إسلام ويب - الدين الخالص - النصيب الأول في بيان إثبات التوحيد ونفي الإشراك - باب في الكلام على معنى كلمة التوحيد والتحقق به وما يتصل بذلك

الاستغاثة بغير الله شرك

فتفكر -رحمك الله، وإيانا- فيما أحدثه الناس المشركون القاسطون من عبادة غير الله في البر، والبحر.

فيستمدون، ويستغيثون بالشيخ «عبد القادر الجيلاني»، والسيد «معين الدين الجشتي»، و«نظام الأولياء»، و«قطب الكاكي»، وأمثالهم من الصلحاء الأتقياء أن ينجو من شدائد هذه الدار الفانية.

فيقال لهذا الجاهل: إذا كنت تعرف أن الإله هو المعبود، وتعرف أن الدعاء مثلا - هو العبادة، فكيف تدعو مخلوقا غائبا، ميتا، لا يعلم متى يبعث، وماذا يفعل به، وتترك إلها حاضرا، ناظرا، قديرا، نافعا، ضارا؟

فيقول هذا المشرك: إن الأمر بيد الله، ولكن هذا الصالح يشفع لي، وتنفعني شفاعته، وجاهه، ويظن أن هذا يسلمه من الشرك. [ ص: 186 ]

فيقال له: المشركون الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستحل دماءهم، وأموالهم، كلهم يقرون بذلك، ويعتقدون أن الله هو الذي يدبر الأمر، ويربي الخلق.

وإنما أرادوا بهؤلاء ما أرادوا من القربة، والشفاعة؛ كما قال تعالى: ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله [يونس: 18].

وما بعد هذا البيان من الله بيان، ولا قرية وراء عبادان.

وإذا كان الله قد حكى عن الكفار أنهم يقرون بذلك، وإنما أرادوا التقرب إلى الله، والشفاعة، وما ضاهاها.

فإذا احتجوا بأن أولئك يعتقدون في الأصنام والأوثان، وهي حجارة، أو خشب، أو نحوها، ونحن إنما اعتقدنا في الصلحاء.

فقال لهم: إن الكفار الأولين أيضا منهم من كان يعتقد في الملائكة، ومنهم من يعتقد في عيسى، وعزير، ومنهم من يعتقد في الجن، ومنهم من يعبد الأصنام، والكفر ملة واحدة.

وقد قال تعالى -فيمن اعتقد في الملائكة-: قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون [سبأ:40-41].

وقال فيمن اعتقد في عيسى -عليه السلام-: يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم [النساء: 171].

وقال فيمن عبد الأصنام، واعتقدها: قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع العليم [المائدة: 76].

ولفظة: «من دون» تشمل كل شيء من حيوان، وجماد، ونبات، وصالح، وطالح. [ ص: 187 ]

فإذا كان «عيسى» من أولي العزم من الرسل قيل فيه هذا، فكيف بآحاد الأولياء من هذه الأمة الإسلامية أن يملكوا لعابديه ضرا، أو نفعا؟!

وقد حكى الله تعالى عن مثل هؤلاء الذين اعتذروا في الأولياء بما تقدم في كتابه، وقال:

أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه [الإسراء: 57].

قالت طائفة من السلف: كان قوم يدعون الملائكة، وعزيرا، فأفصح سبحانه بأن هؤلاء عبيدي كما أنتم عبيدي، ويرجون رحمتي كما أنتم ترجون رحمتي، ويخافون عذابي كما أنتم تخافون عذابي.

وما أحق هذه الآية بالتفكر فيها، والتدبر لها، وما في معناها من الآيات الأخرى الكثيرة الطيبة.

ولما قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يفرق بين الذين يعتقدون في الأحجار، والأشجار، والقبور، ونحوها، وبين من يعتقدون في الملائكة، والأنبياء، والصلحاء.

بل ساقهم مساقا واحدا، وسلخهم من مسلخ واحد، ونص عليهم بالكفر، والشرك، من غير فرق بينهم.

وهذا واضح بين -بحمد الله تعالى- يعرفه كل من له أدنى درك، وأيسر عقل، وأنزر فهم، وذلك شيء كثير.

ومن أنواع الشرك: أشياء ما عرفها الصحابة إلا بعد سنين، فمن أنت حتى تعرفه بغير تعلم؟!

وقد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك [محمد:19]. [ ص: 188 ]

وقال تعالى: ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين [الزمر: 65].

فإذا كان هذا في حق سيد الرسل، وخاتمهم، فما ظنك بغيره من الناس؟