الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حدود طاعة الوالدين المشركين، وهل تتزوج الفتاة دون إذنهما

السؤال

أعرف فتاة مسلمة أبواها مشركان فهل يجوز لها أن تطيع أبويها؟ وهل يجوز أن تتزوج فتى مسلماً بدون إذنهم ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فقد قال الله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ* وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [لقمان:14-15].
وقد قال ابن عطية في تفسيره: وقوله تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاك ، روي أن هاتين الآيتين نزلتا في شأن سعد بن أبي وقاص، وذلك أن أمه وهي: حمنة بنت أبي سفيان بن أمية حلفت ألا تأكل ولا تشرب حتى يفارق دينه، ويرجع إلى دين آبائه وقومه، فلجَّ سعد في الإسلام. ويروى أنها كانت إذا أجهدها العطش شجوا فاهها، ويروى شجروا، أي: فتحوه، بعود ونحوه، صبوا ما يرمقها، فلما طال ذلك ورأت أن سعداً لا يرجع أكلت، ففي هذه القصة نزلت الآيات. انتهى
ثم قال رحمه الله: قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ووطأت الآية الأولى الأمر ببر الوالدين وحكمه، ثم حكم بأن ذلك لا يكون في الكفر والمعاصي، وجملة هذا الباب أن طاعة الأبوين لا تراعى في ركوب كبيرة، ولا ترك فريضة على الأعيان، وتلزم طاعتها في المباحات، ويستحسن في ترك الطاعات الندب. انتهى
والحاصل أن على هذه الفتاة المسلمة طاعة والديها المشركين ما لم يأمراها بكفر أو معصية.
أما إذا أرادت أن تتزوج -ولا يجوز لها أن تتزوج إلا مسلماً- فلا يلزمها أن تسـتأذن منهما لأنهما لا ولاية لهما عليها، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على هذا، ولأن الله تعالى قطع الولاية بين المسلمين وغيرهم من الكفار بقوله تعالى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً [النساء:141].
ولقوله صلى الله عليه وسلم: الإسلام يعلو ولا يعلى عليه. ولأن ولاية الكافر على المسلم أو المسلمة إذلال لهما، وهذا لا يجوز.
انتهى
وفي الفتاوى الهندية في فقه الحنفية: ولا ولاية لكافر على مسلم أو مسلمة. انتهى نقلاً من المفصل في أحكام المرأة.
أما من الذي يتولى تزويجها؟ فإذا وجد لها ولي مسلم زوجَّها، وإن كانوا جميعاً كفاراً تولى القاضي تزويجها. قال صاحب المفصل في أحكام المرأة: فإذا لم يوجد أحد من الأصناف التي ذكرناها، انتقلت الولاية إلى السلطان، لقوله عليه الصلاة والسلام: السلطان ولي من لا ولي له. ولما كان السلطان لا يتولى مثل هذه الأمور، فإن القاضي يتولاها نيابة عنه إذا أذن له السلطان بذلك. انتهى
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني