الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ( 27 ) .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ) كلمة التوحيد ، وهي قول : لا إله إلا الله ( في الحياة الدنيا ) يعني قبل الموت ( وفي الآخرة ) يعني في القبر . هذا قول أكثر أهل التفسير .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : " في الحياة الدنيا " : عند السؤال في القبر ، " وفي الآخرة " : عند البعث .

                                                                                                                                                                                                                                      والأول أصح .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبو الوليد ، حدثنا شعبة ، أخبرني علقمة بن مرثد قال : سمعت سعيد بن عبيدة ، عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فذلك قوله تعالى : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) . [ ص: 350 ]

                                                                                                                                                                                                                                      وأخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي ، أنبأنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، أنبأنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة بهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ) قال : نزلت في عذاب القبر يقال له : من ربك ؟ فيقول : ربي الله ، ونبيي محمد ، فذلك قوله تعالى : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ) الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عياش بن الوليد ، حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا سعيد ، عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن العبد إذا وضع في قبره ، وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم ، أتاه ملكان فيقعدانه ، فيقولان : ما كنت تقول في هذا الرجل ، لمحمد صلى الله عليه وسلم ؟ فأما المؤمن ، فيقول : أشهد أنه عبد الله ورسوله . فيقال له : انظر إلى مقعدك من النار ، قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة ، فيراهما جميعا " قال قتادة : وذكر لنا أنه يفسح له في قبره ، ثم رجع إلى حديث أنس قال :

                                                                                                                                                                                                                                      وأما المنافق والكافر ، فيقال له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : لا أدري ، كنت أقول ما يقول الناس ، فيقال له : لا دريت ولا تليت ، ويضرب بمطارق من حديد ضربة ، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين " .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو الفرج المظفر بن إسماعيل التميمي ، حدثنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي ، أنبأنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ ، حدثنا عبد الله بن سعيد ، حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا عنبسة بن سعيد بن كثير ، حدثني جدي عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الميت يسمع حس النعال إذا ولى عنه الناس مدبرين ، ثم يجلس ويوضع كفنه في عنقه ثم يسأل " .

                                                                                                                                                                                                                                      وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا قبر الميت أتاه ملكان أسودان أزرقان ، يقال لأحدهما : المنكر ، وللآخر النكير ، فيقولان : ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول : هو عبد الله ورسوله ، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبد الله ورسوله ، فيقولان له : قد كنا نعلم أنك تقول هذا ، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين ، ثم ينور له فيه ، ثم يقال : نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه ، حتى يبعثه الله تعالى ، وإن كان منافقا أو كافرا قال : [ ص: 351 ] سمعت الناس يقولون قولا فقلت مثله ، لا أدري ، فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول ذلك فيقال للأرض التئمي عليه فتلتئم عليه ، فتختلف أضلاعه ، فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك " .

                                                                                                                                                                                                                                      وروي عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر قبض روح المؤمن وقال : " فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه في قبره فيقولان له من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ [ فيقول : ربي الله ، وديني الإسلام ، ونبيي محمد ، فينتهرانه ، ويقولان له الثانية : من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ ] وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن فيثبته الله عز وجل ، فيقول : ربي الله ، وديني الإسلام ، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم فينادي مناد من السماء : أن صدق عبدي ، قال : فذلك قوله تعالى : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أنبأنا أبو العباس عبد الله بن محمد بن هارون الطيسفوني ، أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد الترابي ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عمر بن بسطام ، أنبأنا أبو الحسن أحمد بن سيار القرشي ، حدثنا إبراهيم بن موسى الفراء أبو إسحاق حدثنا هشام بن يوسف حدثنا عبد الله بن يحيى ، عن هانئ مولى عثمان قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الرجل وقف عليه وقال : " استغفروا لأخيكم واسألوا الله له التثبيت ، فإنه الآن يسأل " .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال عمرو بن العاص في سياق الموت وهو يبكي : فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار ، فإذا دفنتموني فسنوا علي التراب سنا ، ثم أقيموا حول قبري قدر ما ينحر جزور ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم ، وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ( ويضل الله الظالمين ) أي : لا يهدي المشركين إلى الجواب بالصواب في القبر ( ويفعل الله ما يشاء ) من التوفيق ، والخذلان ، والتثبيت ، وترك التثبيت .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية