الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اعتزال أماكن الفساد، والخوف من سوء الخاتمة لا يتعارض مع إحسان الظن بالله

السؤال

سؤالي - بارك الله فيكم -: أنعم الله علي بنعمة الهداية، والتوبة النصوح، وفي كل صلاة أدعو ربي بحسن الخاتمة، وأنا أحسن الظن بربي، وإذا دعاني أحد من أصدقائي أو أحد أقربائي للخروج مجموعة، فإذا كان مكانًا طيبًا خرجت، وإذا كان غير ذلك أعتذر، مثل المقاهي؛ خوفًا من الله أن يقبض روحي وأنا على معصية، فهل هذا يعد من سوء الظن بالله - والعياذ بالله -؟ فأنا أخاف الله كثيرًا، ولا أحب أن أعصيه بعد أن منَّ عليَّ بالهداية، وأحس بلذة عند ذكره، وشوق كبير للقائه، وكلما أحببت أن أذهب إلى مكان للتنزه، وأرى كثرة الفساد لا أذهب، وأقعد في البيت أقرأ القرآن، أو أسمع محاضرات، وأنام مبكرًا لأستعد لصلاة الوتر والفجر، فهل ما أفعله صحيح أم لا؟ أرشدوني - بارك الله فيكم - علمًا أني متزوج، ولدي ابن وبنتان صغار، وأكره الخروج للمجمعات خشية الفتنة، وأن يقبض ربي روحي وأنا على غير طاعة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهنيئًا لك بنعمة الهداية، والتوفيق إلى التوبة النصوح، نسأل الله تعالى أن يثبتك عليها، ثم هنيئًا لك بنعمة التلذذ بذكر الله تعالى، والشوق إلى لقائه، ونسأله جل وعلا أن يديم علينا وعليك نعمة الإيمان، كما نسأله سبحانه حسن الختام.

واعلم أنك على حق فيما ذكرت في سؤالك من اعتزال أماكن الفساد والمنكرات، والخوف من سوء الخاتمة.

وهذا لا يتعارض مع إحسان الظن بالله ، فإن إحسان الظن به جل وعلا يستلزم إحسان العمل، لا سوء العمل، قال الحسن البصري - رحمه الله -: ليس الإيمان بالتمني، ولكن ما وقر في القلب، وصدقه العمل، إن قومًا ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، وقالوا: نحسن الظن بالله تعالى، وكذبوا، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل.

وقال أيضًا: المؤمن جمع إحسانًا وشفقة - أي: خوفًا - والمنافق جمع إساءة وأمنًا.

ومما يعين على حسن الخاتمة، والوقاية من سوئها الاستقامة على طاعة الله عز وجل، ودوام ذكره.

قال الحافظ أبو محمَّد عبد الحقّ بن عبد الرحمن الإشبيلي - رحمه الله -: واعلم - رحمك الله - أن لسوء الخاتمة - أعاذنا الله - منها أسبابًا ولها طرق وأبواب، أعظمها: الإكباب على الدنيا، والإعراض عن الأخرى، والإقدام بالمعصية على الله تعالى، وربما غلب على الإنسان ضرب من الخطيئة، ونوع من المعصية، وجانب من الإعراض، ونصيب من الافتراء، فملك قلبه، وسبى عقله، وأطفأ نوره، وأرسل عليه حجبه، فلم تنفع فيه تذكرة، ولا نجعت فيه موعظة، فربما جاءه الموت على ذلك فسمع النداء من مكان بعيد فلم يتبين المراد، ولا علم ما أراد، وان أعاد عليه وأعاد.

وقال ابن القيم - رحمه الله -: فكيف يوفق لحسن الخاتمة من أغفل الله سبحانه قلبه عن ذكره، واتبع هواه، وكان أمره فرطًا، فبعيد من قلب بعيد من الله تعالى غافل عنه، متعبد لهواه، مصير لشهواته، ولسانه يابس من ذكره، وجوارحه معطلة من طاعته، مشتغلة بمعصية الله أن يوفق لحسن الخاتمة. وانظر الفتوى رقم: 159127.

وأما بخصوص النوم مبكرًا فهذا أمر طيب، لا سيما إن قصدت بذلك الاستعانة على قيام الليل وصلاة الفجر، بل إن السهر مكروه إن لم تكن فيه مصلحة شرعية، وانظر الفتويين: 14199، 12156.

ونرى أن تتحرى أماكن بعيدة عن المنكرات والفتن لتتنزه فيها مع أهلك وولدك، فإجمام النفس، والترويح عنها من حين لآخر أمر مطلوب حتى لا تمل، وكما قيل: روحوا القلوب تعي الذكر، وانظر الفتوى رقم: 129613.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني