الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا

                                                                                                                                                                                                                                      الرجال قوامون على النساء كلام مستأنف مسوق لبيان سبب استحقاق الرجال الزيادة في الميراث تفصيلا إثر بيان تفاوت استحقاقهم إجمالا، وإيراد الجملة اسمية والخبر على صيغة المبالغة للإيذان بعراقتهم في الاتصاف بما أسند إليهم ورسوخهم فيه، أي: شأنهم القيام عليهن بالأمر والنهي قيام الولاة على الرعية وعلل ذلك بأمرين: وهبي وكسبي فقيل: بما فضل الله بعضهم على بعض الباء سببية متعلقة بـ"قوامون" أو بمحذوف وقع حالا من ضميره و"ما" مصدرية والضمير البارز لكلا الفريقين تغليبا، أي: قوامون عليهن بسبب تفضيل الله تعالى إياهم عليهن أو ملتبسين بتفضيله تعالى إلخ، ووضع البعض موضع الضميرين للإشعار بغاية ظهور الأمر وعدم الحاجة إلى التصريح بالمفضل والمفضل عليه أصلا ولمثل ذلك لم يصرح بما به التفضيل من صفات كماله التي هي كمال العقل وحسن التدبير ورزانة الرأي ومزيد القوة في الأعمال والطاعات، ولذلك خصوا بالنبوة والإمامة والولاية وإقامة الشعائر والشهادة في جميع القضايا ووجوب الجهاد والجمعة وغير ذلك. وبما [ ص: 174 ] أنفقوا من أموالهم الباء متعلقة بما تعلقت به الأولى و"ما" مصدرية أو موصولة حذف عائدها من الصلة و"من" تبعيضية أو ابتدائية متعلقة بـ"أنفقوا" أو بمحذوف وقع حالا من العائد المحذوف أي: وبسبب إنفاقهم من أموالهم أو بسبب ما أنفقوه من أموالهم أو كائنا من أموالهم وهو ما أنفقوه من المهر والنفقة، روي أن سعد ابن الربيع أحد نقباء الأنصار رضي الله عنهم نشزت عليه امرأته حبيبة بنت زيد بن أبي زهير فلطمها فانطلق بها أبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكا فقال عليه السلام: لتقتص منه فنزلت; فقال عليه السلام: أردنا أمرا وأراد الله أمرا والذي أراده الله خير. فالصالحات شروع في تفصيل أحوالهن وبيان كيفية القيام عليهن بحسب اختلاف أحوالهن، أي: فالصالحات منهن. قانتات أي: مطيعات لله تعالى قائمات بحقوق الأزواج . حافظات للغيب أى لموجب الغيب، أي: لما يجب عليهن حفظه في حال غيبة الأزواج من الفروج والأموال، عن النبي صلى الله عليه وسلم "خير النساء امرأة إن نظرت إليها سرتك وإن أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في مالها ونفسها"، وتلا الآية. وقيل: لأسرارهم وإضافة المال إليها للإشعار بأن ماله في حق التصرف في حكم مالها كما في قوله تعالى: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم الآية. بما حفظ الله "ما" مصدرية، أي: بحفظه تعالى إياهن بالأمر بحفظ الغيب والحث عليه بالوعد والوعيد والتوفيق له، أو موصولة أي: بالذي حفظ الله لهن عليهم من المهر والنفقة والقيام بحفظهن والذب عنهن، وقرئ "بما حفظ الله" بالنصب على حذف المضاف أي: بالأمر الذي حفظ حق الله تعالى وطاعته وهو التعفف والشفقة على الرجال. واللاتي تخافون نشوزهن خطاب للأزواج وإرشاد لهم إلى طريق القيام عليهن والخوف حالة تحصل في القلب عند حدوث أمر مكروه أو عند الظن أو العلم بحدوثه، وقد يراد به أحدهما أي: تظنون عصيانهن وترفعهن عن مطاوعتكم من النشز وهو المرتفع من الأرض. فعظوهن فانصحوهن بالترغيب والترهيب. واهجروهن بعد ذلك إن لم ينفع الوعظ والنصيحة. في المضاجع أي: في المراقد، فلا تدخلوهن تحت اللحف ولا تباشروهن فيكون كناية عن الجمع. وقيل: المضاجع: المبايت أي: لا تبايتوهن، وقرئ "في المضجع" و"في المضطجع". واضربوهن إن لم ينجح ما فعلتم من العظة والهجران ضربا غير مبرح ولا شائن. فإن أطعنكم بذلك كما هو الظاهر لأنه منتهى ما يعد زاجرا. فلا تبغوا عليهن سبيلا بالتوبيخ والأذية، أي: فأزيلوا عنهن التعرض واجعلوا ما كان منهن كأنه لم يكن فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له. إن الله كان عليا كبيرا فاحذروه فإنه تعالى أقدر عليكم منكم على من تحت أيديكم أو أنه تعالى على علو شأنه يتجاوز عن سيئاتكم ويتوب عليكم عند توبتكم فأنتم أحق بالعفو عن أزواجكم عند إطاعتهن لكم أو أنه يتعالى ويكبر أن يظلم أحدا أو ينقص حقه، وعدم التعرض لعدم إطاعتهن لهم للإيذان بأن ذلك ليس مما ينبغي أن يتحقق أو يفرض تحققه وأن الذي يتوقع منهن ويليق بشأنهن لا سيما بعد ما كان من الزواجر هو الإطاعة، ولذلك صدرت الشرطية بالفاء المنبئة عن سببية ما قبلها لما بعدها.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية