الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وهو خير الفاتحين

وهو خير الفاتحين

وهو خير الفاتحين

{رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ}[الأعراف:89].. دعوة دعا بها شعيب عندما هدده قومه بأن يخرجوه من قريتهم هو ومن معه من المسلمين.. وهذا الموضع الوحيد في القرآن الذي ذكر فيه سبحانه بهذا الوصف {خير الفاتحين}.

وفي القرآن أيضا ذكر اسم الله الفتاح في قوله سبحانه في سورة سبأ (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ)[سبأ:26].
ولم يرد هذا الاسم في القرآن الكريم إلا في هذين الموضعين، وإنما ورد في القرآن تصريف الفعل فتح ويفتح وافتح، كثيرا جدا، وبمعان متعددة.
وكذلك ورد في السنة طلب الفتح وسؤال الله أن يفتح لنا كقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أَبِي أُسَيْدٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ افتح لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ)أخرجه مسلم.

معنى اسم الله الفتاح
ومن تتبع لفظ الفتح ومشتقاته في كتاب الله وجده يدور حول معان متعددة:
فالفتاح: كثير الفتح على عباده، فهو الذي يفتح على جميع خلقه أبواب الخير والرزق، فما فتحه لهم لا يغلقه أحد، وما أغلقه دونهم لم يفتحه أحد {مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[فاطر:2].
وهو الذي يخص عباده المؤمنين المتقين فيفتح لهم مع أبواب الرزق أبواب البركة والرحمة فيما يرزقهم فيبارك لهم فيها ويجعلها نعمة عليهم ومنحة لا استدراجا ونقمة، قال سبحانه: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}[الأعراف:96]

فإن من الرزق ما يكون منحة ومنه استدراجا ونقمة كما في قوله: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ . فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الأنعام:44ـ45].

والفتح يأتي أيضا بمعنى "الفصل بين عباده المؤمنين والكافرين"، وقد كان أنبياؤه يدعونه بأن يفتح بينهم وبين المكذبين من أقوامهم، كما قال نوح {رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ . فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[الشعراء:117-118]. وكما قال شعيب: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ}[الأعراف:89]. والفتح هنا بمعنى الفصل وطلب النصر..
فإن الفتح يأتي بمعنى النصر أيضا، والفتاح هو الناصر لعباده على أعدائهم كما قال سبحانه: {فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ}[المائدة:52].

وكما يفصل بينهم في الدنيا، كذلك يفصل بينهم في الآخرة حين يجمع هؤلاء وهؤلاء ويفصل بينهم، ويبين حكمهم، فيقضي بهؤلاء إلى الجنة وهؤلاء إلى النار وبئس القرار. {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (24) قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ}[سبأ].

والفتاح: هو الذي يفتح بعنايته كل مغلق، فيفتح لعبده أبوابه إذا أغلقت دونه جميع الأبواب، وييسر له طريقا وسبيلا إذا سدت في وجهه جميع السبل والأسباب، وييسر له الأمور إذا ضاقت به الأحوال، فهو الذي يقضي الحاجات، ويفرج الكربات، ويخرج العبد من المهلكات بعد أن يظن أنه لا مخرج له
ولرب نازلة يضيق بها الفتى .. .. ذرعا وعند الله منها المخـرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها .. .. فرجت وكنت أظنها لا تفرج

والفتاح:: هو الذي يفتح على العبد أبواب الخير بكلمة يسمعها كأنها أول مرة، أو بآية يفتح عليه باب فهم لها كأنه يفهمها لأول مرة، أو بموقف يغير حياته كلها.
خرج شاب لمعصية بمدينة بعيدة عن مدينته، يختفي عن أنظار الناس في مكان لا يعرفه فيه أحد، فبينما هو في طريقه سمع رجلا يقرأ قوله تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا}[النساء:108]، فترك ما هم به ورجع.

الفتاح: هو الذي يفتح على العلماء أبواب العلم والفقه والفهم، فيفهمون من الأمور والمواقف والعلوم ما يخفى على غيرهم.

والفتاح: هو الذي يفتح على الدعاة من أبواب الكلام ما لا يستطيعون كتابته لو أرادوا أن يكتبوه، ويفتح قلوب المدعوين إلى ما يسمعون ولو كان يسيرا.. فإنما كلها فتوح، والأمر كله لله.

والفتاح: هو الذي يفتح أبواب السعادة لمن شاء من خلقه، فلا يغلقها عليهم قلة مال، ولا كثرة عيال، ولا صعوبة عيش، ولا ألم ومتاعب الحياة.

حاجتنا إلى اسم الله الفتاح
. إن حاجتنا لفتح الله علينا حاجة دائمة في أول اليوم ووسطه وآخره، وفي أوائل الأمور وخلالها وفي نهاياتها.
وقد كان النبي يستفتح ربه في أول يومه، (أسألك خير ما في هذا اليوم فتحه ونصره ونوره وبركته وهداه}رواه أبو داود، وعند دخول المسجد (وافتح لي أبواب رحمتك)، وهكذا هو في ليله وفي نهاره يسأل ربه أن يفتح له ويفتح عليه.

- نحتاج إلى الله الفتاح في حياتنا ليفتح لنا أبواب الرزق، وفي عملنا ليفتح لنا أبواب التوفيق، وفي علمنا ليفتح لنا أبواب الفهم، وفي دعوتنا ليفتح لنا قلوب العباد، وفي مرضنا ليفتح لنا أبواب الشفاء، وفي دعائنا ليفتح لنا أبواب الإجابة، وفي عبادتنا ليفتح لنا أبواب القبول، نحن في الحقيقة لا نستغني عن فتح الله لنا أبدا، بل نحتاج إلى الله الفتاح ليفتح لنا أبواب الرضا، والسعادة والأنس والإيمان واليقين.. نحتاج إلى الفتاح في كل أمورنا؛ لأنه إذا فتح لنا بابا فلن يستطيع أحد من الخلق أبدا أن يغلقه.

- إذا تعلق الإنسان باسم الله الفتاح حول حياته من الهم والغم والنكد، إلى الفرح والسرور والسعادة..كما فتح الله على محمد صلوات الله وسلامه عليه، وعلى المؤمنين معه، فقال {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا}[الغتح:1].. فماذا كان بعد هذا الفتح؟ غفر الله له، وأتم عليه نعمته، وهداه، ونصره نصرا عزيزا، وأيده بنصره وبالمؤمنين، وأمر بتعزيره وتوقيره، وصدق له رؤياه وفتح عليه وعلى المؤمنين.
ومن على المؤمنين معه، فرضي عنهم، وأثنى عليهم، وأنزل السكينة عليهم، وأثابهم فتحا قريبا، ومغانم كثيرة، ومدحهم وأغاظ بهم الكفار، ووعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم أجرا عظيما.

الانتفاع باسم الفتاح
أما كيف يتعامل المؤمن مع هذا الاسم.. فذلك أيضا بأمور:
. أن تتعلق به سبحانه في كل أمورك، فهو الذي يكشف الغمة عن عباده، ويسرع الفرج، ويرفع الكرب، ويجلي العماية، ويزيل الضراء، ويفيض الرحمة، ويفتح أبواب الرزق والبركة.

. أن تكون مفتاحا للخير مغلاقا للشر، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الخير خزائن، ولتلك الخزائن مفاتيح، فطوبى لعبد جعله الله مفتاحا للخير مغلاقا للشر، وويل لعبد جعله الله مفتاحا للشر مغلاقا للخير)أخرجه ابن ماجه.

. أن تكثر من دعاء الله بهذا الاسم {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}..

. عدم اليأس عند وقوع المشكلات، وعدم القنوط من تفريج الكربات، وانتظار الفتح دائما من رب الأرض والسموات.

نسأل الله أن يفتح مسامع قلوبنا لذكره، وأن يفتح لدعائنا باب القبول والإجابة، ويفتح لنا من خزائن رحمته وفضله في الدنيا والآخرة.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة