عند قراءتي للاستشارات السلوكية أصاب بحالة نفسية..فهل أنا مريضة؟
2008-08-27 12:57:23 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولا: أشكركم وجميع القائمين على هذا الموقع المفيد الذي من خلاله يستفيد الإنسان في أمور كثير في أمر دينه ودنياه.
ثانياً: وعندي ملاحظة على بعض الأسئلة الواردة في موقعكم في الأخلاقيات والسلوكيات، أرى من وجهة نظري أن لا تجيبوا على مثل هذه الأسئلة، وإنني للأسف عندي حب الفضول وحب الاستطلاع فأقرأ بعض هذه الأسئلة للاستفادة أو ربما أفيد غيري ولكن يعلم الله إذا قرأتها أصاب بحالة نفسية أو بنوع من الاكتئاب والخوف والقلق، أكره نفسي وأطرح عليكم سؤالا أريد أعرف لماذا أنا هكذا..؟ هل أنا مريضة؟
علما عندما أدخل في الرمضانيات وأقرأ الفتاوى في هذا الباب وفضل الصيام ينشرح صدري وأجد نفسي فيها، وأكثر من قراءتها للاستفادة.
وجزاكم الله خيرا.
أرجو الرد.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ م.ج حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
جزاء الله خيرًا - أختي الكريمة – على كلماتك الطيبة وعلى ثقتك فيما تقدمه الشبكة الإسلامية.
حقيقة استفسارك وسؤالك هو من الأسئلة الهامة جدًّا، وملاحظتك أيضًا من الملاحظات المعتبرة..
هذا التأثر الذي يحدث لك حين تطلعين على بعض المشاكل والسلوكيات السالبة خاصة في مجال الأخلاق، هذا يدل بالطبع على التوجه الوجداني والعاطفي بالنسبة لك، وحقيقة الناس يختلفون بالطبع في مشاعرهم وفي طريقة قبولهم للأحداث، ومن الواضح أنك ضميرية جدًّا، بمعنى أن القيمة الضميرية مرتفعة لديك، وهذه قيمة من القيم الإنسانية الفاضلة جدًّا، وسرعة التأثر التي تحدث لك تتلاءم وتتواكب تمامًا مع التركيبة النفسية بالنسبة لك.
هذا الموقع قُصد منه أو أحد رسائله الهامة هو أن يتعامل مع مشاكل الناس بكل علمية وبكل مهنية وبكل صدق، ونحن في العيادات التي نمارس فيها مهنة الطب النفسي والإرشاد النفسي والمتعلقة بسلوك الناس وتصرفاتهم نسمع الكثير ونشاهد الكثير مما يصعب على بعض الناس تحمله، ولكن لكل مهنة متطلباتها ولكل مهنة مهاراتها، والذي تعلمتُه حقيقة لممارستي مهنة الطب النفسي والتعامل مع السلوك الإنساني بصفة عامة أن الإنسان عليه أن يكون منفتح الأفق، وعليه أن يستوعب سلوك الآخرين وأن يتفهمه، وأن يعرف تمامًا أن السلوك الإنساني سلوك معقد جدًّا، وفي ذات الوقت على الإنسان ألا يفرض قيمه الخاصة على الآخرين، بمعنى أن الإنسان يمكن أن يدعو الآخرين للخير ويسعى لذلك ولكن سوف يعاني من تصادم نفسي حقيقي إذا حاول أن يفرض قيمه الشخصية أو ما يتمناه من سلوك إنساني على الآخرين.
وأنا حقيقة الذي التمسته أنه حدث لديك نوع من التصادم ما بين ما تحمليه من مُثلٍ وسلوكيات وما تشاهدينه من سلوكيات وأخلاقيات ومُثلٍ مخالفة تمامًا لما تحمليه من مُثلٍ مثالية.
أما بالنسبة لاقتراحك بألا نجب على هذه الأسئلة خاصة التي تحمل الطابع السلبي من ناحية السلوك العام لدى الناس، فمع احترامي الشديد لوجهة نظرك إذا قمنا بذلك ولم نقم بالإجابة على هذه الأسئلة بصورة صحيحة وصادقة نكون حقيقة قد قصَّرنا كثيرًا في أحد الواجبات المنوطة بهذا الموقع، والذي من أجلها قام هذا الموقع، وهو أن نصحح مفاهيم الناس وأن ندعو الناس إلى الخير، وأن نأمر بالمعروف وأن ننهى عن المنكر، وفي ذات الوقت يأتيني الشعور دائمًا أن كل الذين يتراسلون أو يواصلون أو يتصلون مع هذا الموقع هم في الأصل أناس فيهم الكثير من الخير، وقد يكون الشر سيطر عليهم في وقت من الأوقات ولكنهم يبحثون عن وسائل للخروج مما وقعوا فيه من أخطاء وسلوكيات قد تكون مؤلمة جدًّا على الإنسان العادي.
إذن من واجب هذا الموقع ومن الأهداف الذي أُنشأ من أجلها أن يساعد الناس على التمسك بمكارم الأخلاق، وأن يُشرح لهم مشاكلهم بصورة علمية، وأن يقوم الموقع بالردود المعقولة حسب اجتهادات المختصين، ومع ذلك فما نقدمه من آراء ليس من الضروري أن تكون دائمًا هي صحيحة، ولكن دائمًا هي في نطاق الاجتهاد وفي نطاق ما يعرفه المختصون من علوم الدين وعلوم الدنيا.
أود أن أنصحك بألا تأخذي كل ما تطلعين عليه أخذًا شخصيًا، فإن هذا سلوك قد يتمتع به إنسان آخر وهذا السلوك قد يكون سلوكًا سيئًا ومرفوضًا بكل المقاييس، لكن العالم ليس كله خير، فهنالك الكثير من الشر، وهنالك الكثير من الانحرافات، وأرى أن الإنسان حين يطلع على هذه المشاكل وهذه الصعوبات سوف تجعله يتمسك أكثر بقيمه الإسلامية وبأخلاقه السمحة المستقيمة، وفي ذات الوقت سوف يدعو الآخرين إلى فضائل الأعمال وإلى مكارم الأخلاق وإلى السلوك الصحيح، وفي نفس الوقت الاطلاع على هذه المشاكل السلوكية والأخلاقية سوف يجنب الكثير من الأسر المهالك والمخاطر التي قد يقع فيها أطفالهم وأبناؤهم.
دائمًا أقول - حتى لأبنائي -: عليكم أن تعرفوا الوجه القبيح والسيء في الحياة؛ وذلك من أجل تجنبه والابتعاد عنه، وهذا موجود عند الصحابة، فقد ورد أن حذيفة- رضي الله عنه – أنه قال: (كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم – عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني) فإن هذا أمر تربوي ضروري جدًّا.
حتى الكلمات والألفاظ السيئة التي قد تستعمل من بعض الأطفال في المدارس وفي التجمعات علينا أن نجعل أبناءنا يدركوا هذه الكلمات، وبعد ذلك نشرح لهم بلغة جميلة وبأسلوب حسن ماذا تعني هذه الألفاظ وهذه الكلمات السيئة وهذا التصرفات المشينة.
إذن العلم بما هو سيء يساعد كثيرًا على الابتعاد عنه وتجنبه وإسداء النصح للآخرين.
أما بالنسبة لارتياحك حين تقرئين بعض الفتوى وتطلعين على بعض الأمور العقدية والرمضانيات وفي فضل الصيام ينشرح صدرك لذلك، فإن هذا أمر عظيم وأمر إيجابي جدًّا وهذا يدل على الخيرية التي تتسم بها شخصيتك.
أسأل الله تعالى أن يزيدك في ذلك، وأنا سعيد جدًّا أن أسمع مثل هذا الكلام الطيب، لأن هذا يدل على مدى إخلاصك في عملك وإخلاصك في عباداتك.
أنت تتحدثين عن ظاهرة إيجابية ومنطقية، فقلب المؤمن يجب أن ينشرح ويجب أن يكون مفعمًا بالأمل وراحة البال حين يسمع أي حديث عن الإيمان أو أي حديث عن العقيدة.
أنت - إن شاء الله تعالى – بخير وتخوفك مما هو سيء أيضًا هو دليل على هذه الخيرية، كما ذكر في الحديث عن معاذ - رضي الله عنه – (وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني).
جزاك الله خيرًا وأشكرك جزيل الشكر على هذه الرسالة وعلى ملاحظاتك الطيبة، وأؤكد لك أنك لست بمريضة نفسية، أبدًا والحالة التي تأتيك هي مشاعر إنسانية وليست أكثر من ذلك.
وبالله التوفيق.