الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شرح حديث: إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فلا كِسْرَى بَعْدَهُ، وإذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فلا قَيْصَرَ بَعْدَهُ

السؤال

حديث (إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فلا كِسْرَى بَعْدَهُ، وإذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فلا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، والذي نَفْسِي بيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُما في سَبيلِ اللَّهِ). أما الشطر الأول فقد تحقق، وأما الثاني فقد فسره الإمام الشافعي -رحمه الله- بزوال ملك قيصر في الشام بالكلية، ولكن تاريخيا الروم قد عادوا للشام، ودخلوا دمشق، وحلب، ولو لفترة قليلة على يد إمبراطور بيزنطة، يوحنا الأول زيمسكي في عام 359 بعد الهجرة. أفيدونا أفادكم الله.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فبخصوص الحديث الذي أشرت إليه، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم- : إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فلا كِسْرَى بَعْدَهُ، وإذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فلا قَيْصَرَ بَعْدَهُ.

فقد جاء في معناه كما في شرح صحيح مسلم للنووي (ت 676): قال الشافعي وسائر العلماء: معناه لا يكون كسرى بالعراق، ولا قيصر بالشام كما كان في زمنه -صلى الله عليه وسلم- فعلمنا -صلى الله عليه وسلم- بانقطاع ملكهما في هذين الإقليمين، فكان كما قال -صلى الله عليه وسلم-، فأما كسرى فانقطع ملكه، وزال بالكلية من جميع الأرض، وتمزق ملكه كل ممزق، واضمحل بدعوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأما قيصر فانهزم من الشام، ودخل أقاصي بلاده فافتتح المسلمون بلادهما، واستقرت للمسلمين ولله الحمد، وأنفق المسلمون كنوزهما في سبيل الله؛ كما أخبر -صلى الله عليه وسلم- وهذه معجزات ظاهرة .اهـ.

وقال ابن تيمية (ت 728) في البيان الصحيح لمن بدل دين المسيح - فصل: إخباره عليه السلام بالكثير من الغيوب الماضية، والمستقبلة، ودلالتها على النبوة- : وهذا أخبر به، وملك كسرى وقيصر أعز ملك في الأرض، فصدق الله خبره في خلافة عمر وعثمان فهلك كسرى، وهو آخر الأكاسرة في خلافة عثمان بأرض فارس، ولم يبق بعده كسرى، ولم يبق للمجوس والفرس ملك، وهلك قيصر الذي بأرض الشام، وغيرها، ولم يبق بعده من هو ملك على الشام، ولا مصر، ولا الجزيرة من النصارى، وهو الذي يدعى قيصر .اهـ.

وقال ابن كثير (ت 774) في البداية والنهاية: قال الشافعي وغيره من العلماء: «ولما كانت العرب تأتي الشام والعراق للتجارة، فأسلم من أسلم منهم، شكوا خوفهم من ملكي العراق، والشام إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: «إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر، فلا قيصر بعده» قال: فباد ملك الأكاسرة بالكلية، وزال ملك قيصر عن الشام بالكلية، وإن ثبت لهم ملك في الجملة، ببركة دعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لهم حين عظموا كتابه، والله أعلم. قلت: وفي هذا بشارة عظيمة بأن ملك الروم لا يعود أبدا إلى أرض الشام .اهـ.

وأما دخول الروم لبرهة من الزمن إلى بعض أراضي الشام، فلا يعني عودة ملكهم إلى الشام، وقد تتابع العلماء بعد هذا التاريخ على بيان معنى الحديث، ولم يعتبروا ما ذكرته إشكالا في الحديث، ولم يشيروا إليه أصلا.

وهؤلاء الأئمة -النووي وابن تيمية وابن كثير- من أهل الشام، وهم أدرى بتاريخها، ولا يظن أنه يخفى عليهم جميعا حدث كبير من جنس ما ذكرته في سؤالك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني