توجيهات لفتاة تعاني تدخل أمها في حياتها وتحقير أعمالها
2009-01-16 21:06:00 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة ملتزمة أبلغ من العمر 25 عاماً، تعاملني أمي معاملة جافة، وتتدخل في كل شيء يخص حياتي، وأنا من النوع الحساس، فعندما تبدي لي استياءها من أي تصرف أقوم به أحزن ولا أستمر فيما أقوم به حتى ولو كان يسعدني.
كما أنها كثيرة الغضب ودائماً تقول: إني لا أصلح لأي شيء، رغم أني متفوقة في الدراسة، وتخرجت بمعدل عال من الجامعة، وإذا رأتني أقوم بشيء فإنها تبحث عن أي شيء لكي تجعلني أترك ما أقوم به.
علماً بأني لا أكرهها ولا أريد أن أخالف ديني في معاملتي لها، ولكني أريد منها أن تعاملني بطريقة جيدة، وقد حاولت جاهدة أن أُظهر لها أن تعاملها معي يتعبني، ولكنها تصر على ما تفعل أكثر، حتى إني أصبحت مكتئبة من هذا التعامل، وأصبحت حياتي لا طعم لها، وليس لدي ثقة في نفسي، وفقدت الرغبة في كل شيء، فساعدوني.
وجزاكم الله خيراً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ مها حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يفرج كربتك وأن يقضي حاجتك، وأن يجعل لك من لدنه وليّاً ونصيراً، وأن يصلح ما بينك وبين أمك، وأن يرزقك زوجاً صالحاً ينتشلك من هذا الواقع، ويكون عوناً لك على طاعته ورضاه.
وبخصوص ما ورد برسالتك فأظن أن أمك ضحية تربية غير مرشدة منذ أن كانت في صغرها، فبعض البيوت أحياناً يغلب عليها هذا النوع من الجفاف والشدة، فتكتسب الأم هذه الصفات أو يكتسب الأب هذه الصفات من الأسرة وهو صغير، وتنمو معه وتصبح جزءاً من مكوناته الشخصية، رغم أنه قد يحاول أن يتخلص منها، إلا أنه في أحايين كثيرة لا يستطيع ذلك، لكونها أصبحت جزءا من مكوناته الشخصية.
وأتصور أن والدتك كذلك، خاصة إذا كانت هذه معاملتها مع كل إخوانك، وقد تكون أيضاً هذه المعاملة خاصة لك باعتبار أنك تقدم بك السن، فهي تشعر بأنك لا دور لك في الحياة، ونتيجة التربية الخاطئة والفهم القاصر تشعر تجاهك بنوع معين من الحساسية رغم أنك لا دخل لك في قضية العمل أو الزواج.
فينبغي أن تعلمي أن مثل هذه السلوكيات من الصعب تغييرها؛ لأنها اعتادت مثل ذلك طوال حياتها، وكثيرٌ منا اكتسب بعض الصفات غير الحسنة من الأسرة ويحاول أن يتخلص منها، وقد ينجح في العموم، أما في لحظة الغضب فإنه يرجع إلى المرحلة الأولى، وكذلك في لحظة الخصومة أو النزاع أو الغربة والبعد عن الأوطان ونحو ذلك، ففي هذه المواطن المعينة تظهر الأصول التربوية التي تلقيناها، رغم أننا نحاول قدر الاستطاعة أن نتغلب عليها وأن نتخلص منها وألا نجعلها ظاهرة.
ولذلك ليس أمامك إلا أن تخبريها بأن هذه المعاملة لا تستريحين لها، ومن الممكن أن تستعيني بوالدك إذا لم تستطيعي أن تقنعيها بأن ما تفعله معك يثير عندك الحساسية والألم الشديد، فواجهيها بأدب ولطف، وأنت تعرفين أن مقام الأمومة في الإسلام مقام عظيم، فابدئي معها خطوة خطوة وقولي لها: أريد أن تبيني لي ما هو الخطأ الذي أقع فيه حتى تعامليني هذه المعاملة؟! واذكري لها الأشياء التي تفعلينها تماماً، وهذه المصارحة قد تؤدي إلى نقل صورة واضحة إلى أمك عن مشاعرك التي تعانين منها أنت الآن.
وإذا لم تستطيعي ذلك مباشرة فمن الممكن أن تعرضي الأمر على الوالد وأن تطلبي رأيه في هذا الأمر، لاحتمال أنه يتكلم مع أمك بعيداً عنك، وغالباً هذا هو الذي يحدث، وقد يكلمها أمامك حتى يهدئ من هذه الثورة ويقلل من هذه الحدة.
وعليك بالصبر لأنك لن تستطيعي أن تجبري أمك على شيء ولا أن تطلبي منها شيئاً إلا إذا كان لديها استعداد للتغيير، والله تبارك وتعالى جعل الصبر وسيلة إيجابية من وسائل التغيير وليس وسيلة سلبية، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً)، وأخبر الله تعالى بقوله: (( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ))[الزمر:10].
وأنصحك بالدعاء لها أن يصلح الله ما بينك وبينها، وأن يذهب عنها هذه الشدة وهذه الحدة وهذه الرغبة الدائمة في التدخل في أمورك الشخصية، والدعاء أيضاً من الوسائل الإيجابية، كما أخبر الله تعالى عندما قال: (( أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ))[البقرة:186]، وكما أخبر الله أيضاً بأنه استجاب لدعاء كثير من الخلق، بدءاً من إبليس ومروراً بالصالحين وانتهاء بالأنبياء عليهم صلوات ربي وسلامه، فعليك بالدعاء لها، والإلحاح على الله أن يصلح الله ما بينك وبينها.
وحاولي أيضاً أن تقدمي لها بعض الهدايا أو أن تتعاملي معها بطريقة أخرى، وأن تدخلي على قلبها شيئاً من السرور أو تغيري في نمط سلوكك وحياتك؛ لاحتمال أن يكون هذا أيضاً دافعا لأن تتغير معك.
وأرى أن الدعاء والاجتهاد فيه مع الصبر من أهم العوامل التي تحدث التغيير، حتى وإن كان التغيير بطيئاً أو بعد فترة طويلة، إلا أنه سوف يحدث بإذن الله، وإذا لم تكوني قد تزوجت فسلي الله تعالى أن يمنَّ عليك بزوج صالح، نسأل الله أن يعينك على أن تكوني زوجة فاضلة وأمّاً صالحة تتحاشين هذه الأخطاء التربوية وتربين أبناءك تربية تسرك في الدنيا والآخرة.
وبالله التوفيق.