44 - حدثنا أحمد بن السندي بن بحر ، قال : ثنا الحسن بن علويه القطان ، قال : ثنا إسماعيل بن عيسى ، قال : ثنا إسحاق بن بشر أبو حذيفة ، قال : ثنا عن سعيد بن بشير ، عن قتادة ، قال : " كان سبب استنقاذ بني إسرائيل من أرض كعب الأحبار ، بابل رؤيا بختنصر ، فإنه رأى رؤيا فزع منها ، فدعا كهنته وسحرته ، فأخبرهم بما أصابه من الكرب في رؤياه ، وسألهم أن يعبروها له ، فقالوا : قصها علينا ، قال : قد نسيتها ، فأخبروني بتأويلها ، قالوا : فإنا لا نقدر أن نخبرك بتأويلها حتى تقصها . فغضب ، وقال : اخترتكم واصطنعتكم لمثل هذا ، اذهبوا ، فقد أجلتكم ثلاثة أيام ، فإن أتيتموني بتأويلها ، وإلا قتلتكم ، وشاع ذلك في الناس ، فبلغ ذلك دانيال وهو محبوس ، فقال لصاحب السجن - وهو إليه محسن - : هل لك أن تذكرني للملك ؟ فإن عندي علم رؤياه ، وإني أرجو أن تنال عنده بذلك منزلة ، وتكون سبب عافيتي ، قال له صاحب السجن : إني أخاف عليك سطوة الملك ، لعل غم السجن حملك على أن تتروح بما ليس عندك فيه علم ، مع أني أظن إن كان عند أحد في هذه الرؤيا علم فأنت هو ، قال دانيال : لا تخف علي ، فإن لي ربا يخبرني بما شئت من حاجتي ، فانطلق صاحب السجن فأخبر بختنصر بذلك ، فدعا دانيال فأدخل عليه ، ولم يدخل عليه أحد إلا يسجد له ، فوقف دانيال فلم يسجد ، فقال الملك لمن في البيت : اخرجوا فخرجوا ، فقال بختنصر لدانيال [ ص: 84 ] : ما منعك أن تسجد لي ؟ قال دانيال : إن لي ربا آتاني هذا العلم الذي سمعت به على أن لا أسجد لغيره ، فخشيت أن أسجد لك فينسلخ عني هذا العلم ، ثم أصير في يدك أميا فلا تنتفع بي فتقتلني ، فرأيت ترك السجدة أهون من قتلي ، وخطر سجدة أهون من الكرب والبلاء الذي أنت فيه ، فتركت السجود نظرا إلى ذلك .
فقال بخت نصر : لم يكن أوثق في نفسي منك حين وفيت لإلهك ، وأحب الرجال عندي الذين يوفون لأربابهم بالعهود ، فهل عندك علم بهذه الرؤيا التي رأيت ؟ قال : نعم ، عندي علمها وتفسيرها ، رأيت صنما عظيما رجلاه في الأرض ورأسه في السماء ، أعلاه من ذهب ، وأوسطه من فضة ، وأسفله من نحاس ، وساقاه من حديد ، ورجلاه من فخار ، فبينا أنت تنظر إليه قد أعجبك حسنه ، وإحكام صنعته ، قذفه الله عز وجل بحجر من السماء ، فوقع على قمة رأسه ، فدقه حتى طحنه ، فاختلط ذهبه ، وفضته ونحاسه ، وحديده ، وفخاره ، حتى تخيل إليك لو اجتمع جميع الإنس والجن على أن يميزوا بعضه من بعض لم يقدروا على ذلك ، ولو هبت ريح لأذرته ، ونظرت إلى الحجر الذي قذف به يربو ، ويعظم وينتشر ، حتى ملأ الأرض كلها ، فصرت لا ترى إلا السماء والحجر ، فقال له بخت نصر : صدقت ، هذه الرؤيا التي رأيت ، فما تأويلها ؟
قال دانيال : فأما الصنم فأمم مختلفة في أول الزمان ، وفي أوسطه ، وفي آخره ، وأما الذهب فهذا الزمان ، وهذه الأمة التي أنت فيها ، وأنت ملك لها ، وأما الفضة فابنك يملك بعدك ، وأما النحاس : فإنه الروم ، وأما الحديد ففارس ، وأما الفخار فأمتان يملكهما امرأتان إحداهما في مشرق اليمن ، والأخرى في غربي الشام ، وأما الحجر الذي قذف به [ ص: 85 ] الصنم فدين الله عز وجل يقذف به هذه الأمة في آخر الزمان ؛ ليظهره عليها ، فيبعث الله نبيا أميا من العرب فيدوخ الله به الأمم والأديان ، كما رأيت الحجر دوخ أصناف الصنم ، ويظهره على الأديان والأمم ، كما رأيت الحجر ظهر على الأرض وانتشر فيها حتى علاها ، فيمحص الله به الحق ، ويزهق به الباطل ، ويهدي به الضلال ، ويعلم به الأميين ، ويقوي به الضعفة ، ويعز به الأذلة ، وينصر به المستضعفين .
قال بخت نصر : ما أعلم أحدا استعنت به منذ وليت الملك على شيء غلبني غيرك ، ولا أحد له عندي يد أعظم من يدك ، وأنا أجازيك بإحسانك . وذكر القصة بما يليها .