الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التأويل الصحيح لمقولة: (حيثما تكون المصلحة، فثم شرع الله)

السؤال

1.ما أصل مقولة: (حيثما تكون المصلحة، فثم شرع الله)
2.هل هي مصدر تشريعي أم قاعدة شرعية أم أم أم ...
3.وهل تجيز هذه المقولة مخالفة أمر شرعي ؟؟؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فالمقولة المشار إليها، يذكرها بعض العلماء من باب الإشارة إلى أن الشرع جاء بجلب المصالح، وأن الشريعة وضعت لمصلحة العباد في العاجل والآجل معا، فإذا وجدت مصلحة متحققة معتبرة شرعا، فإن الشرع جاء بتحصيلها. ولعل أعظم من تناول هذه المسألة الإمام الشاطبي- رحمه الله تعالى- في كتابه الموافقات, ولكن استخدمت تلك العبارة من قبل كثير من الجهلة وأهل الأهواء؛ كالعلمانيين وغيرهم ووضعوها في غير الموضع الذي عناه بها العلماء، واستغلوها في رد النصوص الشرعية المخالفة لهواهم وردوا كونها من الشرع بحجة أنها تتعارض مع المصلحة، وأنه حيثما كانت المصلحة فثم شرع الله !! , ومن ذلك أنهم استحلوا الربا بحجة أن فيه مصلحة للاقتصاد، وردوا النصوص الشرعية الدالة على تحريمه إما ردا صريحا، أو بتأويلها، أو بتخصيصها بالأزمان المتقدمة, واستحلوا كثيرا من البيوع المحرمة بحجة وجود المصلحة فيها، ولم يعبؤوا بما فيها من مخالفات شرعية تقضي ببطلان عقدها, وغير ذلك كثير؛ ولذا صار بعض أهل العلم يقولون: حيثما وجد شرع الله فثم المصلحة.

قال الشيخ يوسف القرضاوي: أما العبارة التي تتردد على كثير من الألسنة والأقلام اليوم، والتي تقول: "حيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله" فلا تؤخذ على إطلاقها، وإنما تقبل فيما لم يحكم فيه نص صحيح صريح، وهذا هو مجال المصلحة التي عرفت لدى الأصوليين بـ "المصلحة المرسلة" وهي التي لم يرد نص شرعي خاص باعتبارها ولا بإلغائها، وقد اشترط للعمل بهذه المصلحة شروطا، أولها وأهمها: ألا تعارض نصا محكما، ولا قاعدة قطعية، وإلا كانت مهدرة ملغاة.

ومن هنا تكون المصلحة المصادمة للنصوص القرآنية، أو النبوية، مصلحة ملغاة ومهدرة؛ لأن النص هو الواجب الاتباع، وهو المتعبد به، كما قال تعالى: (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء) [سورة الأعراف:3] (وإن تطيعوه تهتدوا) [سورة النور:54] (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) [سورة النور:63] والواقع أن المصلحة المصادمة للنصوص، لا تكون ـ عند التأمل العميق، والتحليل الدقيق ـ مصلحة حقيقية، بل هي مصلحة موهومة، زينها لصاحبها القصور، أو الغفلة أو الهوى، أو التقليد للآخرين ... اهــ.
وقال أيضا: وإذا كان بعض الناس يقول: حيث توجد المصلحة فثم شرع الله، فهذا صحيح فيما سكت عنه الشارع، وتركه لاجتهادنا وعقولنا. أما فيما عدا ذلك فالصواب أن نقول: حيث يوجد شرع الله فثم المصلحة. اهــ.

ومثله قول الشيخ سفر الحوالي: قال بعض العلماء: حيثما كانت المصلحة فثم شرع الله، وليس معنى هذا أن يتلاعب بالدين باسم المصلحة، فما نص الشرع على تحريمه فهو مفسدة لا مصلحة فيه بحال، لكن المراد بهذا ما كان من الأمور المتغيرة المتجددة الحادثة، واجتهد من له الحق في الاجتهاد أن في ذلك مصلحة فثم شرع الله. اهــ.

ويمكن للأخ السائل أيضا الاستزادة حول هذه المقولة والمقصود بها، وضوابطها بالرجوع إلى ما كتبه الشيخ مشهور حسن سلمان في مقدمة تحقيقه لكتاب الموافقات للشاطبي، حيث استطرد في بيان مقصود الإمام الشاطبي بتلك المقولة، وكيف استغلها من لا علم عنده في رد كثير من الأحكام الشرعية .
والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني