الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معنى الذرة والخردلة، وبيان عِظم الجنة بالنسبة للسموات والأرض

السؤال

من المعلوم أن الجنة أكبر من السموات السبع ومن فيهن، وقد رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنه قَالَ: مَا السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرَضُونَ السَّبْعُ فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ إِلاَّ كَخَرْدَلَةٍ فِي يَدِ أَحَدِكُمْ. ولدي عدة أسئلة عن القول السابق: ما المقصود بالخردلة؟ هل هي الذرة الصغيرة؟ وإن كانت الذرة فأي ذرة؟ أي: هل هي الحشرة التي هي أصغر من النملة أم هي الذرة التي تُدْرس في المصطلحات العلمية - كالفيزياء والكيمياء ونحوهما -؟ وهل الجنة عند الله - عز وجل - مثل السموات السبع ومن فيهن؟ أي: هل تعتبر صغيرة في كف الرحمن كحبة خردل؟ وهل قول ابن عباس - رضي الله عنه - حديثٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ وما صحته؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فأما ما سألت عنه من معنى الخردلة: فالخردلة: واحدة الخردل, وهو نبات معروف، قال في المعجم الوسيط: (الخردل) نبات عشبي حريف, من الفصيلة الصليبية, ينبت في الحقول وعلى حواشي الطرق, تستعمل بزوره في الطب, ومنه بزور يتبل بها الطعام, الواحدة خردلة, ويقال: ما عندي من كذا خردلة شيء, ويضرب به المثل في الصغر.

ووزن الخردلة: أربعة أضعاف الذرة, أو ربع السمسمة، قال في الفتح: والذرة النملة الصغيرة, ويقال: واحدة الهباء, والذرة يقال زنتها ربع ورقة نخالة, وورقة النخالة وزن ربع خردلة, وزنة الخردلة ربع سمسمة, ويقال الذرة: لا وزن لها, وإن شخصًا ترك رغيفًا حتى علاه الذر فوزنه فلم يزد شيئًا.

وقال أيضًا: ومعنى الذرة, قيل هي: أقل الأشياء الموزونة, وقيل: هي الهباء الذي يظهر في شعاع الشمس مثل رؤوس الإبر, وقيل: هي النملة الصغيرة, ويروى عن بن عباس أنه قال: إذا وضعت كفك في التراب, ثم نفضتها فالساقط هو الذر, ويقال: إن أربع ذرات وزن خردلة.

وبهذا تعلم التغاير بين معنى الذرة والخردلة, وتدرك المعنى المقصود من كل منهما.

وأما ما سألت عنه من أمر الجنة: فاعلم أن المقصود بما ورد في شأن السموات والأرض هو بيان عظمة الخالق بالنسبة للمخلوق, وهذا أمر تشترك فيه سائر المخلوقات, فالجنة وغيرها في ذلك سواء، ففي مصنف ابن أبي شيبة: عن وهب بن منبه، قال: ما الخلق في قبضة الله إلا كخردلة هاهنا من أحدكم.

وللفائدة: فالذي عليه ابن عباس - وعليه جمهور العلماء - أن الجنة أكبر من السموات والأرض، قال ابن عباس: تقرن السموات والأرضون بعضها إلى بعض كما تبسط الثياب، فذلك عرض الجنة, ولا يعلم طولها إلا الله سبحانه.

قال الثعالبي بعدما ساق بعض الأدلة التي تنصر هذا المذهب: فهذا كله يقوي قول ابن عباس، وهو قول الجمهور: إن الجنة أكبر من هذه المخلوقات المذكورة، وهي ممتدة على السماء حيث شاء الله تعالى، وذلك لا ينكر.

وأما سألت عنه من أمر الأثر المذكور: فهو موقوف على ابن عباس - رضي الله عنهما - وليس مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أخرجه الطبري في تفسيره, وعبد الله بن أحمد في السنة, ولفظ الطبري: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثني أبي, عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس، قال: ما السموات السبع والأرضون السبع في يد الله إلا كخردلة في يد أحدكم.

وأما عن درجته فلم نجد من نقده أو بسط القول فيه بما يكفي, وظاهر كلامهم قبوله، فقد قال عنه شيخ الإسلام: وهذا الأثر وأمثاله معروف في كتب الحديث.

وفي القول المفيد: أخرجه: ابن جرير, وفي إسناده عمرو بن مالك النكري, قال ابن حجر في تهذيب التهذيب: ذكره ابن حبان في الثقات.

وقال الشيخ سليمان بن عبد الله في إبطال التنديد: وهذا الإسناد في نقدي صحيح.

وقال الأسمري في تحقيق تفسير ابن أبي العز: أخرجه الإمام الطبري في جامع البيان بنحوه، بإسناد حسن ظاهره الاتصال.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني