رفض الفتاة الزواج لخوفها أن تعيش أمها وحيدة
2009-04-11 20:50:05 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاكم الله خيراً على هذا الموقع الذي إذا ترددت في شيء بعثت إليه طلباً للنصيحة من أناس هم أكثر مني خبرة وعلماً، أما بعد:
أنا فتاة عمري 23 سنة، والدي توفاه الله أثناء دراستي بالثانوية العامة، ونحن في نعمة وستر ولله الحمد، ولدي أخ وأخت، وأنا الأخت الكبرى، ومشكلتي هي أنني في كثير من الأحيان أقول: إنني لا أريد أن أتزوج لأنني لا أريد أن أترك أمي وحدها، خاصة بعد أن رأيت جدتي وهي وحيدة بعد وفاة جدي، وكيف أنها كانت تجلس وليس معها أي أحد من خالاتي أو خالي، وكيف أنها كانت تتألم، ولا أريد لأمي هذه الحال المؤلمة، فأنا على أتم استعداد أن لا أتركها أبداً ولا أتزوج، ولكنها تقول لي: أريد أن أفرح بك وبإخوتك، وأنا لا أريد أن أتركها؛ لأن أمي هي أغلى إنسان عندي، وزاد هذا الإحساس بعد وفاة والدي -رحمه الله -، فماذا أفعل؟!
وجزاكم الله خيراً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Eman حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله - تبارك وتعالى - أن يبارك فيك، وأن يُكثر من أمثالك، وأن يثبتك على الحق، وأن يجزيك خيراً عن برك بوالدتك، وأن يجعلك من سعداء الدنيا والآخرة، وأن يمنَّ عليك بزوج صالح يعينك على إكرام أمك وبرها والإحسان إليها.
وبخصوص ما ورد برسالتك، فإن هذا الشعور الذي عندك شعور نبيل وشعور رائع، وهو إن دل على شيء فإنما يدل على أن الله حباك فطرة طيبة سليمة سوية، وأنك تقدرين فعلاً أصحاب المعروف والذين ضحوا بحياتهم من أجل غيرهم، وتستشعرين مسئوليتك تجاه من كان السبب بعد الله في وجودك ووصولك إلى ما أنت فيه أو ما أنت عليه الآن، وهذا شعور طيب رائع، وهو بلا شك مأجور ولن يضيع عند الله؛ لأن هذه الرحمة التي أودعها الله في قلبك على أمك هي من محبة الله بك، والنبي عليه الصلاة والسلام بشرك بقوله: (الراحمون يرحمهم الرحمن) وبقوله صلى الله عليه وسلم أيضاً: (ارحموا تُرحموا)، وكما ورد أيضاً: (بروا آباءكم تبركم أبناؤكم).
فثقي وتأكدي من أن هذه المشاعر النبيلة الرائعة التي تملأ قلبك، حتى إنك تفكرين في عدم الزواج خوفاً على أمك من الوحدة في المستقبل، اعلمي أن هذه المشاعر سوف تجنين ثمارها بإذن الله في الدنيا والآخرة.
أما قضية الزواج وخوفك فعلاً من ترك الوالدة وحدها، فهذا أمر وارد جدّاً، خاصة لو أنك نظرت أيضاً إلى والدتك هل هي بقيت مع أمها أم أنها انتقلت إلى بيت زوجها وأسست حياتها مع زوجها وأولادها؟
هذه هي سنة الله تعالى في هذه الحياة، لا يدوم أحد لأحد ولا يبقى أحد لأحد، أنت الآن تتكلمين لأنك غير مرتبطة عاطفياً، ولكن يوم أن يتقدم إليك شاب مناسب وأن تبدأ حياتك معه بطريقة مشروعة سوف تشعرين بأن هذه العاطفة بدأت تتجزأ وأنه بدأ يأخذ قسطاً كبيراً منها، وأن نظرتك إلى أمك قد اختلفت تماماً على ما أنت عليه الآن، وقدرت ما كانت تقوله لك.
أنت الآن تعيشين ظروفاً مساعدة ومشجعة على هذا التعلق؛ لأن قلبك ليس متعلقاً بأحد غير والدتك -حفظها الله- الآن، ولكن صدقيني إذا ما طرق باب قلبك الشاب المناسب الذي يرغب في الزواج منك فستشعرين بأن هذه العواطف بدأت تقل، وهذا ليس جحوداً منك ولا إنكاراً لفضل أمك، وليس تمرداً وليس شيئاً سيئاً، وإنما تلك سنة الله التي جعلها في عباده، وفطرة الله التي فطر الناس عليها، ولكن كما ذكرت الآن نتيجة الفراغ الموجود في قلبك فهذه العاطفة تجاه أمك قوية.
ثم هناك حلٌ: ما المانع أنه إذا تقدم إليك أحد أن تشترطي عليه أن تكون أمك معك، أو أن تكوني قريبة منها مثلاً، هذا هو الممكن، فرضاً الآن حالياً بأن والدتك لا ترغب أن تعيش مثلاً مع زوجك وتريد أن تظل مع إخوانك فماذا ستفعلين؟ قطعاً ستخرجين وتتركين البيت إلى بيت زوجك؛ لأن الله تبارك وتعالى خلقك وخلق لك رسالة ووظيفة، ولم يخلقنا لآبائنا وأمهاتنا بمعنى أن نقعد عن الحياة من أجلهم، والدليل على ذلك أن آباءنا وأمهاتنا لم يفعلوا ذلك، وإنما كما ذكرت لك والدتك -حفظها الله- ظلت إلى أن جاءها والدك -رحمه الله تعالى- فانتقلت من بيت أبيها وأمها إلى بيت زوجها، وبدأت حياتها بطريقة طبيعية وأكرمها الله بك وبإخوانك وأخواتك، وأنت سوف تفعلين ذلك، أمك لم تكن جاحدة لأمها ولم تكن مفرطة فيها، ولم تكن منكرة لدورها، وإنما هذه سنة الله في الحياة، فكما ذكرت لك: أحياناً قد تكون الظروف لا تسمح أن تكون أمي معي في بيتي مثلاً كبنت؛ لأن من الممكن أن يكون الرجل يستطيع أن يقول أمي تأتي معي وينفق عليها، وأحياناً أيضاً قد لا يستطيع لأن زوجته لا ترغب في ذلك وتختلق المشاكل وتفتعل المصائب حتى تطرد أمه من البيت، فيجد نفسه أمام موقف صعب، إما أن يتخلى عن زوجته وأولاده أو يتخلى عن أمه، وغالباً ما يحدث -مع الأسف الشديد- أن الناس يتخلون عن الأمهات وأن الأم بنفسها تبدأ تتنحى عن الحياة كلها وتتمنى الموت حتى لا ترى ولدها وهو ممزق، هذه فطرة الله تعالى التي أودعها في الأمهات.
فأتمنى أن تكوني واقعية، وأتمنى أن تتركي هذه الأمور لقدر الله تعالى، وأتمنى أن يمنَّ الله وأن تدعي الله تعالى أن يمنَّ عليك بزوج يكون باراً بك وبأمك وحريصاً على أن يعينك على بر أمك والإحسان إليها، وأن يكرمه الله إذا كان من بيت قريب من بيتكم، فمن الممكن أن تكون الأمور أحسن؛ لأن عندما أقول له: خذ مثلاً حماتك معك قد لا يكون مستريحاً وقد تكون الشقة ضيقة وقد تكون هي أيضاً مقيدة الحرية وقد يكون هو رجلاً ليس من النوع الاجتماعي الذي يهش ويبش ويضحك كلما دخل أو خرج، فتشعر بأنها ثقيلة.
وهذه الأفكار إنما هي أفكار وقتية، وهي ليست واقعية، وإنما الواقعية أن يعيش الناس الحياة طبيعية، فانظري في أمك وجدتك، هل أمك بقيت مع جدتك كما تريدين أنت الآن لا تريدين أن تتزوجي حتى تبقين معها لأنها أغلى إنسان عندك؟! نعم إن أمهاتنا أغلى ما في حياتنا جميعاً، حتى في حياة العاق وحياة غير الواصل أيضاً تأتي الأم في المرتبة الأولى عند الناس جميعاً، وهذه فطرة، ولكن ظروف الحياة صعبة، يعني كما ذكرت قد تكون الشقة التي تسكنين فيها مع زوجك ضيقة، قد لا يرغب زوجك أن تكون أمك معه، قد لا ترغب أمك أن تكون مع زوجك وأن تترك إخوانك وأخواتك، هذه كلها أمور واردة.
فتوجهي إلى الله بالدعاء أن يكرمك الله تعالى بزوجٍ لا يمنعك من بر أمك وصلتها والإحسان إليها، ولكن ثقي وتأكدي سيأتي يوم تكون وحدها أو على الأقل مع ابنٍ من أبنائها أو بنتٍ من بناتها، وأنت تستطيعين بما أن الله منَّ عليك بالدارسات العليا ولعلك أن تكملي دراستك ويكون وضعك طيباً أن تضمي أمك إليك ولو في شقة مجاورة إن لم يكن في بيتك فقريبة منك في المستقبل، وأيضاً أمك قد تحتاج منك مساعدة من نوع آخر، فإذا كانت ظروفها المادية مثلاً صعبة فإذن تقفي معها بكل قوة، من حيث الطعام والنفقة والكسوة والعلاج وغير ذلك، أحياناً قد يكون هذا أولى ألف مرة ومرة من الزيارات التي لا تحل المشكلة.
فاتركي الأمر لأقدار الله تعالى، واستغلي فترة وجودك مع أمك في برها وإكرامها والإحسان إليها، على أقصى ما تستطيعين وإلى أقصى درجة، واتركي المستقبل هذا لله تبارك وتعالى يفعل فيه ما يشاء، ولكن كل الذي عليك أن تفعليه هو الدعاء أن يمنَّ الله عز وجل بشاب صالح يعينك على بر أمك وإكرامها والإحسان إليها، ولا يفرق بينك وبينها، وهذا الذي من الممكن أن تفعليه، واعلمي أن الدعاء ليس أمراً هيناً، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا يرد القضاء إلا الدعاء)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء، فإنه لا يهلك مع الدعاء أحد)، وقال أيضاً: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء)، فاجتهدي وأري الله من نفسك خيراً، وأكرمي أمك فترة وجودك معها إلى أقصى درجة لاحتمال أن تكون ظروفك في المستقبل لا تمكنك من ذلك فتكونين قد أديت شيئاً من الحق الذي لها عليك أو الواجب الذي لها عليك.
نسأل الله أن يجزيك خيراً على هذه العواطف الطيبة، وأن يرزقك ثواب برها وفضل أجر برها، وأن يجعل هذه المحبة في قلوب أبنائك عليك إذا ما كنت في مثل حال أمك، وأن يعينك على التواصل المستمر معها، وأن يعينك على أن تظلي معها إلى ما شاء الله، إنه جواد كريم.
وبالله التوفيق.