الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم قول: (ديسمبر، يا آخر ملامح هذا العام، كن لطيفًا، أطفئ لهيب أغسطس...)

السؤال

قرأت أحاديث تنهى عن سبّ الدهر، وبعد ذلك قرأت كلامًا لأحدهم ولم أستطيع التفريق بين ما يقصد به الخبر المحض دون اللوم، وما فيه سب للدهر؛ بسبب الأشياء المكروهة التي حدثت فيه، وأكثر ما حيّرني هو وصف الشهر بالتخبط، ووصف الشهر بالضياع: (ديسمبر... يا آخر ملامح هذا العام، كن لطيفًا، كن مهدًا لأحلامنا، أطفئ لهيب أغسطس، وهدئ ضياع سبتمبر، ونزاعات أكتوبر، وتخبط نوفمبر... كن خلاصة لكل أوجاع هذا العام)، وأرى أن من الممكن أن يعود هذا الوصف على حال الناس، وليس المقصود به الأشهر، فما رأيكم؟ أولم يكن من الأولى أن يدعو ربه، بدلًا من مخاطبة شهورٍ لا تنفع من دون الله، كأن يقول: (اللهم إنا نسألك خير ما في هذا الشهر، وخير ما بعده، ونعوذ بك من شرّ ما في هذا الشهر، وشر ما بعده، اللهم اكتب لنا الخير، والسعادة، والتوفيق فيه، واجعله بداية أجمل الأقدار، وحقّق لنا ما نتمنى، وارزقنا من حيث لا نحتسب).

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالأيام والأشهر والسنون كُلُّها مُسَخَّرةٌ مُدَبَّرةٌ، تدور في فلك القَدَر الذي قدّره الله تعالى، لا يُطلب منها أن تفعل؛ لأنها ليست خالقةً، ولا تفعل ما تشاء. ولا تُسَبُّ أيضا وتُذَمُّ؛ لأن ذمّها هو في الحقيقة ذَمٌّ لخالقها، ومُدَبِّرِ أمرها.

فالكلام المذكور في السؤال، والذي يطلب فيه قائله من بعض الأشهر أن تكون لطيفة، يُشعر بأن تلك الأشهر هي الفاعلة، وهذا -كما ذكرنا- غير صحيح، وكان الأجدر به -كما ذكرت- أن يسأل الله تعالى خير ما في هذه الأيام والأشهر، ويستعيذ به -سبحانه- من شر ما فيها، فقد جاء في الحديث عن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلالَ، قَالَ: اللهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ، وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلامَةِ، وَالْإِسْلامِ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ. رواه أحمد، والترمذي، وغيرهما.

وروى أبو داود -بسند ضعفه الألباني، وحسّنه لغيره شعيب الأرناؤوط في تحقيقه لسنن أبي داود- عن قتادة أنه بلغه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ: «هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ، هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ، هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ، آمَنْتُ بِالَّذِي خَلَقَكَ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي ذَهَبَ بِشَهْرِ كَذَا، وَجَاءَ بِشَهْرِ كَذَا».

فانظر إلى الهدي النبوي في النظر إلى الأشهر، وكيفية التعامل معها، وقارنه بما يفعله أمثال ذلك الكاتب، فتدرك البَون الشاسع، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني