هو على شاكلتك، وبذلك ستجد الصديق الصدوق الصاحب المعين على طاعة الله الذي تبحث عنه، واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك مصحفاً مكتوباً واحداً، وإنما ترك عشرات الآلاف من النسخ وهي أصحابه رضي الله تعالى عنهم – حيث إنهم كانوا قرآناً يمشي على الأرض، آيات تتحرك بدم ولحم وعظم، صبهم صلى الله عليه وسلم في قالب الإسلام صبّاً فكانوا هم الإسلام وكان الإسلام هم.
فأنا أريدك أن تكون قرآناً يمشي على الأرض، وثق وتأكد من أن الله سيجذب إليك من هو على شاكلتك وستجد ما تريد - بإذن الله تعالى – حتى تكون أنت وهؤلاء أو هذا الشخص في ظل الله تبارك وتعالى يوم لا ظل إلا ظله، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله -ومن هؤلاء- ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه).
إذن أنت لست مطالباً بالبحث لأن الناس عندما يعلمون ببحثك عن ذلك قد يتجمل لك بعض المنافقين، وقد يتظاهر لك بعض المخادعين، فتنخدع فيه، ولكن أترك الأمر، وبإذن الله تعالى سوف يأتيك، كل الذي عليك كما ذكرت أن تكون صورة عملية للإسلام وهذا أولاً. وثانياً - بارك الله فيك – أن تدعو الله تعالى أن يمنَّ عليك بالأخ الصادق الصدوق الصاحب الذي يكون معك في الدنيا ناصحاً ومعيناً وفي الآخرة جليساً وأميناً.
هذا وبالله التوفيق.