الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هبة الأب ملابس ولده الكبير للصغير، وحكم قبول هبة الطفل

السؤال

قرأت مؤخرًا فتوى تفيد بأنه "إذا وهبتَ طفلك ثوبًا ثم صَغُر عليه، فأخذته وأعطيتِه لأخيه، لم يجز ذلك؛ لأن الثوب ملك للأول.
والحلّ نية الإعارة: أي تشترين للأول، ثم تُلبسينه بنية الإعارة، لا التمليك، ثم يعار للثاني، وهكذا"، وكانت هذه الفتوى تتبع حكم أخذ قطع الحلوى من الأطفال، التي حرّم الشيخ فيها هذا الفعل؛ نظرًا لأن الأطفال لا يملكون تمليك الأشياء لغيرهم، فهل هذه الفتاوى صحيحة؟ وهل يحرم أخذ قطعة حلوى من طفلي، أو إعطاء ملابسه التي هي ملك له إذا صغرت عليه لأخيه، أو لأحد أقاربه لينتفع بها؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمثل هذا التصرّف في ملابس الأبناء شائع ومعروف! والذي يُنفِق على ولده من ماله يدرك هذا ويفهمه وهو يشتري الملابس وهو يعطيها للولد.

ووجود هذا المعنى وقصده كافٍ في جواز التصرّف بعد ذلك في ملابس الطفل، على النحو المذكور. ولا داعي للبحث والتكلّف في مثل هذا؛ فإن نفقة الطفل -ومنها: الملبس- واجبة على والده بقدر الكفاية، كبقية نفقة الأقارب، وانظري الفتوى: 46090.

فإذا ضاقت على الولد ملابسه، فأعطاها والده لأخيه الأصغر؛ فإنه مطالب بتوفير غيرها مما يناسبه؛ تحقيقًا للنفقة الواجبة عليه.

ثم إن الوالد يجوز له أن يأخذ من ماله ابنه دون إذنه ما يحتاج إليه للنفقة على نفسه، أو على من تلزمه نفقتهم، كما سبق بيانه في الفتويين: 39820، 32381.

ومما يدلّ على جواز أخذ الوالد شيئًا من ولده وتصرّفه فيه دون إذنه: حديث عبد الرحمن بن أبي بكر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينًا؟»، فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: دخلت المسجد، فإذا أنا بسائل يسأل، ‌فوجدت ‌كسرة ‌خبز في يد عبد الرحمن، فأخذتها منه، فدفعتها إليه. رواه أبو داود، والحاكم، والبيهقي، وصححه الحاكم على شرط مسلم، ولم يَتعقَّبه الذهبي.

وقال النووي في «المجموع»: رواه أبو داود بإسناد جيد. اهـ.

وصححه ابن علان في «الفتوحات الربانية»، وحسنه شعيب الأرناؤوط في تحقيق سنن أبي داود، وعبد القادر الأرناؤوط في تحقيق جامع الأصول.

قال ابن رسلان في «شرح سنن أبي داود»: (فوجدت كسرة خبز في يد عبد الرحمن، فأخذتها منه) فيه: جواز التصرّف في مال الابن بغير إذنه. اهـ.

وأمر آخر يحسن الانتباه إليه، وهو أن ما يهبه الوالدان لأبنائهما، يجوز لهما أن يستردّاه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحلّ للرجل أن يعطي عطية ثم يرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده. رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. وراجعي في ذلك الفتوى: 135413.

وأما هبة الطفل نفسه شيئًا من ماله لغيره، فلا تصحّ؛ لأن البلوغ شرط من شروط صحّة التبرع، وراجعي في ذلك الفتوى: 28928.

وهذا هو المانع من قبول عطية الطفل إذا وهب لغيره ما معه -من حلوى، أو غيرها-، ولا يدخل في هذا الوالدان؛ لما سبق التنبيه عليه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني