الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رفض تدليك قدم الوالد إذا كثُر الطلب، ورفع الصوت عليهما عند كثرة الشكوى

السؤال

أبلغ 18 سنة، وأبي يبلغ من العمر 64 سنة، وقد أمضى حياته في السفر خارج البلد، ولم يستقرّ معنا إلا منذ عامين، وعلاقتنا ليست بالقوية، ومهما حاولت فهذا لا يُجدي معه، وهو يطلبني كثيرًا لتدليك قدميه، وأجبته كثيرًا؛ حتى أنني أصبحت أحمّل نفسي فوق طاقتي، ثم أصبحت أرفض، فغضب عليّ، ولكنه لم يتلفّظ بالقول، ولكن لم يعُد يحادثني، رغم قلّة حديثه معي بالأصل.
وأغلب الأوقات التي يطلبني لذلك، أكون في دراسة التفسير، أو أحفظ القرآن، أو أصلّي، فيقول لي: إنه لا يريدني أن أحفظ، ولا أتعلّم، ولا أصلّي، ويظلّ يتكلّم حتى أغضب، وأصرخ في وجهه، وأدخل غرفتي، فيغضب عليَّ ثلاثة أيام على الأقل، فماذا أفعل معه، فهو لا يطلبني إلا وأنا أدرس، أو أحفظ، أو أصلّي، ويطلب ذلك كثيرًا؟ ومهما حاولت أن أكتم غضبي عن والدتي، أو والدي -لأنهما كثيرا الشكوى من لا شيء، خاصة والدتي-، إلا أنني لا أستطيع أن أسكت أكثر؛ فأصرخ في وجهيهما، وكلما تبت عدت للذنب، فماذا أفعل حتى أتوب توبة نصوحًا، ويغفر الله لي؟ وهل أنا من العاقّين؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا شكّ أن حق الوالدين عظيم، وبرّهما وطاعتهما من أعظم القربات، وأرجاها لصلاح الدنيا والآخرة؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ، وَسَخَطُهُ فِي سَخَطِهِمَا. رواه ابن ماجه، وَالْحَاكِمُ، وصحّحه، وأقرّه الذهبي.

وقال ابن تيمية -رحمه الله- في الفتاوى الكبرى: وَيَلْزَمُ الْإِنْسَانَ طَاعَةُ وَالِدِيهِ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ، وَإِنْ كَانَا فَاسِقَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ أَحْمَدَ، وَهَذَا فِيمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهُمَا، وَلَا ضَرَرَ، فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَضُرَّهُ؛ وَجَبَ؛ وَإِلَّا فَلَا. اهـ

لذلك؛ فإن عليك أن تحرصي على إرضاء والديك، وتبذلي كل الجهد في تجنّب إسخاطهما، ويكون ذلك بالإحسان إليهما، والقُرْب منهما وقت فراغك.

والتقرّب إلى الوالد -مثلًا- بتدليك قدميه، وما أشبه ذلك من قضاء حوائجهما وطلباتهما، فإذا أحسّا منك السعي في برّهما ورضاهما؛ فإنهما سيعذرانك، ويرضيان عنك -إن شاء الله-؛ فالله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملًا.

وإذا أردت الاعتذار إليهما في أوقات شغلك بالصلاة، أو الدروس؛ فينبغي أن يكون برفق، ولطف، ولين.

وإذا حصل منك غضب عليهما؛ فإن عليك أن تكتمي ذلك، وتستعيذي بالله من الشيطان، ولا تفعلي ما يدلّ عليه من رفع الصوت عليهما؛ فقد قال الله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا {الإسراء:23}.

والحاصل: أن طاعة الوالدين واجبة فيما فيه مصلحة لهما، ولا ضرر فيه على الولد، وأنّ إغضابهما، أو رفع الصوت عليهما؛ لا يجوز بحال من الأحوال، وانظري الفتوى: 76303.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني