والذي عليه أهل السنة والجماعة وعامة عقلاء بني آدم من جميع الأصناف : أن وقد دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع القديم قال الله تعالى المعدوم ليس في نفسه شيئا وأن ثبوته ووجوده وحصوله شيء واحد لزكريا : { وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا } فأخبر أنه لم يك شيئا وقال تعالى : { أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا } ؟ وقال تعالى : { أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون } ؟ .
[ ص: 156 ] فأنكر عليهم اعتقاد أن يكونوا خلقوا من غير شيء خلقهم أم خلقوا هم أنفسهم ; ولهذا قال جبير بن مطعم : لما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه السورة أحسست بفؤادي قد انصدع . ولو كان المعدوم شيئا لم يتم الإنكار إذا جاز أن يقال ما خلقوا إلا من شيء لكن هو معدوم فيكون الخالق لهم شيئا معدوما . وقال تعالى : { فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا } ولو كان المعدوم شيئا لكان التقدير : لا يظلمون موجودا ولا معدوما والمعدوم لا يتصور أن يظلموه فإنه ليس لهم .
وأما قوله { إن زلزلة الساعة شيء عظيم } فهو إخبار عن الزلزلة الواقعة أنها شيء عظيم ليس إخبارا عن الزلزلة في هذه الحال ; ولهذا قال : { يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت } ولو أريد به الساعة لكان المراد به أنها شيء عظيم في العلم والتقدير .
وقوله تعالى { إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } قد استدل به من قال المعدوم شيء وهو حجة عليه ; لأنه أخبر أنه يريد الشيء وأنه يكونه وعندهم أنه ثابت في العدم وإنما يراد وجوده لا عينه ونفسه والقرآن قد أخبر أن نفسه تراد وتكون وهذا من فروع هذه المسألة .