التوبة من الكبائر
2008-11-06 11:32:37 | إسلام ويب
السؤال:
بعد سلام بكل صدق وبقلب حائر. أنا عاق لوالدي، سماع للأغاني، ومشاهد للأفلام الإباحية، تارك للصلاة. أورد أن أتوب. هذه ذنوب جعلتني أفشل في دراستي، وأنا أخاف أسقط في حب الفتيات في المعهد.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يفرج كربتك، وأن يقضي حاجتك، وأن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يتجاوز عن سيئاتك، وأن يعينك على بر والديك، وأن يرزقك رضاهما ودعاؤهما، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد في رسالتك أخي الكريم الفاضل!: فإنك ذكرت مجموعة من المعاصي هي مع الأسف الشديد كلها من الكبائر، وإن كان سماع الأغاني فيه ما فيه، إلا أنها كلها معاصٍ مهلكة، خاصة عقوق الوالدين، وإني أتصور أن عقوق الوالدين ترتب عليه هذه المعاصي كلها؛ لأن العاق لوالديه يضرب أعظم قاعدة من قواعد نفسه، وهي قاعدة أصله، عندما يتمرد على أبيه وأمه، ويخالف كلامهما كأنه يصبح من السهل عليه أن يتمرد على أي أوامر، حتى وإن كان كلام الله تعالى وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم، فسبب هذه المشاكل كلها إنما هو عقوق الوالدين.
أما عن كيفية التوبة من هذه الذنوب كلها، فحقيقة هذه الذنوب ذنوب شخصية، بمعنى: أنك فعلتها وحدك، فعقوق الوالدين أنت الذي قمت به وحدك، وكذلك سماع الأغاني، ومشاهدة الأفلام، وترك الصلاة، كلها ذنوب ذاتية، وقعت أنت فيها بنفسك بمحض إرادتك واختيارك غالباً، ولذلك لا يمكن التوبة منها إلا من خلالك أنت، فعليٌ هو الذي ينقذ عليّاً. فلا تنتظر علاجاً يأتيك من الخارج؛ لأن المعاصي كلها معاصٍ ذاتية بإرادتك ورغبة خاصة، ولذلك أقول: أنت الوحيد القادر على علاج نفسك، بأخذ القرار بالتوقف عن هذه المعاصي الآن وفوراً. هذه أول خطوة. فهذه المعاصي إلى متى؟ وإلى متى وأنا عاق لوالديَّ؟ وإلى متى وأنا أسمع الأغاني؟ وإلى متى وأنا أشاهد الأفلام؟ وإلى متى وأنا أترك الصلاة؟
هذه كلها إنما هي أمور ينبغي حسمها بقرار شجاع وجريء منك، فتأخذ قراراً بأن هذه المسائل كلها لابد أن تتوقف وبغير رجعة ولا تردد؛ لأن هذا القرار لو قلت لك: تدرجاً قد لا تستطيع، وقد تظل على المعصية إلى ما شاء الله تعالى، ولكن لو أنك رجل تريد فعلاً أن تتوب توبة نصوحاً صادقة فخذ قراراً الآن، فموضوع الوالدين تبدأ بارك الله فيك في الاعتذار لهما، تدخل على الوالد أو الوالدة وتبدأ في تقبيل رأسه وفي تقبيل يده، وإن استطعت أن تقبل قدمه فافعل، ثم بعد ذلك اطلب منهما السماح، واطلب منهما الدعاء لك بالهداية، وارتم في أحضان أمك وأبيك.
فحاول، وقد يكون الأمر غريباً بالنسبة لك؛ لأنك لم تتعود عليه، ولكنه ليس مستحيلاً، فهو ممكن إن شاء الله تعالى، فحاول أن ترتمي في أحضان أمك وأن تقول لها: أسألك الدعاء، فأنا أحتاج إلى دعائك يا أمي! حتى يصلحني الله تعالى. كذلك والدك إذا كان والدك ممن عققتهم، فاجتهد بارك الله فيك في ذلك.
وإذا كانت عندك أشرطة أغانٍ فتخلص منها فوراً، وفي أي مكان من الأماكن ارمها ولو في بالوعة مجاري أجلَّك الله؛ حتى لا تفكر في العودة إليها، أو تحت عجلات سيارتك، حتى تنتهي منها نائياً، وقل: لا أغاني بعد اليوم، وكذلك راديو السيارة اجعله على قناة أخرى كالقرآن الكريم أو غيره. المهم لا أغاني.
والأفلام الإباحية أنت الذي تجلس أمامها، وأنت الذي تفتحها، فإذن: لا تجلس أمامها، وإذا كنت تجلس وحدك في غرفة وهذه الخلوة تجعل الشيطان يستحوذ عليك فاجعل باب الغرفة مفتوحاً؛ حتى لا تضعف، أو أخرج الجهاز إلى الصالة؛ حتى يكون تحت نظر كل من معك من أفراد الأسرة، المهم ألا تخلو وحدك بالجهاز، حتى وإن كنت ستدخل على المواقع المفيدة والنافعة؛ لأن هذا سيسول لك، خاصة وأن الشيطان الذي معك شيطان مارد؛ لأنه أوقعك في كبائر الذنوب، عقوق الوالدين، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يدخل الجنة عاق). وسماع الأغاني ومزمار الشيطان، ومشاهدة الأفلام، فهذه معاصٍ، وترك الصلاة من أكبر الكبائر أيضاً.
إذن: أنت وقعت في معاصٍ كثيرة، والشيطان الذي عندك شيطان قوي؛ لأنه استطاع أن يفسد عليك دينك ودنياك معاً.
إذن: أقول: بارك الله فيك بالنسبة لمشاهدة الأفلام وسماع الأغاني لا تحاول أن تشغل الجهاز الكمبيوتر أو غيره وأنت وحدك، وإنما ما دمت تعلم أنك ستضعف أخرج الجهاز في الصالة أمام إخوانك وأخواتك أو أمام أي أحد؛ لأنك قطعاً تستحي أن يراك أحد وأنت تنظر لهذه الأشياء الإباحية المحرمة. وفي هذه الحالة هذه بداية، فأخرجه واجعله في مكان بعيد تماماً، ولا تدخل عليه في الأوقات المتأخرة من الليل؛ لأنه غالباً في الأوقات المتأخرة من الليل يكون كل الناس نياماً وتكون أنت مطمئناً أنه لن يراك أحد، فيأتي الشيطان ليسول لك وليزين لك.
ولذلك أقول: بارك الله فيك لا تفتح الجهاز إلا في النهار، وقرر جاداً بإغلاقه ليلاً، وإذا فتحته ليلاً يكون بحضور آخرين معك، ولا تفتحه وحدك ليلاً أو نهاراً؛ حتى لا يستحوذ عليك الشيطان. والمحافظة على الصلاة بارك الله فيك، حاول أن تغتسل وتنظف نفسك وتوجه إلى المسجد، وخذ قراراً، وقل: لن أترك الصلاة بعد ذلك أبداً. ومن الممكن أن تستعين بوالدك يتصل بك؛ لتذكيرك بالصلاة، أو أحد أصدقائك المقربين منك قل له: رجاءً عندما تسمع المؤذن اتصل عليَّ، حتى يحركك؛ لأن الشيطان أحياناً قد يضرب على سمعك، فلا تسمع الأذان وهو قريب منك، ولذلك أيضاً من الممكن أن تستعين بأحد يعينك على هذا الأمر، فمثلاً بعض الناس إذا كان عزيزاً عليك فقل له: رجاء كلما تأتي الصلاة حاول تمر عليَّ؛ حتى تعان في الأول حتى تكسر الحاجز النفسي، وتبدأ تتوجه إلى المسجد للمحافظة على الصلاة في جماعة.
وهناك أمر آخر مهم جدّاً بجوار هذه الخطوة العملية، وهو الدعاء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا: (إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء). وأخبرنا صلوات ربي وسلامه عليه بقوله: (لا يرد القضاء إلا الدعاء). فأتمنى أن تتوجه إلى الله بالدعاء بقوة وإلحاح على الله أن يغفر الله لك ذنبك في حق والديك، وأن يغفر لك ذنوبك الأخرى، وأن يعينك على التخلص منها نهائياً. واطلب من والدتك أن تدعو لك، واطلب من والدك أن يدعو لك، واجتهد في إكرامهما؛ حتى لا يتوقفا عن الدعاء لك؛ لأن دعاء الوالد لولده لا يرد، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن)، وذكر منهن: (دعوة الوالد لولده). والوالد هنا بمعنى الأب والأم.
إذن: هذه مستجابة لا شك فيها، فبعد أن تصالح والديك وتعتذر لهما إن شاء الله تعالى تحاول تسألهما الدعاء، واجتهد بارك الله فيك إن طلبا منك شيئاً تستطيعه فنفذ فوراً ولا تتردد، وإن كان الأمر لا تستطيعه فاطلب منهما مهلة؛ حتى تستطيع بإذن الله تعالى ولا ترفع صوتك عليهما؛ لأن رفع الصوت هذا من العقوق، ولا تناديهما باسمهما، فهذا من العقوق.
فاجتهد الإحسان إليهما غاية الإحسان، وتجتهد بارك الله فيك في التوقف، وأهم شيء قرار التوقف، وابحث لك عن صحبة تعينك على طاعة الله تعالى، وقد يكون عندك فراغ قطعاً؛ لأن هذه الأشياء تحتاج إلى عوض أو بديل، والعوض والبديل ما رأيك لو أن الله منَّ عليك وبدأت مثلاً في حفظ ولو كل يوم آية من القرآن الكريم، أو كل يوم حديثاً من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام، أو المشاركة في بعض النوادي الرياضية التي مثلاً تهتم بالجسد أو بالبدن أو بالعقل، والمشاركة مثلاً في بعض الأعمال الخيرية التطوعية، المهم أن وقت الفراغ الذي عندك هذا تحاول إذا كان موجوداً أن تستغله في عمل نافع ومفيد وهادف؛ لأنك بذلك بإذن الله تعالى سوف تقضي على الفراغ الذي يكون سبباً في وقوعك في المعصية.
وكما ذكرت لك أهم شيء هو أن تخرج الجهاز من غرفتك، وألا تدخل عليه أبداً، وأنا أعلم أنك ستعاني في أول الأمر معاناة شديدة؛ لأن الأمر ليس سهلاً، والشيطان لن يتركك وحدك لتكون صحابياً ما بين ليلة وأخرى، أو عشية وضحاها، وإنما سيضع مئات العراقيل والعقبات في طريقك؛ حتى لا تتوب ولا ترجع إلى الله تعالى. فلا تتردد حتى وإن تبت من بعض المعاصي وما زالت بعض المعاصي الأخرى موجودة، ولكن حاول. وأهم شيء إنما هو عقوق الوالدين وعدم مشاهدة الأفلام وعدم سماع الأغاني وعدم ترك الصلاة، فحافظ على الصلاة أولاً، وبر الوالدين وعدم عقوقهما ثانياً، وعدم مشاهدة الأفلام ثالثاً، والأغاني رابعاً، وبالتدرج، يعني: تبدأ أولاً بالصلاة؛ لأن الصلاة ربنا سبحانه وتعالى يجعلها نوراً ورحمة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (والصلاة نور). فينور الله قلبك بالمحافظة على الصلاة، وبر الوالدين ودعوات الأب والأم لك ستجعلك ما شاء الله، المهم لو أنك سوف تتدرج، ولكن أنا أتمنى أن تأخذ قراراً في كل شيء مرة واحدة ولا تتراجع، وخذ كما ذكرت لك بالأسباب، قرار التوقف النهائي، والبحث عن صحبة صالحة، ووضع برنامج جديد في حياتك، والاهتمام بمذاكرتك.
أقول: بارك الله فيك: أتمنى أن تأخذ قراراً بالتوقف عن المعاصي كلها، وأن تبدأ في تطبيق البرنامج الذي ذكرته لك، وحاول إذا كانت المسألة صعبة كما ذكرت لك، فابدأ بأكابر الذنوب قبل صغارها، وأنا كنت أتمنى شخصياً كما ذكرت لك سابقاً أن تغلق الباب عن كل هذه المعاصي وتلك الذنوب مرة واحدة؛ حتى لا يرجع لك الشيطان.
وابحث لك عن صحبة صالحة كما ذكرت، واجتهد، وحاول أن تضع لنفسك هدفاً في دراستك. لماذا لا تضع أمامك أن تكون الأول على دفعتك؟ حاول أن تضع هدفاً، وضع هدفاً كبيراً أمامك؛ لأنه كما قالوا:
إذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجساد
فضع أمام نفسك هدفاً كبيراً تصل إليه، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى؛ فإنه أعلى الجنة). فإذن: الفردوس أعلى درجة في الجنة، فاجتهد في أن تضع أمامك هدفاً كبيراً كهذا، لأن هذا ما علمنا إياه النبي عليه الصلاة والسلام حتى وإن فاتت الفردوس كان الإنسان من الممكن أن يكون في جنة المأوى أو في جنة عدن أو غيرها من الجنان الكبار، وأما أن يقول الإنسان: أتمنى أن أنجح فقط فهذه مسألة قد يترتب عليها عدم النجاح بالكلية، فضع أمامك كما ذكرت لك هدفاً كبيراً، وأن تذاكر وأن تخطط لمذاكرتك، وأن تضع برنامج مذاكرة جيد، وأن تراجع دروسك يومياً، وحاول أن تقرأ الدروس قبل أن تذهب إلى المعهد؛ حتى تكون لديك خلفية عن الدروس التي سيتم شرحها، وعندما ترجع من المعهد حاول أن تذاكر دروسك أولاً بأول، ولا تؤخر ولا تسوف، ولا تترك عمل اليوم إلى الغد؛ لأن الغد له أعمال أخرى يحتاجها، ونظم وقتك، وعد إلى الله تعالى، وأكثر من التوبة والاستغفار، واحرص على أذكار الصباح والمساء، وأكثر من الاستغفار قائلاً: أستغفر الله! أستغفر الله!، أو: (أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه). وحافظ على دعاء سيد الاستغفار صباحاً مرة ومساءً مرة، كما ورد في كلام النبي عليه الصلاة والسلام.
واجتهد بارك الله فيك بأن تستبدل الأغاني بسماع القرآن الكريم، فضع شريط قرآن كريم في السيارة، وحاول أن تسمع في بيتك! حتى تبدد ظلمات المعاصي التي وقعت فيها، وحتى تقضي على سموم الشيطان التي ملأ بها حياتك، وملأ بها بيتك، وتوجه إلى الله بالدعاء كما ذكرت لك.
وأنا واثق من أنك لو فعلت ذلك سوف تكون رائعاً، وسوف تخرج من هذه على خير. والتوبة كما هو معلوم إنما هي الإقلاع عن الذنب، فلن تكون تائباً إلا إذا توقفت عن الذنوب يقيناً، والندم على فعلها، فتندم على أنك كيف فعلت هذه المعاصي، وعقد العزم على ألا ترجع إليها أبداً. هذه أركان التوبة من حقوق الله تعالى. فاجتهد بارك الله فيك، وأنا واثق أن الله سيقبل منك ما دمت قد تبت توبة صادقة نصوحاً، ولكن أتمنى كما ذكرت لك أن تهتم بهذا البرنامج؛ حتى تخرج من هذا الوضع الذي أنت فيه إلى الوضع الذي تتمنى أن تكون عليه، والذي ينبغي أن تكون عليه مسلماً صالحاً متميزاً متفوقاً.
هذا وبالله التوفيق.